عامٌ على حكم "طالبان": أفغانستان تخسر صحافييها

14 اغسطس 2022
إغلاق مؤسسات، وتصاعد الاعتداءات، وتضييق على الصحافيات (وكيل كوشار/فرانس برس)
+ الخط -

من أبرز سمات الحكومة الديمقراطية في أفغانستان التي أُسست عام 2001 نتيجة مؤتمر بون، وانهارت في أغسطس/آب عام 2021 إثر سيطرة حركة طالبان على كابول، حرية وسائل الإعلام وتقويتها بدعم المجتمع الدولي ومساندته، إذ تشير جمعية الصحافيين الأفغان المستقلين إلى أن عدد وسائل الإعلام في أفغانستان كان 544، بين قناة تلفزيونية وإذاعة وصحيفة، عندما انهارت حكومة أشرف غني، وكان للمرأة الأفغانية دور فعال في هذه المؤسسات، إذ قُدر عدد العاملات فيها بالآلاف.

تحقق هذا الإنجاز رغم التهديدات الأمنية وأعمال القتل والتهديد والاعتقال التي تعرّض لها الصحافيون في أفغانستان على مدى العقدين الماضيين، في ظل وجود القوات الدولية والأميركية. ولم تغب الخشية على مستقبل وسائل الإعلام في أفغانستان في حال سيطرة "طالبان" على الحكم، من هنا كان من بين المباحثات مع الحركة قضية وسائل الإعلام، وقد وعدت بأن تسمح لها بالحرية إذا نجحت المفاوضات، أو إذا وصلت إلى سدة الحكم بقوة السلاح.

لكن مع وصول "طالبان" إلى كابول منتصف الصيف الماضي، واجهت وسائل الإعلام الأفغانية أشد أنواع القمع، وإن كان متفاوتاً مقارنة بفترة حكم الحركة في التسعينيات، إذ لم تكن تسمح آنذاك لأي وسيلة إعلامية بأن تعمل، عدا التابعة لها. هذه المرة سمحت لوسائل الإعلام الخاصة والحكومية بالعمل، لكن تحت شروط جديدة وقمع وقيود لم يكن الشعب الأفغاني، وخاصة الشريحة الإعلامية، مستعداً لتقبّلها بعد أن عاش فترة من الحرية في العقدين الماضيين.

مع سيطرة "طالبان" المفاجئة على كابول، سادت حالة من الارتباك وسط العاملين في المجال الإعلامي، واستطاع قليل منهم، وهم المشهورون والعاملون لدى وسائل إعلام غربية، الخروج من البلاد، خلال عملية الإجلاء التي تعثرت لاحقاً. آخرون ظلوا في البلاد، على أمل أن يواصلوا عملهم بشكل طبيعي. لكن الرياح أتت بما لا يشتهيه هؤلاء، إذ تعرضوا لأنواع مختلفة من القمع في أثناء التغطيات الصحافية، وتحديداً خلال الأحداث التي تنتقد الحركة، ولا سيما أن معظم عناصرها وقياداتها ينظرون إلى وسائل الإعلام الأفغانية على أنها موالية للحكومة المنهارة وللغرب.

يقول الصحافي الأفغاني عبد الكريم منور (اسم مستعار لدواعٍ أمنية) الذي تعرض مرتين للضرب من قبل مسلحي "طالبان"، لـ"العربي الجديد"، إنه ترك عمله ويسعى للخروج من البلاد. ويضيف: "حكومة طالبان تزعم في العلن أنها تسمح لوسائل الإعلام بالعمل، لكن في الخفاء تمارس علينا أشد الضغوط. كنت أغطي مسيرة نسائية في مارس/آذار الماضي عندما تعرضت للضرب من قبل مسلحي طالبان. أخذوا مني الكاميرا والمعدات والهاتف المحمول، واقتادوني معهم، ثم أفرجوا عني بعدما هددوني وحذروني من تغطية أي تظاهرة نسائية مستقبلاً".

وفي ظل الضغوطات المتزايدة، خسر الكثير من الصحافيين وظائفهم، بينما أغلقت نصف وسائل الإعلام أبوابها منذ سيطرة "طالبان" على كابول. يقول رئيس جمعية الصحافيين الأفغان المستقلين، حجت الله مجددي، لـ"العربي الجديد"، إن 219 منصة إعلامية أفغانية توقفت عن العمل من إجمالي 544 منذ وصول "طالبان" إلى الحكم. ويضيف أن المؤسسات الإعلامية التي لا تزال مستمرة في عملها تواجه عوائق كثيرة وخسائر مادية، إضافة إلى خسارة موظفيها الأكفاء. ويشير إلى أنه من بين 12 ألف شخص كانوا يعملون في وسائل الإعلام، أصبح سبعة آلاف منهم بلا عمل، من بينهم 2100 امرأة. ويفيد بأن الجمعية سجلت 125 حادثة اعتداء على الإعلاميين خلال عام واحد من حكم طالبان.

