فارس طعمة التميمي: أحداث تبدأ عند الغروب وتنتهي عند الفجر

28 يونيو 2022
التميمي: السينما العراقية تفتقد لمنتجين كالراحل ضياء البياتي (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد حصيلة جيّدة في الدراما التلفزيونية، تكلّلت بأعمال عُدَّت من بين الأعمال المهمّة في تاريخ الدراما العراقية، انتهى المخرج فارس طعمة التميمي من تصوير فيلمه "الوقاد"، أول  عمل روائي طويل له، يُنتظر إطلاق عروضه قريباً، إذ لا يزال أسير الروتين في مسألة إنتاجه، بالإضافة إلى مشاكل أخرى.
نال التميمي شهادتي دبلوم من "معهد الفنون الجميلة"، وبكالوريوس من "أكاديمية الفنون الجميلة"، قبل إخراجه أفلاماً وثائقية وأعمالاً تلفزيونية، منها "مناوي باشا" و"السياب". كما عمل أعواماً عدّة مديراً لقسم السينما في "دائرة السينما والمسرح".
"العربي الجديد" التقته في حوار عن تجربته السينمائية:

انتهيت من إخراج فيلمك الروائي الطويل الأول، "الوقاد". ما فكرته؟
الفكرة مأخوذة من قصّة حقيقية، وضع السيناريو لها الكاتب الراحل سعد هدابي، وتتحدّث عن انتفاضة 1991، عقب حرب الخليج الثانية. باختصار: امرأة تبحث في المقابر عن جثّة أخيها. يتضمّن الفيلم خطوطاً درامية، تسير بشكل متصاعد، حيث الوقاد الذي يعمل في معمل للطابوق، وصراعه المرير مع هذه المرأة، ثم التحوّل الفكري لهذه الشخصية (الوقاد) بتأثير المرأة. هذه الفكرة عالجتها درامياً، وكانت لي جلسات طويلة مع هدابي.

ما الأسلوب الذي اعتمدته في معالجة الفكرة؟
إخراجياً، اعتمدتُ أسلوب القطع السريع، وحركة الكاميرا، والتنوّع في أداء الممثل. استعنت بتقنيات حديثة، من كاميرات وإضاءة وتنوّع اللقطات والمونتاج المتوازي. كانت لي جلسات مع الممثّلَين حكيم جاسم وصبا إبراهيم، اللذين يؤدّيان شخصيتين ذات أبعاد اجتماعية.

هذه تجربتك الأولى في السينما، بعد تجربة طويلة في إخراج الدراما التلفزيونية.
ـ إنّه فيلمي الروائي الطويل الأول، علماً أنّ لي أفلاماً تسجيلية عدّة، وأخرى حقّقتها عندما كنتُ طالباً في معهد وأكاديمية الفنون الجميلة. لكنْ، كاحترافٍ سينمائي، هذا فيلمي الأول. التجربة مُتعبة ومريرة، لكنّها مُمتعة بالنسبة إليّ، لا سيما أنّ أحداث "الوقاد" تجري في ليلة واحدة، بين الغروب والفجر. كانت تجربة جميلة، تكلّلت بالنجاح، بمساعدة زملائي الفنيين والفنانين.

مشكلة الإنتاج مزمنة في السينما العراقية. ما مشاكل إنتاج فيلمك هذا؟
المشكلة مزمنة، بالتأكيد. لدينا مشاكل إنتاجية كبيرة في صناعة السينما، التي تفتقر إلى التجربة الإنتاجية. كان لدينا مدراء إنتاج حقيقيين، كالراحلين رمضان كاطع وضياء البياتي. كانوا عناصر مهمّة في صناعة الفيلم السينمائي. نحن نفتقد أمثالهم. التمويل والإنتاج ثقافة. بالنسبة إلى هذا الفيلم، أنجزته في ظروف صعبة جداً. كان الاتفاق على ميزانية لا نعرف قيمتها المالية، فعملنا بصمت، وغالبية الفنيّين أصدقاء لي في الوسط الفني، وقّعوا على عقودٍ مع "دائرة السينما والمسرح" باعتبارها الجهة المنتجة. في الوقت نفسه، أُنجز تصوير الفيلم، لكنْ لم تُصرف الأجور. طبعاً، هذه كارثة حقيقية على مستوى الإنتاج السينمائي، لأنّ الإنتاج، كما تعرف، يحتاج إلى مبالغ كبيرة. الطريف أنّه، رغم وجود لجنة مُشاهدة مُعترف بها، طلب وزير الثقافة مُشاهدة 10 دقائق من الفيلم. مع ذلك، لم يوافق على المنحة المخصّصة بالمشروع. دوّامة كبيرة عشناها، والفيلم مُنجز من دون أنْ تُدفع الأجور للفنيين.

