بعد 110 أيام من حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة ازدادت صعوبة العمل الصحافي هناك. التغطية المتواصلة أنهكت الجسم الصحافي، والقتل اليومي للعاملين في مجال الإعلام جعل حياة الجميع بلا أي حصانة حقيقية، فلا السترة الواقية ولا الخوذة، تنجح في استثناء الصحافيين من آلة القتل التي يمتلكها الاحتلال الإسرائيلي.
يواجه الصحافيون الفلسطينيون مجموعة من التحديات مُنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقد باتت تؤثر سلباً على مُجريات التغطية الميدانية للعدوان على مُختلف مُحافظات قطاع غزة.
وتتعدد العوائق أمام التغطية الإعلامية خلال العدوان الإسرائيلي، بعدما قطعت قوات الاحتلال خطوط الكهرباء اللازمة لتشغيل المعدات، كذلك أدى قطع الاتصالات إلى تعطيل العمل بشكل متكرر، وطبعاً صعّب تدمير المقار الإعلامية ممارسة المهام الصحافية في ظروف "طبيعية".
التحديات في غزة
يتمثل التحدي الأكبر في الاستهداف الإسرائيلي المُباشر للطواقم الصحافية العامِلة في الميدان، على الرُغم من اتخاذ كل إجراءات الوقاية والسلامة، وارتداء الشارات، والدلائل، والخُوذ، والدُروع، التي تُميزهم عن غيرهم، ما أدى إلى استشهاد 119 منهم (وفق التحديث الأخير للمكتب الإعلامي الحكومي) أثناء تأدية واجبهم المِهني.
ولم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية خلال عدوانها على قطاع غزة عند استهداف الصحافيين العاملين في الميدان، وتعريض حياتهم للخطر، بل تجاوز ذلك إلى استهداف وتدمير بيوتهم الآمنة فوق رؤوس ذويهم، ما أدى كذلك إلى استشهاد العشرات منهم، وشطب أُسر بأكملها من السجل المدني الفلسطيني.
ويهدف الاحتلال الإسرائيلي إلى زيادة المُنغِصات والتحديات أمام الصحافيين، بهدف عرقلة عملهم، ومنعهم من نقل حقيقة المجازر المتواصلة من دون توقف منذ 109 أيام.
يقول المُراسل في قناة الميادين الفضائية، الصحافي أحمد غانم، إن استهداف الصحافيين يُعتبر سياسة ثابتة في العُرف الإسرائيلي، وليس أمراً اعتباطياً أو غير مقصود، و"تهدف من خلاله دولة الاحتلال الإسرائيلي وقف وإعاقة وصول صور المجازر والمذابح التي تخرُج من قطاع غزة إلى العالم، خصوصاً في ظل وعيها بأهمية سلاح الإعلام، القادر على فضحها، والتأثير بشكل كبير على صورتها، على الرُغم من أن صورتها ممسوخة ومعروفة بأنها صورة القاتِل الذي يرتكب المذابح والجرائم على مر التاريخ.
ويلفت غانم، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن الجيش الإسرائيلي يتقصد استهداف الصحافيين، خاصة المؤثرين منهم، إلى جانب استهداف المقار الصحافية على مدار العدوان المتواصل، والحروب السابقة، وقد كان واضحاً أن الصورة أربكت حسابات الاحتلال الإسرائيلي، ما دفعه إلى مُحاولة إيقاف تدفّقها بمُختلف الأساليب.
ويُشدد على أن الاحتلال الإسرائيلي يُدرك كذلك أن الصورة التي يلتقطها الصحافي الغزي تصل إلى المُجتمع الغربي، وقد خرج مئات آلاف الأميركيين والأوروبيين للتظاهر ضد العدوان، "ما كان لهذه الجماهير أن تخرج إلا بعد رؤية الصورة التي نقلها الصحافيون الفلسطينيون، وناشطون مواقع التواصل الاجتماعي".
ويُشير غانم إلى أنه، وعلى الرُغم من قتامة الواقع الذي يمُر فيه الصحافي الفلسطيني، إلا أنه مُستمر في التغطية الميدانية، لإدراكه بأنه بات جزءاً لا يتجزأ من الصِراع. يقول: "نتعرض إلى ما يتعرض له مُختلف المدنيين الفلسطينيين، لكننا مستمرون لإدراكنا بأهمية الرسالة التي نحمِلها".
ويلفت مُراسِل الميادين إلى عدد من التحديات التي يتعرض إليها برفقة زملائه الصحافيين، وفي مقدمتها غياب الحماية اللازمة التي تنص عليها اللوائح والقوانين الدولية، إلى جانب انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت بشكل مقصود لإعاقة عمل الصحافيين، وتأخير وصول الأخبار والتقارير إلى الوسائل الإعلامية التي يعملون بها.
