فاطمة معتمد آريا: السلطة ترغب في أنْ أغادر إيران والبقاء خارجاً

01 مارس 2024
فاطمة معتمد آريا: "أريد البقاء في بلدي" (جان ـ فرنسوا مايّو/مهرجان فزول للسينما الآسيوية)
+ الخط -

كانت رؤيتها في "مهرجان فزول الدولي للسينما الآسيوية"، بدورته 30 (6 ـ 13 فبراير/ شباط 2024)، مفاجئةً، بعد كلّ ما تداولته وسائل الإعلام عن "معاقبتها" في بلدها، وعدم السماح لها بالسفر. كانت فاطمة معتمد آريا تزهو بابتسامةٍ رقيقة، وبشعر انزاح عنه الحجاب، "للأبد" ربما. هكذا قرّرتْ. سألتُها حواراً صريحاً تسرد فيه عودتها، وما عانته مع السلطات، إنْ كان ذلك مُمكناً لها، فردّتْ بأنّه لن يحصل لها أكثر مما حصل، وأنّها جاهزة.

فاطمة معتمد آريا (1961)، من أشهر الممثلات الإيرانيات في المسرح والسينما، وأكثرهنّ حضوراً. مثّلت أدوراً رئيسية مع كبار المخرجين الإيرانيين المخضرمين، كرخشان بني اعتماد وبهرام بيضائي ومحسن مخملباف، كما عملت مع أبناء الجيل الشاب، وبهرام توكلي مثلاً، وفي السينما التجارية أيضاً، بلغت حصيلة أعمالها أكثر من 50 فيلماً، أدّت فيها أدواراً متنوّعة: أمّ ملتاعة فقدت ابنها في الحرب، فقيرة مُكافحة وشجاعة، شاهدة على تحوّلات بلدها، في السياسة والاجتماع.

تتمتّع معتمد آريا بشعبية كبيرة في إيران، ولدى كلّ الأجيال. لكنْ، يبدو أنّ وجودها الفنيّ بات غير مرغوب فيه حالياً، ليس من الجماهير طبعاً، بل مِمن يُنصّب نفسه وصياً عليهم، وعلى أذواقهم ومداركهم. بسبب شعبيتها، لم تكفّ المضايقات عن ملاحقتها، فمُنعت من التمثيل والظهور الإعلامي والسفر مرّات عدة، أشهرها بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009، لتأييدها مرشّح الإصلاحيين حسين مير موسوي.

اليوم، منذ انتشار حركة "امرأة، حياة، حرية" في إيران، بعد مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني في احتجازها من الأمن، عادت المضايقات مجدّداً لتؤثّر في مسيرة الفنانة الإيرانية.

 

(*) ها أنت في "مهرجان فزول" مجدّداً، للمرة الثامنة. سُمح لك بمغادرة إيران إذاً.

أحبّ هذا المهرجان كثيراً، لذلك قبلت دعوتهم حين اتصلوا قبل أيام من بدئه، للمشاركة في لجنة التحكيم. قالوا إنّهم يعرفون وضعي، ويريدون دعوتي. منذ سنتين، لم أستطع مغادرة إيران بعد أنْ صادروا جواز سفري إثر عودتي من نيويورك.

 

(*) هل توقّفتِ عن "المشاغبة"؟ كيف ولماذا حصل ما حصل؟ سمعنا أخباراً كثيرة عن ذلك، وأودّ منّك معرفة مدى دقّتها.

أخرج من إيران للمرّة الأولى منذ عامين. احتفظت السلطات بجواز السفر سنة ونصف السنة. لكنْ، حتّى بعد إعادته، لم أستطع المغادرة. لم يكن المنع رسمياً، كانوا يقولون لي: "تستطيعين الخروج من البلد"، وحين أذهب إلى المطار، أجد أنّ المنع ما زال سارياً.

هناك أسباب عدّة. بعد حركة "امرأة، حياة، حرية"، عُلِّقت صورتي مع أخريات من عالمي الثقافة والفنون على لافتةٍ كبيرة في ساحة "ولي عصر"، المشهورة في طهران، مع عبارة "نساء تفتخر بهنّ إيران". كان ذلك عام 2022. حين أخبرتني صديقتي عنها، ضحكتُ ساخرة بادئ الأمر، ثم بعد تفكير شعرتُ بغضبٍ، وفي الوقت نفسه بخوفٍ من أنْ أقوم بردّ فعل ما. ثم، بعد سؤال رئيس بلدية المدينة، أنكر مسؤوليته عن اللافتة، فقرّرت مع زوجي العودة إلى الساحة. من هناك، سجّلتُ فيديو نزعت فيه الحجاب، مُبديةً سخطي الشديد. كنت أصرخ: "أنا أمّ الجميع في إيران"، ووضعته على إنستغرام.