تقارير دولية
التحديثات الحية

وسبق أن أعلن اتحاد الصحافيين الأفغان، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن 70 في المائة من وسائل الإعلام الأفغانية توقفت عن العمل، مشيراً إلى أن ما بقي منها يواجه مخاطر مدوية وتحديات جمّة، مطالباً "طالبان" بالتعاون معه من أجل وضع آلية للعمل في المستقبل.

وقال الاتحاد حينها إن 67 في المائة من الإعلاميين والصحافيين خسروا وظائفهم بسبب التحديات الأخيرة والوضع الراهن، فيما 33 منهم لا يزالون يملكون الوظائف، موضحاً أن 40 في المائة يواجهون مخاطر أمنية، وبعضهم واجهوا التهديدات والبعض الآخر يخشون مواجهة التهديدات، فيما 30 في المائة آخرون يواجهون مشاكل اقتصادية، و30 في المائة آخرون يخشون على وظائفهم في المستقبل، نظراً للوضع السائد.

لكن مجددي يقول إن الوضع قد تحسّن قليلاً مقارنة بالفترة السابقة، وإن بعض وسائل الإعلام التي أغلقت أبوابها استأنفت عملها، موضحاً أن ثمة إيجابيات في تعامل "طالبان"، وخاصة في ناحيتي الأمن والحصول على المعلومات، "لكن المشاكل موجودة ونحن نسعى لحلها".

هناك صحافيون تمكنوا من الوصول إلى الغرب أو دول أوروبية، وهم في حالة جيدة رغم الغربة والتخلي عن أحلامهم، لكن منهم من لا يزالون عالقين في دول الجوار أو داخل البلاد. يقول الصحافي عبد الله ولي زاد، المقيم حالياً في باكستان، لـ"العربي الجديد" إن أعداداً كبيرة من الصحافيين يعيشون في باكستان في ظروف قاسية، بعدما قدموا إليها هرباً من التهديدات الأمنية وسعياً للسفر إلى دول أوروبية، بعد أن وعدتهم مؤسسات دولية بأن تتيح لهم الفرصة للخروج عبر باكستان، ولكن كل تلك المؤسسات بدأت تتخلى عنهم. يضيف عبد الله ولي زاد: "الوضع الاقتصادي شديد الصعوبة. أنا أعيش منذ ثمانية أشهر في باكستان، وصرفت كل ما أملك الآن من المال، ولا أمل في الخروج، بينما العودة إلى أفغانستان غير ممكنة، لا من الناحية المهنية ولا الأمنية".

أما الذين تمكنوا من الوصول إلى دول أوروبية، فهم يعربون عن أسفهم على أحلامهم المتروكة في كابول، مثل عزيز أحمد تسل، رئيس جمعية "كابول برس كلاب"، المقيم حالياً في الولايات المتحدة الأميركية، والصحافية فيروزه عزيزي التي تقيم حالياً في فرنسا، والصحافية هيلي أسد المقيمة في جمهورية التشيك حالياً. كلهم أكدوا لـ"العربي الجديد" أنهم وجدوا فرض عمل جيدة وأسلوب حياة مناسب، ولكنهم تحسروا على أحلامهم الموؤودة في بلادهم في أعقاب سيطرة "طالبان".

والنساء العاملات في القطاع الإعلامي يدفعن ثمناً أكبر بكثير من الزملاء الذكور منذ سيطرة "طالبان" على البلاد، إذ يدفعن ثمن العمل في وسائل الإعلام، علاوة على ما تفرضه الحركة والمجتمع الأفغاني من قيود. وتقول الصحافية الأفغانية سنوبر بارسا لـ"العربي الجديد" إن "وسائل الإعلام تلقت ضربة قوية بعد أن جاءت حكومة طالبان، وكانت النساء أكثر المتضررات، بعد أن أحرزن تقدماً كبيراً خلال العقدين الماضيين"، مؤكدة أن 95 في المائة من الصحافيات تركن العمل أو هربن من البلاد، أو أجبرن على ترك العمل بسبب الوضع القائم، ومن يواصلن العمل فلا يحسدن على موقفهن.

وتشير إلى أن "طالبان" فرضت قيوداً خانقة على الصحافيات، وتحديداً العاملات في التلفزيون، مثل غطاء الوجه في أثناء تقديم الأخبار والبرامج في وسائل الإعلام غير الحكومية، أما في الوظائف الحكومية، فقد أقيلت كل الإعلاميات والعاملات فيها.

لكن نائب الناطق باسم "طالبان"، وهو عضو اللجنة الثقافية، بلال كريمي، يقول لـ"العربي الجديد": "بذلنا جهدنا من أجل إتاحة فرصة مواتية وجو مناسب لوسائل الإعلام، ولكن بحكم التطورات التي حصلت طبعاً كانت هناك مشاكل، غير أننا نعمل لحلها وستكون الفترة المقبلة أحسن من الماضية".

