عام أسود على الصحافيين الفلسطينيين

02 يناير 2022
أكثر من 500 انتهاك للاحتلال الإسرائيلي ضد الصحافيين الفلسطينيين (عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت فلسطين في 2021 انتكاسة غير مسبوقة في واقع الحريات بمختلف أشكالها، الإعلامية وحرية الرأي والتعبير، كما حق التجمهر السلمي، بعد جملة كبيرة من الاعتداءات والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وأسفرت عن اعتقال وسحل وضرب مئات الناشطين والصحافيين، وتكسير كاميراتهم و"خطف" أجهزتهم المحمولة، وملاحقتهم قضائياً، وإغلاق بعض المؤسسات بحجة عدم الترخيص، وشهد العام ذاته مقتل المعارض السياسي نزار بنات، ما جعله من أسوأ وأصعب السنوات التي تمر على الجسم الصحافي الفلسطيني، فقد كان عامًا دمويًا.

انتهاكات داخلية تفوق انتهاكات الاحتلال

للأسف، فقد تفوقت الانتهاكات الداخلية التي تعرض لها الصحافيون والمؤسسات الإعلامية على تلك التي تعرضوا لها من قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعمدت قوات الاحتلال إلى اعتقال وتوقيف عدد من الصحافيين، ومنعت آخرين من الوصول إلى مكان الحدث، في حين سجلت عشرات الإصابات بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط وبالاختناق بالغاز المسيل للدموع في صفوف المراسلين الميدانيين والمصورين خلال تغطيتهم المواجهات التي اندلعت مع قوات الاحتلال في مواقع مختلفة بالضفة الغربية على مدار عام 2021.
يأتي هذا، رغم إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً رئاسياً بشأن الحريات العامة، في فبراير/ شباط الماضي، الذي جاء في سياق الانتخابات العامة التي تم تأجيلها، وأكد المرسوم تعزيز مناخ الحريات العامة في كافة أرجاء فلسطين، بما فيها حرية العمل السياسي والوطني، وتأكيد حظر الملاحقة والاحتجاز والتوقيف والاعتقال وكافة أنواع المساءلة خارج أحكام القانون، لأسباب تتعلّق بحرية الرأي والانتماء السياسي.
لكن قرار الرئيس الفلسطيني الصادر في 30 إبريل/ نيسان 2021 بتأجيل الانتخابات التشريعية بحجة عدم إمكانية إجرائها في مدينة القدس المحتلة، قبل أقل من شهر على موعدها، (22 مايو/ أيار 2021)، شكّل بداية لحالة التأزم الداخلية، التي انفجرت بعد مقتل المعارض السياسي نزار بنات على يد الأجهزة الأمنية في 24 يونيو/ حزيران 2021، إذ تبعت ذلك موجة من الاعتداءات الجسدية والضرب والسحل للمشاركين في التظاهرات التي خرجت احتجاجاً على مقتله.
ونال الصحافيون جزءاً من تلك الهجمة، إذ تعرض العشرات منهم، خلال تغطيتهم تلك التظاهرات، للضرب والسحل وخطف أجهزتهم النقالة التي كانوا ينقلون من خلالها الأحداث، على أيدي عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية وحركة فتح الذين كانوا بالزي المدني، إضافة إلى محاولة ابتزاز الصحافيين والصحافيات من خلال استخدام المعلومات والصور الشخصية التي كانت موجودة على تلك الأجهزة، التي غالباً لم تُعد إلى أصحابها حتى الآن.

الصحافية فيحاء خنفر أصيبت بكدمات و"كسر جزئي" في يدها

الصحافية فيحاء خنفر أصيبت بكدمات و"كسر جزئي" في يدها، وسُرق جهازها المحمول خلال تغطيتها تلك التظاهرات في رام الله، تقول لـ "العربي الجديد" إن عام 2021 كان قاسياً جداً عليها على الصعيد المهني، إذ إنها لم تكد تشفى من الإصابة التي تعرضت لها من شرطة الاحتلال خلال تغطيتها الاحتجاج على اقتحام المستوطنين باحات المسجد الأقصى المبارك، حين انهال عليها عناصر من شرطة الاحتلال بالضرب بالهراوات على جسمها ووجهها، حتى تعرضت لموقف مشابه، بل أقسى، بعد أيام قليلة في رام الله". وتضيف خنفر "الضربة من عنصر أمن فلسطيني كانت أقسى وأشد مائة مرة من تلك التي أصابتني من جندي محتل. كانت من أصعب اللحظات في حياتي، وجدت نفسي بين مئات العناصر الأمنية عندما لحقت بمن سرق هاتفي المحمول، بعد أن ضربني بهراوة على يدي، وشعرت بحالة رعب لم أعشها من قبل".

