رحل الممثل المصري محمود ياسين اليوم الأربعاء عن عمر 79 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً ضخماً من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية. الغريب فيها أنه لم يكن يوماً نجم الشباك الأول، أو الفنان صاحب القدرات التمثيلية الكبرى، بل يمكن القول إن أفلامه المهمة في تاريخ السينما المصرية تعد على الأصابع، ومع ذلك هو جزء مهم جداً منها.
وربما لا يمكن فهم ذلك إلا بتتبع مسيرته من بدايتها. ياسين في البداية لم يكن يرغب في أن يكون ممثلاً سينمائياً من الأصل، أراد فقط أن يعمل في المسرح، وشارك في عدد كبير من الأعمال منذ عام 1964. ومن السهل ملاحظة تأثير ذلك على أدائه طوال الوقت بعد ذلك؛ حيث نبرة الصوت العالي الرخيم، وطريقة الأداء الحَركية المُبالغ فيها أحياناً.
إلا أن هناك صدفتين جعلتاه ياسين الذي نعرفه اليوم؛ الأولى أن السينما المصرية كانت تتغير وتنقلب تماماً منذ نهاية الستينيات، بنكسة 1967 أولاً ثم وفاة جمال عبد الناصر عام 1970 ثانياً، حين سحبت الدولة المصرية يدها شيئاً فشيئاً من صناعة السينما، ولم يعد الجمهور يرغب في مشاهدة نفس الوجوه القديمة الذين كانوا نجوماً (مثل حسن يوسف وشكري سرحان ورشدي أباظة مثلاً). كأنهم جزء من لحظة فائتة.
في هذا الوقت تحديداً، اختار المخرج حسين كمال الممثل المسرحي الشاب محمود ياسين لبطولة فيلمه "نحن لا نزرع الشوك" عام 1970، ولحظتها تغير كل شيء. خلال السبعينيات، التي عانت من انحدار شديد في صناعة السينما، كان محمود ياسين هو الاختيار الملائم لأفلام ومخرجي تلك اللحظة، ولثلاثة أشكال مختلفة من الأعمال: أولاً كممثل شاب أمام ممثلة كبيرة في أعمالٍ مثل "الخيط الرفيع" (1971) و"أفواه وأرانب" (1977) مع فاتن حمامة، "الحب الذي كان" (1973) و"أين عقلي" (1974) و"على من نطلق الرصاص" (1975) أمام سعاد حسني، و"على ورق سيلوفان" مع نادية لطفي (1975).
وثانياً كبطل لأفلامٍ تجارية جداً يتصدر واجهتها ولكنها تقوم على جذب الجمهور بالمشاهد الجنسية مثل "أنف وثلاث عيون" و"امرأة سيئة السمعة" (1973) و"غابة من السيقان" (1974) و"عندما يسقط الجسد" (1976).
وثالثاً كان النجم المُفضل في أفلام حرب السادس من أكتوبر، حيث قدم عدداً من الأفلام الحربية المتواضعة بعد الحرب مباشرةً مثل "بدور" (1974) "الوفاء العظيم" (1974) و"الرصاصة لا تزال في جيبي" (1974).
بتلك الصورة، ومن دون أن يكون نجم شباك، أو صاحب قدرات تمثيلية كبيرة، كان محمود ياسين هو رمز السبعينيات الأول في السينما المصرية، وفي لحظة خاصة جداً من تاريخها. وهو أمر سرعان ما تغير مع مطلع الثمانينيات وبداية الموجة الواقعية مع مخرجين مثل محمد خان وخيري بشارة وعاطف الطيب، وكذلك صعود نجوم وممثلين كبار إلى الواجهة مثل عادل إمام وأحمد زكي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز وغيرهم.
بالطبع ظل ياسين موجوداً، ولكن اتجه أكثر إلى التلفزيون والمسلسلات، مع حضور سينمائي في أعمال تجارية وقليلة التكلفة الإنتاجية، وهو أمر استمر حتى السنين الأخيرة في مسيرته.
ورغم تواضع تلك المسيرة وتمركزها في فترة السبعينيات، إلا أن هناك بعض الأفلام والأدوار الأيقونية لياسين في لحظات متفرقة، أهمها دوره الجيد في "أغنية على الممر" (1972) الذي تناول حصار مجموعة من الجنود المصريين بعد نكسة 67، وكان أكثر صدقاً وجودة من كل أفلام أكتوبر بعد ذلك، و"ليل وقضبان" مع المخرج أشرف فهمي عام 1973، ثم دوره مع المخرج كمال الشيخ في فيلم "على من نطلق الرصاص" (1975) الذي كان عملاً سياسياً جاداً في لحظة مضطربة.
وبعدها بسنين طويلة قدم أفضل أدواره ربما في مسلسل "العصيان" (2002) الذي حقق فيه تأثيراً جماهيرياً ضخماً في ميلودراما صعيدية ناجحة. وهو ما كرره من جديد في دوره الصغير في فيلم "الجزيرة" (2007) أمام أحمد السقا ومع المخرج شريف عرفة. ليبقى ياسين، للمسيرة الواسعة وبعض الأدوار الأيقونية، وجهاً أيقونياً في السينما المصرية.