فرنسا تحت نيران الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل بالعربية

11 نوفمبر 2020
من تظاهرة ضدّ فرنسا في داكا أوائل نوفمبر (Getty)
+ الخط -

"فرنسا أعلنت أن منفّذ هجوم نيس ليس مسلماً"، و"قاتل المدرّس الفرنسي لاقى تشييع الأبطال"، أما الرئيس الفرنسي فيواجه "تظاهرات تحت بيته" ويتلقّى "توبيخ الأطفال في المدارس على مواقفه الأخيرة من رسوم الكاريكاتور"، فيما "تتعرّض المحجبات الفرنسيات لعنف الشرطة وإكراههنّ على خلع الحجاب"، و"يقتحم الأمن الفرنسي المساجد مروّعاً من فيها"... هكذا تبدو صورة فرنسا، بحسب الأخبار والصور والمقاطع الكاذبة التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي بالعربية في الأسابيع الماضية، إثر اعتداءين نفذهما إسلاميان في باريس ونيس، ومواقف الرئيس إيمانويل ماكرون المدافعة عن حرية التعبير في قضية نشر رسوم كاريكاتوريّة تتناول النبيّ محمد.

المنفذون
في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اقتحم شاب تونسي كنيسة في مدينة نيس بجنوب شرق فرنسا وقتل ثلاثة أشخاص فيها، بعد نحو أسبوعين من إقدام لاجئ شيشانيّ على قطع رأس المدرّس صامويل باتي في باريس، لعرضه رسوماً كاريكاتورية للنبيّ في سياق درس عن حريّة التعبير.

وبعد وقت قصير على اعتداء نيس، ظهر على مواقع التواصل بالعربية شريط مصور قيل إنه يُظهر مسؤولاً قضائياً فرنسياً يؤكّد أن لا علاقة لمنفّذ الهجوم بالإسلام، لكن المسؤول لم يكن يتحدّث عن منفذ هجوم نيس إبراهيم عويساوي، بل يروي في الحقيقة وقائع جرت في مدينة أفينيون، حيث هدّد رجل مضطرب يحمل مسدساً المارّة قبل أن تقتله الشرطة.

وأثارت جريمة قتل صامويل باتي الكثير من الأخبار المضلّلة، منها قيل إنه يُظهر لحظة قتل منفّذها برصاص الشرطة، لكنه يعرض في الحقيقة حادثة وقعت قبل عام، ولا علاقة لها بالأحداث الأخيرة.

وتداول مستخدمون فيديو قيل إنه يُظهر جنازة الشيشاني الإسلامي المتطرّف منفّذ الاعتداء، لكن المقطع يصوّر في الحقيقة جنازة آخر توفي عام 2018 في سجن روسي في سيبيريا، حيث كان يمضي عقوبة بالسجن 15 عاماً لإدانته بقتل ضابط.

طفلة توبّخ ماكرون؟
أكثر من مليون و400 ألف مشاهدة حققها فيديو لفتاة فرنسية مسلمة من أصل إفريقي قيل إنها توبّخ ماكرون على مواقفه بشأن رسوم النبي. لكن المقطع مركّب في الحقيقة من مشاهد عدّة، منها فيديو تحيّي فيه الفتاة ماكرون، ولم توبّخه كما ادّعى التعليق الصوتي المضلّل.

وانعكس الجدال المذهبي المتوتّر في المنطقة الذي تشهده أحياناً مواقع التواصل الاجتماعي على الأخبار غير الصحيحة المنتشرة حول فرنسا. فظهر فيديو قيل إنه يصوّر ماكرون ينسبُ إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وزوجة النبي عائشة أقوالاً وأفعالاً قائلاً إن فيها إساءة إلى رسول الإسلام، لكن المقطع لا علاقة له بخطاب ماكرون الذي تحدّث فيه عن قيم الجمهورية الفرنسيّة والعلمانية وحريّة التعبير.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

 

مآثر منسوبة إلى قادة أوروبيين آخرين
في المقابل، نشرت تعليقات تشيد بـ"حكمة" قادة أوروبيين آخرين بالمقارنة مع مواقف ماكرون. فظهرت على فيسبوك وتويتر صور قيل إنها مقولة للملكة إليزابيث تمدح فيها الإسلام، وقد رُفعت في شوارع بريطانيا. واللافتة الأصلية فيها تصريح للملكة عن التباعد الاجتماعي في ظلّ انتشار وباء كوفيد-19.

كذلك تناقل مستخدمون على فيسبوك وتويتر وإنستغرام صوراً قيل إنها تُظهر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع ألمانيات مسلمات محجّبات، للإشارة إلى أن ميركل أكثر احتراماً للإسلام في بلدها من ماكرون في فرنسا. لكن الادعاء خطأ، فالصورة تُظهرها بين سيّدات أعمال سعوديات.

