فرقة "سفر"... محاولة أخرى في الشارع السوري

21 اغسطس 2022
انتقلت "سفر" من استعادة التراث إلى تنفيذ أعمال معاصرة (لؤي بشارة / فرانس برس)
+ الخط -

تلتفت فرقة "سفر" السورية إلى تشكيل موسيقي مغاير شكلاً ومضموناً. وقد بدت ملامح التغيير هذا أكثر وضوحاً من خلال أغنيتها الأخيرة، "كراج"، التي أصدرتها أخيراً ضمن ألبومها الثاني، "تجربة رقم 2".

هذا مسار جديد يتنبه إليه أعضاء الفرقة، التي يقود حضورها المغني والممثل السوري شادي الصفدي. ارتقت أعمال المجموعة، بداية، في نمط اشتغالاتها. وانتقلت من استحضار الأعمال التراثية بتوزيعات وقوالب موسيقية جديدة إلى تنفيذ أعمال ذات نكهة معاصرة، بالاعتماد على خليط موسيقي متنوع بين البوب والشرقي والروك.

بيد أنّ هذا المسار لم يشكل إضافة في المشهد الموسيقي عامة؛ إذ رزحت مختلف الفرق الموسيقية، التي يصعب تصنيفها ما إذا كانت تعد في قوائم التصنيفات الخاصة لمشروع التحول الطارئ لمتغيرات المنطقة السورية، تحت خانة الموسيقى البديلة. فالتجارب التي اختبرناها قبل قيام الثورة السورية لم تتجاوز خصوصيتها التجريبية إلّا بما يسمح له الفضاء العام لمرحلة النمذجة الغربية في الإنتاج المحلي (فرقة "جاز كوارتر" مثلاً). بهذا، تنفصل أعمال هذه الفرق عن القيود الشكلية في طرحها، وتنغمس أكثر في التجربة الجامدة، لتغدو أكثر طواعية لمبدأ الثقافة العامة.

هكذا، كانت التوجّهات المطروحة لها لا تحيد عن الموروث الغنائي، الممزوج بألوان موسيقية غربية. وقد عرفت سورية عدداً من هذه الفرق، مثل "كلنا سوا" و"حاجز موسيقي". فرق لم تؤسس لحالة موسيقية لافتة، أو داعية إلى انقلاب فني، وظهرت كما لو أنّها أقرب إلى نموذج الموسيقى السائدة (Main Stream). فضلاً عن ظهور بعض الفرق التي أرادت الحفاظ على المعايير الخاصة بالأغنية التراثية، مع تغيير بسيط في شكل التوزيع الموسيقي. وللحقيقة، فإن هذه الفرق، رغم انتشار بعض أغانيها، إلا أنها لم تتجاوز نفسها كنتيجة عاطفية مهدتها مخرجات الوضع الراهن لمعاناة الشعب السوري عامة والإنتاج الفني خاصة، فآثرت العمل على ما هو متوفر لديها من إمكانات بسيطة ومتواضعة لغاية الفن نفسه، مثل فرقة "تكات" و"أثر ميدلي"، وكذلك فرقة "الصعاليك".

قلة من الفرق التي ظهرت بعد الثورة حملت بنية ثقافية مختلفة ومتمردة بعض الشيء، ولكن لا يسعنا تتويج أعمالها بلقب الموسيقى البديلة، نظراً إلى حساسية التعريف والاصطلاح أولاً، ولعوامل مقارباتها الفنية المرهونة بظروف المشهد السياسي والاجتماعي.

وإذا أردنا منحها غطاءً تعريفياً؛ فالموسيقى المستقلة تبدو أقرب التعريفات ملاءمة لها ولنمط اشتغالاتها ومؤلفاتها، تبعاً لهويتها البنيوية والخطابية في السوق الفنية، كما هو الحال مع فرقتي "خبز دولة" و"طنجرة ضغط"، اللتين تحاولان خط خطاب متفرد وناضج، يبتعد عن أيديولوجيات السلطة وأدبياتها، على عكس فرقة "نص تفاحة" مثلاً التي تشكلت في الجولان السوري المحتل على يد ناشطين واكبو الثورة السورية وخاطبوها من خلال بعض الأغنيات، مثل "محل صغير ومسكّر" و"سورية الحلم مالو حدودي".

قبل نحو عام، نظمت فرقة "سفر" خطاً مغايراً في النسيج الشعري لمؤلفاتها، وراحت تقترب أكثر في خطابها إلى مزاج الشارع السوري وهمومه ومتطلباته. ظهرت ملامح هذا التغيير بعد أن طرحت أغنية "يا ويل ويلي" التي حققت نجاحاً كبيراً قياساً ببقية أعمالها السابقة. حقق الفيديو المصور للأغنية ما يزيد عن 17 مليون مشاهدة على منصة يوتيوب حتى اليوم. قدمت الفرقة، من خلال هذه الأغنية، نبذة عن واقع الحياة في سورية، ومعاناة الشعب من تردي الخدمات الحكومية، ولا سيما خدمات الكهرباء التي يعاني منها عموم الشعب السوري في مناطق سيطرة النظام.

بالتالي، انعكس هذا الواقع على العاملين في القطاع الموسيقي ومعاناتهم في تقديم أعمالهم، والارتقاء بها نحو مستوى أفضل مما هي عليه أمام ظروف الحرب التي تمر بها البلاد. واليوم، وفي تنفيذها لأغنية "كراج"، تمرر الفرقة نموذجها الجديد في انتهاج مبدأ الواقعية كعملية انتقالية إلى جانب اللون الموسيقي.

ولعلنا نستمع بوضوح إلى ما جاء في بيان الأغنية الشعري من خطاب نقدي يقارب الواقع الاجتماعي والاقتصادي في سورية: "ما تقلي أسامي ما كلو حرامي وبيعبي بجيابو بخبي، ومن فضل ربي هيك بقول"، مروراً بالواقع الأمني: "أنا ما بقدر احكي وقلك كل لبراسي، إذا رح تعرف شو عم فكر والله لتحرق أنفاسي". إلا أن هذا النموذج مرهون بعملية انتقائية، تبررها المحاذير الرقابية الكلاسيكية للسلطة السورية. فالمشهد الفني في سورية، عموماً، لم يتعد يوماً كونه نتيجة أيديولوجية تمارس وفق رؤية النظام وأدواته – ولا سيما خلال فترة الحرب – في تحرير المواطن من بعض همومه، كنوع من المهادنة بين السلطة والشعب.

وبالتالي، فإن أية ممارسة فنية لن تتعدى كونها طاقة راهنة ممهورة بمتطلبات العصر، ليس بمتطلبات الإبداع والحرية الراسخة الهادفة للتغير. وهذه واحدة من أهم إشكاليات الخطاب الفني في المجتمع السوري، التي تدفعنا للسؤال حول مستقبل الموسيقى المستقلة والبديلة في سورية.

دلالات
المساهمون