تعريفات كثيرة تختزل مضامين أفلامٍ تتناول مواضيع حسّاسة في راهنٍ غارقٍ بالدم والعنف والحصار، تتشابه في اختيار مفرداتٍ تعكس شيئا من وقائع العيش في جحيم الأرض. لكنها تُصبح ـ في الوقت نفسه ـ مملّة ونافرة أحيانا، كأنْ يُقال إنّ فيلما يُصوِّر أو يوثِّق أحوال اليوميّ في قطاع غزّة مثلا، يُقدّم ما تنفضّ عن تقديمه ريبورتاجات أو تقارير إخبارية، تبثّها وسائل إعلام مرئي في دول مختلفة. هذا ينسحب على أهوالٍ سورية، أو اضطرابات ليبية، أو تبدّلات أوروبية شرقية أو أميركية لاتينية.
وإذْ تبدو المقولة صحيحة، أحيانا كثيرة، إلا أنّ تكرارها، متنوّع الأشكال وأساليب التعبير، يُنبِّه إلى أنّ هذا "العمل" الوثائقي، تحديدا، هو الأهمّ والأصدق، وعلى الآخرين اعتماده مرجعا بصريا يُمكن الركون إليه. أما صحّة المقولة، فناشئة من أنّ الريبورتاجات والتقارير غير معنيّة بالمخبّأ وراء الخبر أو الحدث المباشر، لأسبابٍ عديدة، مهنية وغير مهنية، ما يجعل "العمل" الوثائقيّ أصدق، لتمكّنه من اختراق المحجوب، وكشفه.
وإذْ تبدو المقولة صحيحة، أحيانا كثيرة، إلا أنّ تكرارها، متنوّع الأشكال وأساليب التعبير، يُنبِّه إلى أنّ هذا "العمل" الوثائقي، تحديدا، هو الأهمّ والأصدق، وعلى الآخرين اعتماده مرجعا بصريا يُمكن الركون إليه. أما صحّة المقولة، فناشئة من أنّ الريبورتاجات والتقارير غير معنيّة بالمخبّأ وراء الخبر أو الحدث المباشر، لأسبابٍ عديدة، مهنية وغير مهنية، ما يجعل "العمل" الوثائقيّ أصدق، لتمكّنه من اختراق المحجوب، وكشفه.
فيلم "غزة" (إنتاج مشترك بين إيرلندا وفلسطين وألمانيا وكندا، 2019، 92 دقيقة) للإيرلنديين غارّي كين وأندرو ماك كونّول ـ المشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية، في الدورة الـ10 (5 ـ 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019) لـ"مهرجان أفلام حقوق الإنسان" في عمّان (الأردن) ـ يندرج في هذا الإطار. تعريفات أجنبية عديدة تُجمِع على أنّ قطاع غزّة يظهر دائما في ريبورتاجات تلفزيونية، عند اندلاع كلّ صراع جديد مع الاحتلال الإسرائيلي، أو بين الاحتلال و"حماس"، كما يُشدّد كاتبو التعريفات أحيانا؛ وعلى أنّ الريبورتاجات تُشير غالبا إلى كون القطاع "أكبر سجن في العالم"، مُقام "في الهواء الطلق". فتلك البقعة الجغرافية الصغيرة "تُختزل بصُور العنف والفوضى والدمار". ومع "غزة"، يُضاف أنّه يصعب على المرء "تخيّل أنّ أحدا يعيش حياة طبيعية" في القطاع، مع تساؤل يعكس جوهر العمل التوثيقي هذا: "ماذا يفعل الناس، عندما لا تُفرض عليهم حالة حصار؟".
رغم أنّ جزءا كبيرا من هذا صحيح، إلا أنّ تعريفات كهذه، تبدو، لكثرة تداولها، كأنّها تُحدِّد سلفا ما يُفترض بمن يرغب في المُشاهدة أن يكتشفه أثناء المُشاهدة. فالتعريفات تُقرأ، والقراءة تُعطِّل، أحيانا، لذّة التفاعل الصافي مع مضمون أو شكلٍ أو حكاية أو مناخٍ أو حالة. أساسا، يُثير العنوان نفسه تحديدات جاهزة، فكثيرون يعرفون أنّ قطاع غزّة يُعتبر سجنا تسيّجه إسرائيل بالحصار والتضييق والحروب الدائمة، وتساهم سلطات مصرية في ذلك، عبر إغلاقها شبه الدائم لمعبر رفح.
لكنّ كين وكونّول، رغم تعريفات كهذه، يكتفيان بتسجيل يوميات فلسطينيين مقيمين في قطاعٍ، يعاني احتلالا إسرائيليا وتداعيات حكم متشدّد وقمع مصريّ، ورغم هذا، فهم يُتقنون فنّ العيش والحياة، ويحاولون إيجاد متنفّسٍ يقيهم، ولو قليلا، ضغوطا يوميّة قاتلة. يختاران نماذج مختلفة، ويتابعان أحوال أفرادٍ يتمكّنون، معهما، من كشف أحوال جماعة. والفيلم، لانفتاحه على حكايات وانفعالات وحالات كثيرة، لن يتجاوز تقنية التسجيل، مكتفيا بما يختاره المخرجان من أشخاصٍ ومناطق وقصص تُغذّي رغبتهما في توثيق عيشٍ فلسطيني في قطاع، يواجه مصيره بقناعة مؤمن بأنّ الحياة تُعاش حتى اللحظة الأخيرة، رغم كلّ شيء.