أتذكر جيداً يوم عرض معهد العالم العربي في باريس رائعة عمر أميرالاي "طوفان البعث". وأتذكر أيضاً حالة الجدل التي أثارها الفيلم بين مؤيد ومعارض، وبين ناقم وغاضب على هذا المخرج.
في هذا الفيلم كان أميرالاي صانعاً مبدعاً لحالة من السرد السينمائي الخاصة جداً، محملة بهمٍّ سياسي واجتماعي يمثل نقداً جريئاً وقاسياً لنظام الحكم في سورية.
لم يقدم عمر أميرالاي ــ برغم أفلامه ذات الإنتاج المشترك مع فرنسا ــ أعمالاً فرانكوفونية ترضي الجهة المشاركة إنتاجياً؛ أي أنه لم يصنع أعمالاً بشكل معلب ومسطح يهدف لتأكيد وترسيخ النظرة الدونية الغربية للعرب. إذ إن المخرج السوري الذي درس في باريس أواخر الستينيات، استطاع أن يعود إلى بلاده محملاً بطموح واختلاف كبيرين ليشارك مع أبناء جيله (المخرجين أسامه محمد ومحمد ملص بشكل خاص) في محاولة صناعة سينما سورية حقيقية. وقد استطاعوا أن يجعلوا من الحلم واقعاً، وهو صناعة سينما مختلفة ومتوازية بشكل يتفوق بجماهيريته على السينما التجارية التقليدية المقولبة. بل إنهم صنعوا سينما خلقت تياراً من التفكير والتأمل والنقد.
لقد كان أميرالاي أكثر رفاقه جموحاً وخيالاً وجرأةً وقسوةً في النقد. وقد دفع ثمن هذا الجموح فمنعه النظام السوري من السفر وحدّد إقامته حتى وفاته في فبراير/شباط 2011.
كان أميرالاي رائعاً في التكثيف والتركيز، وتقديم المواد التوثيقية وصبغها بطابع درامي بديع، لا يتوافر إلا في سينما معنية بالحقيقة وناقدة بقسوة الواقع.
حقا لقد فقدنا عمر أميرالاي جسداً ولكنه حاضرً بإبداعه معنا.
عمر أميرالاي... لروحك السلام.