استمع إلى الملخص
- **الازدواجية في المواقف:** رغم نشأتها في الغرب، تدعم يونان النظام السوري وتنتخب رئيسه، متجاهلة الفظائع في بلدها الأم، وتروج له عبر أعمالها الفنية.
- **التناقض في الانحيازات:** تدّعي دعم قضايا مثل تظاهرات بيروت وفلسطينيي الشيخ جراح، لكنها تتجاهل الجرائم في سوريا، مما يعكس انحيازها للنظام السوري.
الصورة لا تكفي هنا، فما خلفها؛ أي ما يختبئ ويستترُ، يناقض ما يظهر، فأن تكون سويدياً من أصل سوري، وأن تعيش المرحلة الحاسمة من عمرك في الغرب (السويد واسكتلندا)، ثم تجد نفسك في صفوف نظام شرق أوسطي سادي وقاتل، بل تنتخبه وتروّج له، وأنت في منتصف الشباب، فهذا يعني أنّ ثمة عطباً نفسياً يستدعي أريكة فرويد على الأقل.
تبدأ جاذبية الصورة في حالة فايا يونان من الاسم الذي يكاد يكون غربياً، ثم هناك لون البشرة والعينان الملونتان، وإذا أضيف إلى ذلك الغناء الذي يدعو إلى السلام، ويتحسّر على الجمال الذي دمره الآخرون، بلغة رسولية متعالية، فإنّ الصورة تكتمل، مشكّلة حالة استقطاب، بل إعجاب استثنائي، فهذا الوجه الجميل، بالعينين الملونتين، بالاسم الغربي، هو وجه واحدة منا، نصفها هناك ونصفها هنا. أما صوتها فهو لنا لأنها تغني بلغتنا، وتدعو إلى السلام الذي نفتقده، وتذكّرنا بأيام كنا فيها أكثر جمالاً وأقل تمزقاً واحتراباً، فلم لا نحبها؟
لكنّ هذه الصورة مخاتلة لها جانب آخر، فالفتاة ذات المظهر الغربي جزء من الصراع المرير والبشع في المنطقة، ونشأتها في السويد لم تغيّر شيئاً من انحيازاتها ومن ولاءاتها السياسية، فهي تؤيد النظام السياسي في بلدها الأم، وتشيد بجيشه، وتنتخب رئيسه، رغم أنها تعرف أنّ سورية التي تدافع عنها ليست السويد، فالبلاد هناك ليست النظام، والشعب هناك ليس الحزب، كما أن الجيش ليس جهاز قمع، بل للدفاع عن البلاد كلها.
عندما اندلعت الثورة في بلادها الأم عام 2011، كانت فايا يونان في التاسعة عشرة من عمرها. تعيش في بلاد أخرى، وتحمل جنسيتها، وتمكّنها قوانينها من مقاضاة أي رجل قد يعتدي عليها بكلمة، مجرد كلمة.
هناك كانت مطمئنة على حياتها، وإلى أنها لن تُبعَد فجأة فتجد نفسها على الحدود مع فنلندا أو الدنمارك، والأهم أنها لن تُقتل في قصف وحشي بالبراميل على البيوت والمدارس والمخابز، فهذه الأشياء لا تحدث هناك، في السويد أو اسكتلندا، بل في سورية التي تركتها يونان وعائلتها الصغيرة بحثاً عن حياة أخرى لم توفرها لهم بلادها الأم.
لكن الطفلة التي أصبحت شابة، وكانت تعيش في اسكتلندا آنذاك، اكتشفت عام 2014 تلك المنطقة التي جاءت منها، فهناك قتل عميم ودمار شامل وغياب للسلام على تلك الأرض، فكان أول عمل فني لها بمشاركة شقيقتها ريحان، بعنوان "لبلادي". كانت البطولة فيه للصورة، للشقيقتين الجميلتين، لعيونهما الملوّنة، وللصوت الصقيل الخام، بينما كانت الرسالة للتعمية عمّا حدث ويحدث. كأنما أُريد للصورة أن تحل مكان أخرى، بتجريدها من حقيقتها وعزلها، فإذا هي مجرد حرب ودمار في سورية والعراق ولبنان وفلسطين، من دون أن نشير بالإصبع إلى المسؤول عن ذلك، بل لنُدين آخرين، ومنهم إرهاب مستنكر في كل الأحوال، ونبرّئ من هيّأ له الأسباب وأطلقه من صندوق مغلق، وحوّله إلى مشجب وذريعة لما فعل ويفعل.
لا نطالب الفنان بأن يكون حزباً، أو ضميراً ينحاز للعدل والحياة ويتصدى للظلم والقتل، فكثير من المبدعين ينحاز إلى الطغاة ويفاخر، بل نطالبه ألا يدّعي، ويونان تدّعي بأنها مع تظاهرات بيروت ضد الفساد (2019)، ومع فلسطينيي الشيخ جراح ضد الاحتلال الإسرائيلي (2021)، ومع الشهيدة شيرين أبو عاقلة (2022)، وربما العمال في السويس، ولكنها لا ترى ما يشبه ذلك في بلدها الأم، فالقتل هناك والتهجير والتدمير لا علاقة له بالنظام بل بالمعارضة، وهي تقول ذلك بانحيازها وبتبني النظام لها. ففي سنوات قليلة جداً، تحوّلت يونان إلى ظاهرة غنائية يروّج لها النظام السوري ومناصروه، فتُستضاف في دار الأوبرا في دمشق وعواصم أخرى، وفي قنوات تلفزيونية تابعة للنظام أو مؤيدة له في بيروت، وتحيي الحفلات هنا وهناك، وآخرها مقرر بعد نحو أسبوع في الأردن الذي استضافها ويستضيفها "بإفراط" منذ عام 2016.
ثمة صورتان لفايا يونان هنا، إذ يكفي أن ترفع صورة الشهيدة شيرين أبو عاقلة أو تلوّح بالكوفية الفلسطينية حتى تطرد إحداهما الثانية أو تخفيها، فمن قال إنّها مناصرة لنظام قاتل؟ ولك أن تتخيّل أنّ سويديتها لم تكن سوى قشرة هشة لسوريتها، بمعنى انتمائها إلى النظام لا البلاد، وكم هي مخاتلة تلك الصورة.