ردود فعل
وإن كانت تصريحات الرئيس الفرنسي قد أثارت جدلاً في العالم الإسلامي وانتقادات لماكرون، فإنّ عدداً من ردود الفعل التي تحدّثت عنها صفحات مواقع التواصل كانت غير صحيحة. إذ تداول مستخدمون، ولا سيّما في مصر، شريط فيديو قالوا إنه يُظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي يردّ بحدة على ماكرون. وصحيح أن السيسي أعرب أواخر الشهر الماضي عن رفضه الإساءة إلى القيم الدينية، لكن الفيديو المتداول لا علاقة له بذلك، بل يعود لكلمة من عام 2019، ردّ فيها على سؤال صحافي عن حقوق الإنسان في مصر.

في تونس، ظهر على مواقع التواصل خبر مفاده أن الرئيس قيس سعيّد زار مدينة نيس فجأةً لإبداء تضامنه مع الشعب الفرنسي بعد الهجوم على الكنيسة، لكن نفت فرانس برس صحّة الخبر.

أما على صعيد ردود الفعل الشعبية، فخرجت بالفعل تظاهرات في عدد من دول العالم الإسلامي ندّدت بفرنسا. لكنّ كثيراً مما ضجّت به مواقع التواصل غير صحيح، مثل فيديو قيل إنه يصوّر مسلمين "يثورون" على ماكرون في فرنسا، وقد تبيّن لخدمة تقصّي صحّة الأخبار أنه مصوّر في آب/ أغسطس الماضي، ويُظهر ما قام بها مشجّعو فريق باريس سان جرمان بعد فوزه في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.

كذلك نُشر فيديو قيل إنه لتظاهرات تحت بيت ماكرون، لكنه في الحقيقة في ألمانيا، في أثناء تظاهرة نُظِّمَت احتجاجاً على قمع المسلمين الأويغور في الصين.

وظهر مقطع لحشد ضخم يقدّر بمئات الآلاف، قيل إنه لتظاهرة ضدّ فرنسا في إندونيسيا أو في نيجيريا. لكن تبيّن أن الفيديو صُوِّر في الحقيقة قبل سنوات، بمولد شيخ سنغالي متصوّف يحظى باحترام كبير في بلده والجوار.

وانتشرت مقاطع كثيرة مماثلة، منها مقطع قيل إنه حديث في القدس، لكن تبيّن أنه مصوّر عام 2017، ومقطع قيل إنه لتظاهرة في تركيا أو باكستان، لكن تبيّن أنه العام الماضي، ومقطع آخر قيل إنه لاحتجاجات في الصومال، تبيّن أنه يظهر في السودان عام 2012.

انتهاكات
وظهر على مواقع التواصل فيديو قيل إنه يصوّر في فرنسا، مرفقاً بعبارة "لعنة الله عليك يا ماكرون"، لكن الفيديو مؤلّف في الحقيقة من مجموعة مقاطع مصوّرة لا علاقة بها بفرنسا، وفق ما بيّنت خدمة تقصّي صحّة الأخبار.

وفي السياق نفسه، ظهر فيديو قيل إنه يُظهر شرطياً فرنسياً ينزع حجاب امرأة مسلمة بالقوّة، لكن الفيديو في الحقيقة استخدم القوة المفرطة ضد موقوفة غير محجّبة أصلاً، ثم أحيل على القضاء في كندا.

وانتشر فيديو قيل إنه يصوّر الشرطة الفرنسية تعتدي على رجل مسلم، لكن الفيديو عام 2019. وظهر فيديو قال ناشروه إنه يصوّر اقتحام الشرطة الفرنسيّة مسجداً في باريس بعد حديث ماكرون عن التطرّف الإسلامي، لكن الفيديو في الحقيقة يُظهر إخلاء الشرطة الفرنسية مسجداً مقاماً في عقار تابع للبلدية بعد انتهاء عقد الإيجار.

الماضي الاستعماري الفرنسي
وفي إطار الهجوم على فرنسا، ظهرت على مواقع التواصل أخبار عن الماضي الاستعماري الفرنسي، لكنها أخطأت في اختيار الصور والمواضيع. فنشرت مقاطع قيل إنها تُظهر تجاوزات عنصريّة للاستعمار الفرنسي في الكونغو، مصوّرة في الحقيقة في ظلّ الاستعمار البلجيكي لهذا البلد الأفريقي.

وفي السياق نفسه، نُشرت صورة قيل إنها تُظهر جنوداً مسلمين استقدمتهم فرنسا كدروع بشريّة من مستعمراتها إبان الحرب العالمية الثانية. لكن الصورة، في الحقيقة، في أثناء الحرب العالمية الأولى.

وظهرت أيضاً أخبار متفرقة ذات صلة، منها على أنها لشاب يوزّع مصاحف في فرنسا للتعريف بالإسلام، وهي في الحقيقة تُظهر شاباً قبل ست سنوات، ولا علاقة لفرنسا بالأمر.

(فرانس برس)

المساهمون