الفاتيكان
07 نوفمبر 2022
+ الخط -

تصوّر أن يحشرك حظك البائس وأنت في سن المراهقة بين عنف وإجرام المافيا الإيطالية وأسرار وفضائح الفاتيكان، وأن يكون مصيرك وقدرك مرتبطين بحروب الكي جي بي والسي أي إيه، مع بداية انهيار منظومة حلف وارسو وتدخل الفاتيكان لدعم حركة التضامن البولندية.

لم تكن حادثة اختطاف الفتاة إيمانويلا أورلاندي ذات الخمسة عشر عاماً قصة اختطاف عادية، رغم مأساوية أي اختطاف، فقد فقدت الفتاة ذات الخمسة عشر عاماً في روما عام 1983 بعد زيارة البابا يوحنا بولس الثاني موطنه الأصلي بولندا ولعبه دوراً بارزاً في دعم حركة التضامن وإنهاء الحكم العسكري الشيوعي لبلاده.

وبعد أيام من الاختطاف طلب من ادعى خطفها بإطلاق سراح محمد علي أغجا، الذي حاول اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني عام 1981، وصرّح لاحقاً عن إدانته الاختطاف وأن الاتحاد السوفييتي وبلغاريا هما من جنداه ودرّباه، وأن لا علاقة لتنظيم الذئاب الرمادية التركي بهذا الاغتيال.

الجدير ذكره أن توقيت محاولة الاغتيال في 13 مايو/أيار 1081 يتطابق مع نبوءة كاثوليكية حدثت في 13 مايو/أيار 1917، تُعرف بنبوءة فاطمة نسبة لقرية فاطمة في البرتغال، حيث ظهرت السيدة مريم وأعطت ثلاثة أسرار منها موعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وأن بابا سيُقتل ما لم تعد روسيا إلى الكاثوليكية، ويُشاع الآن أن السر الثالث هو الحرب الأوكرانية الروسية.

تكشف السلسلة الوثائقية المؤلفة من أربع حلقات "فتاة من الفاتيكان" على منصة "نتفليكس" أن لا صلة بين محمد علي أغجا وبين اختطاف إيمانويلا، وأن الأمر، كما تظهر وثائق سربت من الفاتيكان، له علاقة بأموال المافيا الإيطالية المودعة في بنك "أمبروزيانو"، والذي كان يعرف بـ"مصرف الرب"، وكان على صلة وثيقة بمصرف الفاتيكان، حيث يحول أموال الدعم من الفاتيكان لحركة التضامن لأن الفاتيكان لا يستطيع تحويلها مباشرة بسبب أنظمته التي لا تسمح بدعم أنشطة سياسية.

إذاً البنك المذكور كان يقوم بعميلة مزدوجة، يوفر غسل الأموال للمافيا الإيطالية، ويوفر أيضاً إيصال تمويل الفاتيكان لحركة التضامن.

ووقع المحظور وأفلس البنك فقامت عصابة "ماليانا" ورئيسها، إنريكو دي بيديس، المعروف باسم "ملاك العالم السفلي" في روما التي كانت تغسل أموالها في ذات البنك، باختطاف الفتاة للضغط على البابا والفاتيكان لأنها تتمتع بجنسية الفاتيكان حيث خدمت عائلتها سبعة باباوات، وهم من السكان المدنيين النادرين الذين يحملون جنسية الفاتيكان ويعيشون داخل أسوار مدينة الفاتيكان.

ولعله من الطريف أن نعرف أنه باستثناء هذه العائلات القليلة لا تكتسب جنسية الفاتيكان إلا بالالتحاق بالخدمة فيه وتنتهي بانتهائها.

وقد أعدمت العصابة رئيس بنك أمبروزيانو، روبيرتو كالفي، تحت جسر في لندن بجانب معهد للكاثوليك كرسالة للفاتيكان.

لماذا هذه الفتاة بالضبط؟ تكشف السلسلة بمقابلة مع صديقة طفولتها أنها أخبرتها قبل أيام من الاختطاف بأن شخصاً مقرباً من البابا قد تحرّش بها، وتورد السلسلة أدلة واستنتاجات بأن عصابة ماليانا تعرف المتحرش وهو له علاقة بأموالها التي تطالب بها، والتي ترى أنها قد ذهبت لدعم حركة التضامن بأمر من البابا واستخدمت هذه الفتاة وسيلة لابتزاز الفاتيكان، ولاحقاً بمقايضات وتسويات معينة.

ظل مصير الفتاة التي تحمل الجنسية الفاتيكانية مجهولاً ثلاثين عاماً حتى أسرّ البابا فرانسيس عام 1913 لعائلتها بأنها في الجنة، ولكن العائلة أصرت على معرفة التفاصيل ومكان دفنها، وهو سر لم يبح به الفاتيكان حتى الآن.

كشفت فضيحة فاتيكان ليكس عام 2016، أكبر تسريبات لوثائق سرية من الفاتيكان تتعلق بالفساد، عن وثيقة موقعة من مدير المكتب الرسولي، يدير المكتب كل أصول الفاتيكان المالية، تتعلق بنفقات إقامة وفواتير طبية وطعام ورسوم دراسية في معهد كاثوليكي للمواطنة إيمانويلا أورلاندي من تاريخ اختطافها إلى عام 1997 حيث تنتهي الوثيقة بإيراد تكاليف انتقالها النهائي من لندن إلى الفاتيكان.

الصحافي الاستقصائي الإيطالي، إيمليانو فيتبالبري، الذي كشف هذه الوثيقة وألف كتاباً عن فساد الفاتيكان وحوكم بسببه، فسّر الوثيقة بأن الفتاة عاشت برعاية الفاتيكان في لندن لمدة 14 عاماً وتوفيت عام 1997 ودُفنت في الفاتيكان.

وبسابقة غير معهودة فتحت الفاتيكان قبرين عام 2019 للتأكد من وجود جثة الفتاة، ولكن لم تعثر عليها، وما زالت قصة اختطاف الفتاة أشبه برواية من روايات دان بروان مؤلف رواية شيفرة دافنشي.

المساهمون