غزة في بيروت وأولئك الأمراء الصغار في القطاع

18 يناير 2024
من معرض "الأمير الصغير لغزة" في بيروت (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

في الأيام الأخيرة من عام 2023، أي بعد مرور ما يقارب ثلاثة أشهر على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أًعلن في العاصمة اللبنانية بيروت عن معرضين فنيين لأعمال تتناول القضية الفلسطينية.

2600 طفل في بيروت

المعرض الأول نظمته مؤسسة دلول الفنية، بالتعاون مع المتحف الفلسطيني في بيرزيت في الضفة الغربية، يحمل عنوان The Little Prince of Gaza. افتتح المعرض في 21 ديسمبر/كانون الأول في مقر المؤسسة. عرّف القيمون على المؤسسة المعرضَ على أنه "تذكاري سردي يهدف إلى إبراز الأصوات الصامتة وغير المسموعة، وهي أصوات الأطفال"، موضحين أنه "إهداء لأطفال غزة الأبرياء، وتكريم لأكثر من 8000 ضحية بين العمر صفر و18". (عدد الأطفال الشهداء حتى لحظة إقامة التظاهرة الفنية).
هذا المعرض (يستمر حتى 15 فبراير/شباط المقبل) مستوحى من منحوتة برونزية للفنان اللبناني شوقي شوكيني (1946)، أنجزها في عام 2010، وتحمل اسم Small Prince. Child of Gaza؛ إذ تحولت لتصبح عملًا تركيبيا يتضمن بطاقات لـ2600 اسم من الضحايا الأطفال، إضافة إلى المنحوتة التي تمثل طفلًا غزياً.
يزاوج عنوان المعرض بين قصة "الأمير الصغير" (للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري. وترجمت لأكثر من 230 لغة، وبيع منها أكثر من 80 مليون نسخة حول العالم)، وبين كتاب "الأمير" الشهير، لصاحبه ميكيافيلي. يركز المعرض على القيمة الأبرز في قصة "الأمير الصغير"، وهي الصدق والتعاطف بدلًا من المفهوم الميكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة"، وما يترافق معها من تقليل من شأن الذين سيعانون بسبب هذا المفهوم، وأبرزهم الأطفال؛ أبطال هذا المعرض.
كل الأعمال المشاركة في المعرض هي من مقتنيات مؤسسة دلول الفنية. ومن بين المعروضات، هناك أعمال لفنانين فلسطينيين (شادي الزقزوق، ليلى شوا، سليمان منصور، عامر شوملي، بشار الحروب، بشير مخول، عماد أبو شتيه، اسماعيل شموط...)، وفنانين عرب (أيمن بعلبكي، غازي باكر، يوسف عبدلكي، نذير نبعة، سمير رافي...).

أعمال مُستعادة

المعرض الثاني أقيم في غاليري صالح بركات بعنوان An Art for a Cause، وخُصّص أيضًا لأعمال فنية مرتبطة بالقضية الفلسطينية. انطلق هذا المعرض في 26 ديسمبر/كانون الأول، وتواصل حتى 11 يناير/كانون الثاني الحالي. المعرض أقيم انطلاقًا من الحاجة إلى إبراز التضامن مع الفلسطينيين في ظل ما يتعرضون له من حرب إبادة يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
ضمت التظاهرة مجموعة خاصة من مقتنيات الغاليري التي عُرضت في أوقات سابقة من أعمال فنانين عرب ولبنانيين، قدموا على مر السنوات، منذ عام 1966 وحتى اليوم، أعمالًا فنية عديدة انطلاقًا من اهتمامهم بالقضية الفلسطينية. ومن بينها أعمال لفنانين فلسطينيين (مصطفى الحلاج، عبد الرحمن قطناني، توفيق عبدالعال...)، وعرب (برهان كركوتلي، فاتح المدرس، حلمي التوني، رفيق شرف، محمد ملحي، أسامة بعلبكي، تغريد دارغوث، أيمن بعلبكي، محمد الرواس، ضياء عزاوي، عارف الريس، نظير إسماعيل، رشيد قريشي...).

خيوط سوداء

على صعيد المشهد المسرحي، نظم مسرح المدينة، بالتعاون مع متحف نابو، أسبوعًا تضامنيًا مع قطاع غزة، بدأ في الثامن من الشهر الحالي، بعنوان "إلى غزة سلام"، ليتضمن أمسيات شعرية لنضال الأشقر وزاهي وهبي، إضافة إلى عرض فيلم "خيوط سوداء" للمخرجة الفلسطينية كارول منصور، وأمسيات غنائية لفرقة عشاق الأقصى، وعرض غنائي ورقص تعبيري لفرقة جفرا، وحفل للسوبرانو غادة غانم. سيتخلل هذا الأسبوع التضامني عرض لأعمال تشكيلية لعدد من الفنانين. وسيعود ريع المساهمات والتبرعات لصندوق غسان أبو ستة للأطفال، والذي تم الإعلان عنه سابقًا خلال شهر ديسمبر/كانون الأول.
وهذه ليست المرة الأولى التي يخصص فيها مسرح المدينة في بيروت فعالياته للتضامن مع غزة، منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس.
يشار هنا إلى أن كثيراً من المؤسسات الثقافية تتلقى دعمًا ماليًا ومنحًا من جهات أوروبية، والتخوف من تضرر هذه العلاقة النفعية يجعل بعض هذه المؤسسات مترددة ومتحفظة في استخدام مفردات الإدانة وتسمية المجزرة باسمها.

وهذا الأمر يطرح سؤالًا يفترض أن يكون ملحًا، بمعزل عن العدوان على قطاع غزة: ما هو موقف هذه المؤسسات من القضية الفلسطينية؟ وما مدى الالتزام بهذا الموقف؟ وهل هو شرط ملزم من الشروط التي تحدد شكل وحدود تعاون هذه المؤسسات مع الجهات المانحة؟
ربما يفترض أن نسأل سؤالًا أشمل: هل للمنظمات والمؤسسات الثقافية والفنية في بيروت وخارجها موقف معلن من القضية الفلسطينية؛ إذ تُبنى على أساس هذا الموقف العلاقة بينها وبين الجهات المانحة؟ وتُحدد من خلال هذه المواقف شروط هذه المؤسسات للتعامل مع الممولين وقبول منحها أو رفضها؟

المساهمون