عن بعض أعطاب المهنة: "أيُمكنك التعريف عن نفسك سيّدي؟"

03 مارس 2021
ريتا حايك: أُيعقل أنْ تُسأل تعريفاً عنها؟ (إليزابيتا آ. فيلا/ Getty)
+ الخط -

مُضحكةٌ تلك اللقطات القليلة للغاية، المبثوثة مؤخّراً على فيسبوك. موظّف تلفزيوني يريد حواراً مع ممثلة، مباشرة على الهواء، من مقرّ خاص بمهرجان سينمائي يُقام في الإسكندرية. معرفة المهرجان ورقم دورته وتاريخ انعقاده غير مهمّة أبداً. هذا يحصل في ذاك المهرجان، وفي غيره. يحصل أيضاً في يومياتٍ تشهد شبيهاً لهذا، فيتأكّد المؤكّد: غالبية الصحافة والإعلام التلفزيوني العربي مُصابة بجهلٍ فاقعٍ وخطرٍ، يُسبِّب مزيداً من انهيارات مهنة وأخلاقها وقواعدها، يُضاف (المزيد) إلى انهياراتٍ لاحقة بها، لأسبابٍ سياسية واقتصادية ومالية وطائفية.

يتقدّم المذيع الشاب من ممثلة تبلغ من العمر أعواماً مديدة. يُقدِّم لقاءه المتوقّع معها بكلامٍ عادي وسريع، ثم يتوجّه إليها طالباً منها "التعريف عن نفسها". تُفاجأ السيّدة، وهي ممثلة على الأرجح، فإعلاميّو تلفزيونات عربية عدّة غير منتبهين إلى مخرجات ومنتجات وموزّعات ومبرمجات وناقدات وناشطات في شؤون مختلفة في السينما وصناعتها. تغضب قليلاً، فهي منزعجة للغاية لأنّه غير عارف بها. هذا مُسيء لها. هذا مُسيء للإعلام والسينما والمهنة والأخلاق. هذا مُسيء، فقط.

 

 

المشهد غير مرتبط بفردٍ واحدٍ، أو بمهنةٍ واحدة. خبريات كثيرة تُروى عن شخصيات عامة، في الأدب والفكر والعلم والفنون وغيرها، تتعرّض لمواقف كهذه. إذْ كيف يُمكن لصحافي/ صحافية أن يسعى إلى حوار مع من يجهل شكله واسمه وأعماله؟ كيف يتجرّأ صحافي/ صحافية على التوجّه إلى من يريد محاورته، وهو غير مهيّأ لحوارٍ، وإنْ يكن الحوار تلفزيونياً سريعاً؟ كيف تسمح المؤسّسة لنفسها بتكليف موظّفٍ لديها بـ"ارتكاب" فعلٍ كهذا؟ المأزق ليس فردياً البتّة. الفرد يتصرّف بوقاحة وعنجهية وغباء، لأنْ لا أحد يُنبّهه ويوجّهه ويُحاسبه على خطأ. ومن لا يُنبَّه ويواجَه ويُحاسَب، يظنّ نفسه فرعوناً في مهنةٍ، غير عارفٍ أصولها وقواعدها ومتطلّباتها.

هذا يُضاف إلى مأزقٍ آخر، يتمثّل بجهلٍ وأمّية. صحافيون وصحافيات عديدون وعديدات غير مُلمّين بموضوع يتابعونه، أو بملفٍ يُكلَّفون به، أو باشتغالاتِ شخصيةٍ يُطلب منهم محاورتها. هذه مسائل بديهية، يخجل ناقدٌ سينمائي الكتابة عنها، لكنّه مضطرّ إلى ذلك فالمسألة سيئة للغاية. هذه مفردات أولى في مهنة الصحافة والإعلام. أيّ كلّيات عربية تُدرِّس مهنة كهذه، وكيف تُدرِّس؟ فشل المهنة متأتٍ من انهيار تدريس أكاديمي، وتدريب مهنيّ، واختبارات عملية. الخطرٍ يُصيب المهنة، جرّاء لامبالاة وتشاوفٍ يتحكّمان بطارئين على المهنة، والبعض يوافق عليهم ويتعاون معهم، فهو مثلهم غير مبالٍ ومتشاوف.

حكاية تُروى، فالقائلون بها عديدون، ومعظمهم ذوو مصداقية مهنية: قبل سنين مديدة، يتقدّم صحافي من فريد شوقي، القادم إلى بيروت لتقديم مسرحية له في "قصر البيكاديلي" (لعلّها مسرحية "شارع محمد علي"، إنْ لم تخنّي الذاكرة)، سائلاً إياه حواراً لصحيفة. يوافق الممثل. يجلس الصحافي. يضع آلة التسجيل أمام شوقي، ويطرح عليه أول سؤال: "هل يُمكنك التعريف عن نفسك؟". يُقال إنّ فريد شوقي لم يتردّد إطلاقاً في خلع حذائه فوراً، ليضرب به ذاك الصحافي الذي لا يزال، لغاية اليوم، مجهولاً.

المساهمون