حضّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب موقع "فيسبوك" على إعادة تفعيل حسابه على المنصة الاجتماعية بعد نحو عامين من إغلاقه، وفق ما أفاد مساعدوه الأربعاء، بينما يستعد لإطلاق حملة ترشحه للبيت الأبيض للمرة الثالثة.
وقال سكوت غاست، محامي ترامب، في رسالة إلى شركة "ميتا" مالكة "فيسبوك" نقلتها وكالة "فرانس برس"، إن حظر الحساب "شوه بشكل دراماتيكي الخطاب العام وكبته".
وطلب غاست عقد اجتماع لمناقشة "إعادة ترامب الفورية للمنصة" التي يبلغ عدد متابعيه عليها 34 مليوناً، باعتبار أن وضعه كمنافس رئيسي على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة عام 2024 يبرر إنهاء الحظر. وكتب غاست: "نعتقد أيضاً أن الحظر المستمر.. يُعَدّ جهداً متعمداً من قبل شركة خاصة لإسكات الصوت السياسي للسيد ترامب".
وردّت شركة "فيسبوك"، ومقرها كاليفورنيا، أنها ستراجع قرار حظر ترامب، مضيفة لوكالة "فرانس برس" الأربعاء: "سنعلن قرارنا في الأسابيع المقبلة، تماشياً مع العملية التي حددناها".
نقاش متواصل
عامان مرّا على حظر شركة ميتا دونالد ترامب من منصتَي "فيسبوك" و"إنستغرام"، إثر اتهامه بالتحريض على اقتحام الكابيتول (6 يناير/ كانون الثاني 2021). لكن لماذا يحظى الموضوع بهذه التغطية الواسعة من وسائل الإعلام؟ لأنه ببساطة مثال على كيفية موازنة وسائل التواصل الاجتماعي بين حرية التعبير ومراجعة المحتوى، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بقادة العالم وغيرهم من الأفراد المؤثرين في صناعة القرار.
وبغضّ النظر عن قرار الشركة النهائي، فإن الجدل لن يتوقّف. فمع إعلان ترامب نيته الترشح في انتخابات عام 2024، حثّ مشرعون وناشطون وباحثون "ميتا" على مواصلة إقصائه عن المنصات. إذ يرى هؤلاء أن ميل الرئيس السابق للتضليل والتفكير المتطرف قد تضاعف منذ مغادرته البيت الأبيض (2021)، وهو ما قد ينعكس على المحتوى الذي سينشره عبر حساباته في حال عودته إلى مواقع التواصل التابعة لـ"ميتا".
وتنقل صحيفة ذا غارديان البريطانية، عن المؤسس والرئيس التنفيذي لمنظمة الأمان عبر الإنترنت كومن سنس ميديا، جيمس ستاير، أن "سلوك ترامب ولغته أصبحا أسوأ وأكثر تطرفاً بشكل ملحوظ مذ أقصي من فيسبوك... السماح له بالعودة الآن سيكون إهانة خطيرة لديمقراطيتنا ولمعايير ميتا المعلنة. يجب أن يكون الحظر دائماً".
وفي ديسمبر/ كانون الأول، حثت رسالة من المشرعين الديمقراطيين "ميتا" على إكمال الحظر، مشيرين إلى أن ترامب واصل نشر معلومات مضللة عن الانتخابات والتحريض على العنف على منصة تروث سوشل التي يملكها.
كل ما سبق يعيدنا إلى السؤال نفسه الذي تكرر منذ فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية وهزيمة ترامب: ما مدى السيطرة التي يجب أن تتمتع بها المنصات الخاصة على النقاش العام؟ تقول خبيرة علم النفس الاجتماعي، شوشانا زوبوف في حديث مع صحيفة ذا غارديان، إن "الجزء الأكثر أهمية من هذا النقاش، أن المجتمعات الديمقراطية أصبحت رهينة لعدد قليل من الأفراد الذين يسيطرون على البنية التحتية الرقمية، ويتحكمون في مساحات الاتصال".