كان لك حضور متميز في التلفزيون، حيث ارتبط اسمك بأعمال مُهمّة، كالمسلسل المشهور "مناوي باشا". ما السبب الذي جعلك تتّجه إلى السينما؟
اتّجهتُ إلى التلفزيون بداية تسعينيات القرن الماضي، حين توقّف الإنتاج السينمائي نهائياً بسبب الحصار الاقتصادي حينها، وكنتُ في بداية طريقي، فاخترتُ التلفزيون. هناك وجدتُ نفسي، واختبرتُ إمكانياتي، واشتغلتُ في أعمال درامية عدّة، منها "السياب" و"مناوي باشا" بجزئيه الأول والثاني، و"الإنصاف"، وأعمال أخرى. أزعمُ أنّي حقّقت فيها حضوراً مهمّاً، فأغلبها حصل على جوائز، كـ"قلادة الإبداع" و"مهرجان الإذاعة والتلفزيون" في مصر، و"الإخراج المبدع"، لأعمالي بوصفي مخرجاً، عام 2000. حقّقت جزءاً من طموحي. أعتقد أنّي، شخصياً، حقّقت شيئاً بالنسبة إلى الدراما العراقية، ولديّ تصميم في تحقيق شيءٍ من خلال السينما العراقية، التي تتمثّل خطوتي الأولى فيها بـ"الوقاد".

في التسعينيات الماضية، أخرجْتَ مسلسلاً عن سيرة الشاعر الكبير بدر شاكر السيّاب، أثار جدلاً حينها. ما سبب منعه من العرض لغاية الآن؟
مسلسل "السياب" كان من إنتاج الفنان سعدون جابر، وكان لي شرف أنْ أُمنح الثقة لإخراجه والمساهمة في هذا الإنتاج الضخم. بالمناسبة، كان للناقد الراحل سامي محمد الفضل في تكليفي بالإخراج، وبالتأكيد كان سعدون جابر متحمّساً لذلك. كان العمل حقيقة مُتعباً جداً، لكثرة الشخصيات التي فيه، بسبب كثرة الشخصيات التي زامنت السياب في رحلته الإبداعية، من بغداد إلى البصرة ثم بيروت ودمشق. برزت مشاكل حقيقية بين ورثة عائلة السياب والمنتج جابر، إذ تقدّمت العائلة بشكوى إلى المحكمة في بغداد، وهذه الأخيرة قرّرت إيقاف العرض. للأسف، مُنع المسلسل في فترة الاحتلال. هذا القرار أحزنني شخصياً، لأنّي كنتُ أعقد الآمال عليه، خاصة أنّه يتناول أحد أهم الرموز الثقافية العراقية.

هل تُفكر في تحقيق أفلام مستمدة من سِيَر بعض هذه الرموز أيضاً؟
حقيقةً، أتمنّى ذلك، فالرموز الفكرية والأدبية في العراق ظُلمتْ كثيراً، بإهمال كلّ ما يوثِّق سيرتها، وأيضاً التعامل معها سياسياً وطائفياً من قبل مؤرّخين. لحقها الحيف في سنوات حياتها، وبعد مماتها، من مختلف الأنظمة التي تعاقبت على العراق، ولا أستثني النظام الحالي.
أنا قارئ جيّد للتاريخ المعاصر للعراق، وأتمنّى أن أنجز معالجات درامية لسِيَر مثقّفينا ومُفكّرينا. كانت هناك فكرة لإنتاج مسلسل عن الرسام الراحل فائق حسن، في أواسط التسعينيات، لكنْ لم ينجح المشروع لأسبابٍ إنتاجية، لأن عملاً كهذا يتطلّب ميزانية كبيرة، فمبدعون عراقيون كثيرون كانوا في المنفى، أو أمضوا جزءاً كبيراً من حياتهم في أوروبا، للدراسة والعمل. في هذه الحالة، يحتاج كل مشروع إلى أزياء وإكسسوارات قديمة، وغيرها.
بالنسبة إليّ، أتمنّى أنْ أقدِّم سيرة أحد الرموز الفكرية والأدبية والثقافية والفنية في العراق.

ماذا ترى في مستقبل السينما العراقية؟ إلى ماذا تحتاج لانطلاقتها؟
للأسف، لا يوجد اهتمام في صناعة السينما العراقية من مؤسّسات القطاع العام، كوزارة الثقافة ودائرة السينما والمسرح، اللتين تفتقدان مستلزمات لوجستية كثيرة، كالأجهزة اللازمة لصناعة فيلم سينمائي، كما تفتقدان مهارات بشرية. سابقاً، كانت هناك دورات خارج العراق، في دول الجوار. عندما كنتُ مديراً للسينما ومعاوناً في "دائرة السينما والمسرح"، قدّمت طلباً إلى وزير الثقافة بفصل السينما عن المسرح، ففي كل بلدان العالم هناك مديريات للسينما مستقلّة عن غيرها، ترعى شؤونها وشؤون السينمائيين. نحن نحتاج إلى مديرية مستقلّة للسينما، لا بالشراكة مع المسرح، الذي أرى أنّه أكل الكثير من السينما. كما نحتاج إلى دورات للشباب، خرّيجي السينما، تبدأ معهم من الصفر. ونحتاج أيضاً الى دماء شابّة، ودورات تطويرية وتأهيلية لصناعة الفيلم العراقي.
هذه أمنيتي، وأعتقد أنّها ليست مستحيلة.

المساهمون