كانت الأجواء ملتهبة بعد مقتل مهسا، فانتشر الفيديو بسرعة، وشاركه الألوف. ثم، بناء على نصيحة الصديقة، أزلته، بعد أنْ حقّق هدفه، كما قالت. بعد ساعتين، وردني اتصال من "اطلاعات" (أحد أجهزة المخابرات في إيران ـ المحرّرة)، دعوني فيه إلى زيارتهم. هناك، سألوني عن سبب غضبي هذا، فقلت إنّ الأسباب تراكمت، ولن أسمح باستخدام صورتي من أحد، لا "باسدران" (الحرس الثوري ـ المحرّرة)، ولا معارضة الخارج. أنا أتمسّك بحريتي، ولا أريد أنْ أُحسَب على أحد.

 

(*) هل كان المحقّقون يعرفون جيداً تاريخك الفني؟

كان هناك محقّقان شابان، قالا إنّهما فخوران بي. سألاني عن قصّتي مع نزع الحجاب. أجبت بأنّهم يضايقونني به منذ أربعين عاماً، ولن أضعه بعد اليوم. طلبتُ أن تُزال صورتي. ردّا بأنّهما سيفعلان، لكنّهما يعتبران أنّ الفيديو مبالغٌ به، فكيف أقول "أنا لا أنتمي إلى حكومة قتلة"؟ كنت ثائرة، فحاولا تهدئتي، وطلبا منّي عمل فيديو للاعتذار، فقلت لهما: "دعوني أفكر".

 

(*) هذا مَخْرجٌ ذكيٌّ. ماذا فعلتِ؟

استُدعيت إلى التحقيق مجدّداً، من جهة أمنية أخرى، طلبت منّي الطلب نفسه. كانوا قد أزالوا اللوحة، بعد أنْ طالبت الأخريات بذلك، ولكن بعد أن فعلتُ. رفضتُ الاعتذار في فيديو، فألحّوا عليّ، حتّى أنّهم قبلوا ظهوري فيه من دون حجاب. أعطوني لائحة عناوين لأقولها، ولأعلن أنّ غضبي دفعني إلى التلفّظ بما قلت. كان زوجي معي، فمزّقها أمامهم.

 

 

(*) هل لنا أنْ نعرف العناوين؟

التصريح أنّ هدفي لم يكن حثّ الناس على الثورة، وأنّ أقوالي لم تكن ضد الحكومة، وأنّ عليّ ذكر أنّي لست فقط أمّاً لمهسا، بل لجميع الشهداء. حين رفضت، مع ذكر أنّي أمّ لجميع الشهداء، لكنّي لا أعرف أسماءهم لذكرها، بدأوا بمضايقتي، والإعلان أنّه غير مسموح لي بالعمل والمغادرة. قلتُ لهم: فليكنْ. كانوا يريدون إذلالي باحتفاظهم بجواز السفر، فقلت: "دعوه معكم، أريد البقاء في بلدي، والاستراحة فيه".

في الحقيقة، كانوا يرغبون في مغادرتي البلد، والبقاء خارجاً. قرّرت الاستقالة بكامل رغبتي من رئاسة قسم التمثيل في نقابة "دار السينما". كنت أريد التصرّف بحرية، ومن دون ألقاب. في كلّ مرة أحضر احتفالاً من دون حجاب، كانوا يستدعونني إلى التحقيق. ذات مرة، كنت أمثّل في فيلم بلا تصريح ومن دون حجاب، فالدور لامرأةٍ قبل الثورة، هاجموا موقع التصوير، وانقضّوا على بيتي، واعتقلوا زوجي. قبل هذا، صادروا جواز سفري في المطار قبيل المغادرة، لتلبية دعوة إلى فيينا للمشاركة في ورشةٍ عن مسرح الطفل. منعوني من الذهاب، رغم وجود جواز السفر معي. كنت ملتزمة مع فريق وهيئة، فحاولت إقناعهم بأنّي لن أفعل شيئاً ضد إيران والإيرانيين. بكيت، لأنّ المسرحية ستتوقّف بسببي. وعدتهم بأنّ غيابي لن يتجاوز يومين، أنهي فيهما عملي. لكنّي ووجهت بالرفض. كانت مأساة للجميع، ولم يحصل هذا قبلاً، أي أنْ أكون سبباً في تخريب عمل بسببي، فكان تأثري شديداً (بكت في هذه اللحظة ـ المحرّرة).

 

(*) سمعتُ أيضاً أنّ هذا الفيلم كان سبباً في مشاكل إضافية لك.