العودة إلى 6 يناير
مجدداً، لماذا تكتسب قضية عودة ترامب إلى "فيسبوك" و"إنستغرام" أهمية خاصة، بعد رفع الحظر عن حسابه على "تويتر"؟ نعود إلى 6 يناير 2021، لحظة اقتحام الكابيتول، وما سبقه وما تلاه من تحريض من قبل ترامب، عائلته، وأنصاره، رفضاً لنتيجة الانتخابات الرئاسية. تلك اللحظة الحاسمة وضعت سيليكون فالي وشركاتها للمرة الأولى أمام تحدٍّ حقيقي حول دورها الفعلي في معالجة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة حين تصدر تحديداً عن رئيس سابق لأقوى دولة في العالم، وقدرتها على حجب ما لا يعجبها، ما دامت تملك صلاحية وقدرة تقنية على ذلك.
وسمحت شركات عدة لترامب بالبقاء على منصاتها طوال فترة وجوده في منصبه، على الرغم من انتهاكه لسياساتها، مبرّرة إبقاءه بالمصلحة العامة. لكن في الأيام التي أعقبت أعمال الشغب، التي نشر خلالها مديحاً لمؤيديه، حظرته منصات تويتر وسناب شات ويوتيوب وفيسبوك وإنستغرام.
مثال على كيفية موازنة وسائل التواصل الاجتماعي بين حرية التعبير ومراجعة المحتوى
طبعاً فتحت الخطوة باب الشكوى عند الجمهوريين من الرقابة العشوائية أو الاستنسابية، بينما رأى آخرون أن الحظر جاء متأخراً للغاية. وقالت شركة تويتر وقتها إن تعليق حساب ترامب سيكون دائماً، على الرغم من أن المنصة عكست مسارها وأعادت حسابه بعدما تولى إيلون ماسك إدارة الموقع.
وأوضح الرئيس التنفيذي لـ"ميتا"، مارك زوكربيرغ، في منشور عام 2021، أن ترامب مُنع من المنصات لتشجيعه على العنف، وأن حسابه سيبقى معلقاً إلى حين الانتهاء من الانتقال السلمي للسلطة. وقال حينها: "إن قراره استخدام منصته للتغاضي عن أفعال مؤيديه في مبنى الكابيتول بدلاً من إدانتها قد أزعج الناس في الولايات المتحدة وحول العالم".
بعد فترة وجيزة من الحظر، أحالت الشركة قرارها بشأن حظر ترامب نهائياً على مجلس الرقابة المؤلف من مجموعة من الأكاديميين والسياسيين السابقين المعينين، التي تهدف إلى العمل بشكل مستقل عن قيادة الشركة.
وفي مايو/ أيار 2021، قرر مجلس الرقابة أن العقوبات يجب ألّا تكون "غير محددة" (المدة)، لكنه أوكل الحكم النهائي على حسابات ترامب إلى إدارة "ميتا".
ماذا تعني عودة ترامب؟
شهد العامان الماضيان ظهور منصات عدة تسوّق نفسها على أنها "خالية من الرقابة على المحتوى" بهدف جذب المغردين والمدونين المحافظين، ولعل أبرزها منصة تروث سوشل التي أطلقها ترامب نفسه. هناك يتمتع الرئيس السابق بـ5 ملايين متابع، وهنا رقم صغير جداً مقارنة بـ88 مليون مستخدم كانوا يتابعونه على "تويتر".
اليوم، وبعد شهرين على إعادة ماسك حساب ترامب، لم يغرد هذا الأخير، ما يطرح علامات استفهام حول رغبته أساساً في العودة إلى أيٍّ من المنصات الأساسية، حتى لو سُمح له بذلك. كذلك تراجعت قاعدة مستخدمي "فيسبوك" مراراً خلال العامين الماضيين، وبالتالي تأثير المنصة بدأ يضيق.
أما النقطة الثالثة، فهي استعداد الرئيس السابق لالتزام قواعد وسياسة استخدام منصات "ميتا"، إذ تنقل "ذا غارديان" أن خطاب ترامب أصبح أكثر تطرفاً منذ تعليقه على "فيسبوك"، فإذا رصدنا منشوراته على "تروث سوشل" سنجد، بحسب الصحيفة البريطانية، أن 350 منها على الأقل تنتهك سياسة "فيسبوك" وتستوجب الإزالة. وشملت تلك المنشورات آراء مؤيدة لحركة QAnon التي تُتهم بالعنف في العالم الحقيقي، و239 منشوراً تشكك في صدقية الانتخابات الأميركية.