لا وسائل للحماية
من ضمن التحديات التي تحدث عنها غانم كذلك افتقاد الصحافيين لوسائل الحماية الصحافية، بخلاف الوسائل القديمة والبالِية، وغياب وسائل التنقُل في ظل منع الاحتلال دخول الوقود، والارتفاع الشديد لأسعاره في السوق السوداء، وتقصير الأطر الصحافية بحق الصحافيين، وغياب البيئة الحاضِنة، ما ألقى بظلاله الجسيمة على عملهم.
أما المصور الصحافي رامي عبيد؛ فيلفت إلى أن استهداف الصحافيين في قطاع غزة بات روتيناً إسرائيلياً يومياً. يقول: "بِتنا نعتقد أن الاحتلال يسعى إلى دُخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية في استهداف الصحافيين، ومُحاولة إيقاف تصدير الصورة والصوت".
ويُشير عبيد في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أن الصورة لم تتوقف مُنذ بداية الحرب على قطاع غزة، وإن تأثرت بفعل التحديات الجسيمة التي يتعرض إليها الكُل الفلسطيني، إيماناً من الصحافيين بضرورة نقل صور المدنيين، وجُلهُم من الأطفال، والنساء، والشيوخ، والفِئات الهشة، مُضيفاً: "الاحتلال يفشل مراراً وتكراراً في قطع الصوت الفلسطيني، إلا أنه لا يزال يُكرر سياساته ذاتها بحق الصحافيين وذويهم".
ويلفت إلى التأثيرات السلبية للمُمارسات الإسرائيلية بحق الصحافيين على الصعيد الشخصي، إذ تُبقي عائلاتهم في دائرة القلق الكبير، خاصة في ظل حالة الاستهداف المُباشِر للطواقم الإعلامية، مُبيناً صعوبة العمل في ظل عدم توفر مكاتب، أو تيار كهربائي، أو اتصالات وإنترنت، أو أي من مقومات العمل، أو حتى أماكن المبيت اللائق.
من جانبها، توضِح مُراسلة التلفزيون الرسمي الفلسطيني، "تلفزيون فلسطين"، بيداء معمر، أن الاحتلال الإسرائيلي يتقصد استهداف الصحافيين في كل حروبه واعتداءاته المتواصلة، سواء في الضفة الغربية، أو قطاع غزة، بهدف طمس الحقيقة، وإخفاء الصوت، وثنيهم عن عملهم المتمثل في مواصلة كشف وفضح الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمة ضحاياه النساء والأطفال والمدنيون.
كل أنواع الاستهداف مباحة
تلفت معمر في حديث إلى "العربي الجديد" إلى أن الاستهداف الإسرائيلي الفاضِح لم يقتصر على استهداف المعدات والإمكانات التي من شأنها إضعاف التغطية الميدانية، وتصدير الصوت والصورة، بل تجاوز ذلك ليصل إلى حد المساس بحياة الصحافيين، عبر الاستهداف المُباشر لهم ولمقار عملهم، إلى جانب استهداف ذويهم، وتعريض حياتهم للخطر.
وتبين أن مُختلف الانتهاكات والعوائق لم توقِف الصحافيين عن نقل الرسالة، على الرّغم من أن جزءاً كبيراً منهم تعرض إلى الاستهداف، أو تعرّضت منازلهم إلى القصف المباشِر، وفقدان عدد من ذويهم، علاوة على حالة النزوح لنسبة كبيرة منهم، بفعل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بضرورة إخلاء مناطق، ومُربعات، ومُحافظات بأكملها.
وتُشير معمر إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية تجري أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، من دون أي اعتبار للمعايير المهنية، أو القوانين والمواثيق الدولية، التي تكفل حرية الرأي والتعبير، وتنُص على ضرورة حماية الصحافيين، وتحييدهم عن أي صِراع، وتقول "الاحتلال الإسرائيلي لا يضع أي حدود أو معايير أو اعتبارات، ويواصل ارتكاب مجازره بحق الصحافيين وذويهم من دون أي رادع".
وإلى جانب الاستهداف المُباشر، تشير معمر إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل سياسة الترهيب والتخويف لكُل صحافي، ليُمسي الأخير ضمن دائرة الاستهداف طالما هو على رأس عمله، ما يستدعي تفعيل القوانين والمواثيق الدولية، التي تضمن حُرية العمل الإعلامي، والضغط على الاحتلال لوقف مُمارساته بحق الصحافيين وعائلاتهم، وأدوات عملهم.