عيد الحب يحل خجولاً على اللبنانيين... ورود وهدايا أقل

14 فبراير 2022
 

+ الخط -

يبدو أن الحب لم ينج هو الآخر من الانهيارات الكبيرة التي يعيشها اللبنانيون منذ عامين، حيث يحل عيد الحب أو "يوم القديس فالانتاين" كئيباً إذ يرغم العديد من العشاق والأزواج على القبول بهدايا وورود أقل.

في ظل أوضاع معيشية قاسية، أصبحت متطلبات عيد الحب المعتادة من من تبادل الورود والهدايا والسهر ليلاً، من الكماليات التي يجد العديد من اللبنانيين أن هناك من حاجاتهم اليومية ما هو أكثر إلحاحاً منها، ما يجبرهم على البحث عن هدايا ومبادرات رمزية أقل تكلفة على جيوبهم.

لطالما كان الاحتفال بعيد الحب من التقاليد الاجتماعية الراسخة بين اللبنانيين، وله طقوسه وأعرافه التي لا يمكن التهاون بها بين الأحبة والعشاق والأزواج.

ولهذا فان المتاجر التي تبيع الحلي والمجوهرات والهدايا والشكولاتة والملابس الخاصة، كانت تتزين كلها باللون الأحمر قبل أيام من حلول يوم 14 فبراير/شباط، وتقدم السلع المختلفة والملائمة لهذه المناسبة العزيزة عند كثيرين.

ليس هذا هو الحال بالنسبة الى الشاب آدم العزاوي (20 سنة) وهو يقف أمام متجره الصغير لبيع الإكسسوارات في منتصف شارع الحمراء، الذي لطالما اشتهر بحيويته التجارية وإغراءات التسوق فيه.

يوزع آدم المناقيش على المارة والأصدقاء مجاناً، ويستفيد من كلبه الصغير المدلل للفت أنظار المشاة العابرين، لكنهم، كما يبدو، قلة.

لايف ستايل
التحديثات الحية

برغم ذلك، يعتبر آدم نفسه محظوظاً أكثر من غيره من الباعة والتجار في السوق، لأن بضاعته من الإكسسوارات الرخيصة لا تتضمن أشياء باهظة الثمن من الذهب والفضة، وبالتالي، فإنها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه اللبنانيين، يمكن أن تجلب له مشترين أكثر.

بداية يتحدث آدم متباهياً "جاء كثيرون يبحثون عن هدايا تباع بعلب حمراء صغيرة لأحبائهم، كالقلوب وحروف الأسماء، وأشياء ترمز إلى الحب". لكنه لاحقاً يتحسر عندما يشير إلى أن المبيعات تراجعت مقارنة بما كان عليه الحال قبل عامين، بنسبة نحو 80 بالمائة.

انهيار الليرة

تداخلت عوامل كثيرة أصابت الاحتفال بعيد العشاق في الصميم، من اندلاع الاحتجاجات الشعبية على تردي الحياة السياسية والفساد في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ثم تفشي وباء ”كوفيد 19″ الذي ألحق ضرراً كبيراً بالعجلة الاقتصادية المتعثرة، وصولاً الى انهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي.

فقد مئات الاف اللبنانيين الكثير من مدخراتهم في البنوك أو فرضت قيود مشددة على سحبها، فيما أصبح الحد الأدنى للأجور يعادل 35 دولاراً، وبات لا يكفي لشراء دمية أو دب أحمر في أحد متاجر منطقة رأس بيروت الراقية، حيث يباع ب40 دولاراً.

مشهد غير مألوف

حضر اللون الأحمر على واجهات بعض المحلات والمتاجر بشكل خجول في شارعي الحمرا ومار الياس في بيروت، فيما كان العديد من الباعة يقفون على أبواب متاجرهم بانتظار دخول زبائن عيد العشاق المحتملين.

كان من المعتاد رؤية العديد من النساء والفتيات وهن يحملن باقات زهور حمراء، أو يرتدين ملابس حمراء، وهن يتنقلن في شوارع المدينة في السنوات الماضية، وهو مشهد لم يعد مألوفاً الآن.

في شارع متفرع من الحمراء، يعمل عدد صغير من الموظفين بهدوء في محل شهير لبيع الزهور على إعداد بعض باقات الورد والهدايا التي تجمع بين الشوكولاتة والزهور حمراء اللون. تباع الهدية الواحدة التي تضم 7 وردات فقط، وعدد من حبات الشوكولاتة بـ30 دولاراً. يتمتم الموظف بصوت منخفض قائلاً "لم يعد المبيع كما كان سابقاً".

بحسب الباحث في الشؤون الإحصائية عباس طفيلي، فان 1,2 مليون وردة كانت تباع في يوم واحد في عيد العشاق، وإنما قبل الأزمة الاقتصادية.

فقد العيد وهجه

في حي بيروتي آخر، يتحدث جلال حداد (43 عاماً) من متجر يبيع الزهور منذ 50 سنة، قائلاً "فقد عيد الحب وهجه السابق". يضيف متحسراً "حتى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005، ترك أثره السلبي على عملنا، حيث أصبح يوم اغتياله عطلة رسمية فرضتها الدولة، في حين أن عملنا كان يزدهر من خلال باقات الزهور التي يرسلها الأحبة الى بعضهم البعض الى أماكن عملهم ووظيفتهم".

أشار حداد إلى أنه قبل الأزمة الاقتصادية، كانت باقة الزهور الحمراء تباع بـ 45 ألف ليرة (كانت تعادل وقتها 30 دولاراً)، فكيف نبيعها اليوم بـ700 ألف ليرة ومن سيشتريها؟ حيث إن الورود مستوردة من هولندا وإثيوبيا والهند والإكوادور، ويدفع ثمنها بالدولار.

تراجع المبيعات

بالإجمال، يقدر حداد أن مبيعات الزهور تراجعت بنسبة 80 بالمائة، وغالبية الزبائن في عيد العشاق لا يشترون باقة كاملة، وإنما وردة أو وردتين، في حين أن المهاجرين اللبنانيين، هم الأكثر قدرة على الشراء حيث يتصلون ويحولون المال المطلوب، لإرسال باقات الورود الى أحبتهم.

في الوقت نفسه، تحفل مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانات عن حفلات غنائية في مختلف المناطق لمطربين في فنادق ومنتجعات سياحية لمناسبة عيد العشاق، لكن غالبيتها تعادل كلفتها على الشخص الواحد ضعف الحد الأدنى للأجور، وبعضها يصل الى 200 دولار.

مع ذلك، فإن حداد يشير إلى تراجع كبير في مبيعات الزهور المخصصة لطاولات الفنادق والمطاعم التي كانت تتزين لمناسبة احتفالات ولقاءات الأحبة في عيد العشاق، إذ صار ذلك من الكماليات، والآن يأمل أن يعوض "عيد الأم" في 21 مارس/آذار المقبل، تجارة الورود الخاسرة حتى الآن.

كأنما الحب صار مؤجلاً لزمن آخر بالنسبة إلى العديد من اللبنانيين وسط ضغوط التحديات المعيشية من طعام ودواء ووقود وتعليم وغيره. تتقبل الناشطة في المجال الاجتماعي جنان مصطفى هذه الحقائق، وتقول "أصبحنا نرضى بألا تكون توقعاتنا عالية من الحبيب في عيد العشاق. صرنا نرضى بتفاصيل أقل من الورد والهدايا، ونكتفي بهدية واحدة أساسية. لا حاجة للحب إلى الورود والحلي والدبب الحمراء".

(أسوشييتد برس)

المساهمون