لكن المحزن لدى فيحاء خنفر هو التقصير الكبير في متابعة ملفها وملف زملائها، إذ تقول: "لم تكلف جهة رسمية فلسطينية نفسها عناء الاتصال بي مثلاً، وأخذ إفادتي على الأقل، أو الاستماع لما جرى معي، وكذلك نقابة الصحافيين لم تتواصل معي مطلقاً، رغم فداحة الانتهاك، بعض المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية اتصلت بي فقط، وحتى اليوم جهازي المحمول في ذمتهم".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وخلال العام الماضي، تعرض عدد من الصحافيين للاعتقال لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، إذ كان يجرى توجيه تهم إليهم تتعلق بحيازة السلاح أو تلقي الأموال أو الانتماء إلى تنظيمات محظورة، ليتبين لاحقاً عدم صدق تلك الاتهامات وعدم وجود أي مبرر لتوقيف واعتقال الصحافي، ويتم الإفراج عنهم بعد أيام أو أسابيع، كما جرى مع الصحافيين نسيم معلا من بلدة بيتا جنوب نابلس، وياسين أبو لفح من نابلس أيضاً، وقبلهما الصحافي عبد الرحمن ظاهر.

مئات الاعتداءات بحق الصحافيين من قبل الاحتلال

على صعيد الاعتداءات الإسرائيلية، فقد ناهزت نحو 500 انتهاك، خاصة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وقمعه المسيرات التي خرجت في الضفة الغربية، وكذلك في المسيرات الأسبوعية الرافضة للاستيطان وخلال عمليات هدم المنازل في القدس والضفة الغربية، بحسب ما أكدته مؤسسات حقوقية تعنى بمتابعة حقوق الصحافيين الفلسطينيين. 
ومن أبرز انتهاكات الاحتلال إصابات مباشرة للصحافيين بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، وقنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت والمياه العادمة، إضافة إلى الاعتقال في سجون الاحتلال، كما جرى على سبيل الذكر لا الحصر مع الصحافي طارق أبو زيد، والمصور حازم ناصر، كما تعرض عدد من الصحافيين لـ"الاستدعاء للتحقيق" في مراكز المخابرات الإسرائيلية في الضفة. هذا يضاف إلى الاحتجاز والمنع من التغطية والتصوير ومصادرة وتحطيم كاميرات ومعدات خاصة بالعمل، والاعتداء بالكلاب البوليسية، واقتحام ومداهمة المكاتب الإعلامية.
ومن أساليب العقاب التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع الصحافيين من السفر، إذ وثقت المؤسسات الحقوقية منع عشرات الصحافيين الفلسطينيين من السفر والتنقل بـ"شكل غير قانوني وغير مبرر"، بالإضافة إلى مساومتهم للحصول على هذا الحق مقابل التعاون مع أجهزة الأمن والمخابرات الإسرائيلية، كما ورد في تقرير المرصد "الأورو متوسطي" لحقوق الإنسان، ومقره جنيف، الذي وثق حالات قام فيها جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) بابتزاز ومساومة صحافيين فلسطينيين على حقهم في حرية التنقل والحركة، إذ أبلغهم الضباط الإسرائيليون بأنه يمكن أن يُزال عنهم قرار المنع من السفر في حالة واحدة، وهي التعاون معهم في تقديم معلومات أمنية عن الفلسطينيين أو العمل لصالح إسرائيل، وفق التقرير.

من أساليب العقاب التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع الصحافيين من السفر

ووفق إفادات الصحافيين، "في حال رفضهم العروض، يتعرض الصحافيون للاعتداءات الجسدية والنفسية من خلال الضرب والاحتجاز والاقتحامات المنزلية والتهديد بالملاحقة المتواصلة".
ومن أبرز الصحافيين الممنوعين من السفر الصحافية مجدولين حسونة، التي أبلغت "العربي الجديد" أنها محرومة من السفر منذ عام 2019؛ ما أدى إلى حرمانها من الوصول إلى عملها في قناة "TRT "التركية كمسؤولة تحرير، وتواصل العمل عن بعد بحكم أوضاع كورونا خشية فقدانها عملها بسبب المنع. ويؤثر المنع على حياة حسونة الشخصية بشكل مباشر، فهي ممنوعة من الوصول إلى بيت زوجها في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ولا تستطيع السفر إلى الخارج؛ لتشكيل أسرتها وحياتها، ولم تنتهِ المعاناة هنا فحسب، فمنع السفر كان عائقاً كبيراً أمام استكمال طموحها وشغفها بالدراسات العليا في الجامعات التركية. ومؤخراً منعت حسونة من السفر لاستلام جائزة منظمة "مراسلون بلا حدود"، بعد فوزها بجائزة صحافية العام عن فئة "الاستقلالية".

المساهمون