كان عن مغنية في عهد الشاه، تحلم بالغناء مرة أخيرة بعد مرضها. لكنّهم هاجموا موقع التصوير، وفتّشوا شقّتي، وصادروا متعلقّاتنا ومذكراتي وفيديوهات كثيرة. لكنّ الأسوأ كان توقيف زوجي. هنا، كنتُ كلبوةٍ ثائرة، وأنا أصرخ بهم ليطلقوا سراحه، حتى أنّي هدّدتهم بالقتل. كانت المرة الثانية التي أشعر فيها بالذنب لانعكاس معاقبتي على الآخرين، بهذا الشكل. ظلّوا ستة أشهر في محاولاتهم إذلالنا، وأنا أحاول استعادة المتعلّقات، فيسألوني تارةً إنْ كنت أؤمن بالقائد والجمهورية الإسلامية، وتارة أخرى يثيرون مسألة أنّ الناس يتأثّرون بما أفعل، وأنّهم سيتبعونني، خاصة بسبب مسؤوليتي في "دار السينما". ثم حقّقت معي لجنة مكوّنة من مُلاّ وعضو من "باسدران"، ووالدة شهيد، وقاضٍ. سألوني مجدّداً عن شريط الساحة، ولماذا لم أقلْ إنّي أيضاً أمّ كلّ الشهداء. سألتني والدة الشهيد: "لِمَ لمْ تذكري ابني، وفقط مهسا؟". ردّيت عليهم: "لكنّي لا أعرف كلّ الأسماء".

كانوا يتابعون تحرّكاتي وزياراتي لعائلات ضحايا المظاهرات، مع جعفر بناهي ومحمد رسول أف. كانوا يستدعونني إلى التحقيق بسبب هذا. قال لي بعضهم إنّهم نشأوا مع أعمالي، لكنّهم لم يتعرّفوا إليّ في الشريط. كانوا يحثّونني على مغادرة إيران لتهدئة نفسي. لكنّي فقط كنتُ أريد أنْ أعمل، وبصمت، حتى لا يستغلّ الطرفان كلامي. فالمعارضة كانت تهلّل لكلّ كلمة تُلفظ ضد النظام، وأنا أريد البقاء حرّة.

 

(*) ألا تفكرين بالهجرة والعمل خارج إيران؟

لا أريد الهجرة. هم يريدون منّي أنْ أفعل هذا. في أربعين سنة من العمل في السينما والمسرح، أمضيت نصفها من دون عمل، بسبب المنع. حان الوقت لتغيير ذلك، وللعمل من دون تصريح، والعمل بحرية من دون حجاب. أريد أنْ أبدأ حركة "حرية في العمل". أنا أدفع الثمن لأنّي لا أستطيع الشغل بأيّ شيء أبداً.

 

(*) هل تسردين يوماً لك في طهران؟

أدرّسُ حالياً في مدارس خاصة للمسرح، بطريقة غير شرعية. أقرأ وأبحث عن مواضيع لأفلامٍ ومسرحيات. لديّ ثلاث مسرحيات سأشارك فيها خارج إيران. هذا ما يسمح لي بالبقاء، لأنّي لا أستطيع التوقّف عن العمل. أنا أشتغل بطريقة أخرى، فهناك طرق عدّة لذلك، كالتفكير والتأمل في الأمور، وليس فقط إظهار النفس في العمل. أعيش بأمل كبير بالمستقبل. ما يجري حالياً حركة للجيل الشاب. إنّها حركته، وأنا أتبعه. لا أعرف ماذا يريدون، ولا هم حتّى. لكنّهم يعرفون بالتأكيد ما لا يريدون. حين يوقفني الناس في الشارع، ويلتقطون معي الصُور، ليس مهمّاً أنْ أكون مُحجّبة أم لا، فالمهمّ أنْ يعرفوا أنّي معهم وأتبعهم. يجب أنْ نكون متفائلين، حين تُفكّرين بأنّك قطرة في المحيط، وحصل قبلك كثيرٌ، وسيحصل بعدك كثيرٌ، عليك التفكير في اللحظة التي أنت فيها.

 

(*) كيف ترين وضع السينما في إيران اليوم؟

نلاحظ وجود فئتين متعارضتين في السينما الإيرانية اليوم: جزءٌ من السينمائيين يشتغل كما فعل دائماً في السابق، يتبع النظام نفسه في العمل، ويهتمّ بأدائه، وبعضهم يهتمّ بالمال والسينما، ولا يكترث إنْ تغيّر شيء أم لا. وجزءٌ آخر يطمح ويعمل للتغيير، لكنْ غير مسموح له العمل طبعاً. هم قلائل في أي حال، فمن بين 5 آلاف فنان في السينما، بكلّ مجالاتها، هناك فقط نحو 15 بالمائة ممن يرغبون في التغيير، لكنْ في الوقت نفسه يسعون إلى العمل بسبب ضغوط الحياة. بين هؤلاء وأولئك، جيلٌ جديد يعمل بسرّية، ويصنع أفلاماً، ويرسلها إلى المهرجانات. بعضهم غير محترف، وبعض آخر يركب الموجة ليظهر نفسه، يصنع الفيلم بعجلة، فلا وقت لديه لصنع فيلم باحتراف ومهنية. يستغلّ حركة "امرأة، حياة، حرية". لسوء الحظ، تميل المهرجانات إلى هذه العناوين أكثر من ميلها إلى الفيلم نفسه. ليسوا جميعهم هكذا، لحسن الحظ. لكنّها موجة واضحة.

(فزول)

المساهمون