في السياق نفسه، أظهرت دراسة أعدتها منظمة مراسلون بلا حدود، الجمعة، أن أفغانستان فقدت أكثر من نصف صحافييها، وخاصة النساء منهم، منذ أن استولت حركة طالبان على الحكم قبل عام. وبحسب تقديرات المنظمة، "كان هناك 11 ألفاً و857 صحافياً قبل وصول طالبان إلى الحكم، ولم يبق اليوم منهم سوى 4759". وأشارت المنظمة إلى أن "76.19 في المائة من الصحافيات فقدن عملهن".

وبينت الدراسة التي نشرتها المنظمة في موقعها الإلكتروني أن "البلاد كانت في 15 أغسطس/آب 2021 تضم 547 وسيلة إعلام، وبعد عام توقفت 219 منها عن العمل". في المقابل، ظهرت أربع مؤسسات إعلامية جديدة. وأكدت المنظمة أنه "في بعض الأقاليم اضطر عدد من المؤسسات لوقف البث، بسبب الاستعاضة عن البرامج الموسيقية ونشرات الأخبار ببرامج دينية". كما عللت المنظمة إغلاق بعض المؤسسات الإعلامية بـ"صعوبات اقتصادية جديدة، على غرار وقف المساعدات الدولية والوطنية، وتراجع عائدات الإعلانات في ظل أزمة اقتصادية حادة".

وكانت هناك "قبل وصول طلبان إلى الحكم 2756 امرأة يعملن صحافيات في مؤسسات إعلامية أو متعاونات معها، لكن عددهن حالياً بات يقتصر على 656، غالبيتهن في العاصمة كابول". ولا توجد صحافيات في 11 ولاية من أصل 34. وقالت صحافية تعمل في كابول إن "ظروف عيش وعمل النساء في أفغانستان كانت ولا تزال صعبة، ولكن اليوم نعيش وضعية غير مسبوقة".

وأوقف ثمانون صحافياً أفغانياً على الاقل خلال العام الماضي، ويقبع حالياً في السجن ثلاثة صحافيين، وفقاً للمنظمة. تحتل افغانستان المرتبة 156 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره "مراسلون بلا حدود".

كما سلطت لجنة حماية الصحافيين الضوء على "كفاح" وسائل الإعلام الأفغانية "من أجل البقاء وسط نظام قيود ورقابة يزداد شدةً يستهدف الصحافيين المستقلين، وإثر فرار العديد من العاملين الإعلاميين الأفغان، وتراجع اقتصاد البلد".

ووجد التقييم الذي نشرته اللجنة الخميس الماضي، وعنوانه "أزمة الإعلام الأفغانية"، تدهوراً في حرية الصحافة على امتداد السنة الماضية يتسم بفرض الرقابة، وعمليات اعتقال واعتداءات، وفرض قيود على الصحافيات. وفي الوقت نفسه، عرض التقرير شجاعة الصحافيين الذين ظلوا في البلد والتغطية الإعلامية المهمة التي أنجزوها، إضافة إلى العمل القيّم الذي يؤديه الصحافيون الأفغان الذين يعملون من المنفى.

وقالت رئيسة لجنة حماية الصحافيين جودي غينزبرغ: تؤدي الإجراءات التي اتخذتها حركة طالبان بهدف قمع الإعلام إلى تأثيرات مدمرة. أما الإجراءات المشددة بصفة خاصة التي تستهدف النساء الصحافيات، فترتقي إلى محاولة لمحو النساء من الحياة العامة. ويواصل الصحافيون الذين ظلوا في أفغانستان عزمهم على الاستمرار في تغطية الأخبار، ولكن لا يمكن تركهم وترك العدد الكبير من العاملين الإعلاميين الذين يعملون من المنفى ليتغلبوا وحدهم على العقبات التي تواجههم. ويجب أن تواجه حركة طالبان ضغطاً دولياً كبيراً للتراجع عن المسار الحالي والكف عن اعتداءاتها على الصحافة الحرة".

استند تقرير لجنة حماية الصحافيين إلى مقابلات مع مراسلين صحافيين ومديرين إعلاميين أفغان، ووثق ممارسات حركة طالبان المتمثلة في الاعتقالات التعسفية والاعتداءات والتهديدات ضد الصحافيين، إضافة إلى الخوف والرقابة الذاتية اللذين انتشرا من جراء هذه الإجراءات الجديدة. إذ شهدت السنة الماضية انحداراً كبيراً في عدد الصحف والمحطات الإذاعية وغيرها من مصادر الأخبار في أفغانستان، إضافة إلى انهيار عدد الصحافيات النساء. وقد عنت مساعي حركة طالبان إلى إزالة النساء من الحياة العامة أن الواقع اليومي للنساء الأفغانيات يظل غالباً غير موثّق وغير معروف.

المساهمون