خلت "تِترات" المسلسلات السورية بشكل شبه تام في السنوات الأخيرة من أسماء كبيرة في خانة المؤلفين، من قبيل ممدوح حمادة وحسن سامي يوسف ووليد سيف ويم مشهدي، وغيرهم من كتاب الدراما السورية بأسمائهم الكبيرة. في حين حضرت بشكل كثيف، أسماء شابة وجديدة، ذكوراً وإناثاً، منهم من طرحوا أعمالهم الأولى خلال الأعوام الأخيرة، وتحديداً في الموسمين الأخيرين، مع تصاعد موجة الأعمال القصيرة الخارجة عن نمط الـ 30 حلقة. وتأخذ هذه الظاهرة، أي ظهور شريحة من الأسماء الشابة والجديدة، مكانها بقوة من حيث الحجم والكثافة في الساحة الفنية والدرامية السورية. الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة، منها ما يتعلق بالسبب الحقيقي وراء غياب الكتاب السوريين التقليديين، وكذلك نوعية الإنتاج والنصوص التي يقدمها هؤلاء الكتاب الجدد، والتي تندرج بمعظمها تحت تصنيف الـ"لايت". نصوص فارغة من الرسالة والمضمون ومعتمدة على مواضيع مكررة وغير هادفة، وهدفها ملء الفراغ واستمرار عجلة الإنتاج في الدوران، والتي تعرضت للتوقف بسبب ظروف الحرب السورية، وغياب الكتاب وحتى الممثلين والمخرجين عن الساحة الفنية. ولا يخفى أن هناك أعمالا درامية، سواء سورية أو مشتركة، قدمت مستوى جيدًا على مستوى النص، ويبرز هنا النص الذي يقدمه الشاب رامي كوسا من خلال مسلسله "أولاد آدم" الذي لاقى نجاحاً مقبولاً، وبدرجة أقل النص الذي قدمته الكاتبة حنان المرهجي من خلال مسلسل "سوق الحرير" الذي كان أول أعمالها الفنية. لكن يبقى السؤال مشروعاً، عن نسبة تلك الأعمال الجيدة أو المقبولة، من حجم الإنتاج العام بالنسبة للنصوص، والتي تظهر بغالبيتها مفتقرة للحبكة والحوار الجيد والرسالة قبل كل شيء، والجواب: لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
أصبحت معظم الشركات تبحث عن النص الرخيص بسبب انهيار العملة
في الحديث عن التصنيفات، تجد أن معظم الأعمال التي أنتجها الكتاب الشباب والجدد، تندرج تحت إطار الدراما الاجتماعية، المعتمدة على قصة حب أو علاقات عاطفية، وغالباً ما تتجه لتناول حياة الطبقة النخبوية من المجتمع، اقتصادياً أو ثقافياً، فيما تغيب الشريحة الأوسع (الشعبية) من المجتمع السوري عن تفاصيل المشهد الدرامي إلا ما ندر. بيد أن الغياب الأبرز في التصنيفات الدرامية في الأعوام والمواسم الأخيرة، كان للأعمال الكوميدية الساخرة، والتي تعالج قضايا اجتماعية وثقافية معينة، وهو النوع الأصعب من الكتابة الدرامية، ما يدلل على أن الكتاب الجدد يتجهون نحو الأسهل، فقط لتسجيل أسمائهم على الأعمال، والوصول إلى شركات الإنتاج التي باتت بحاجة للنصوص في ظل ارتفاع وتيرة الإنتاج في العامين أو ثلاثة الأخيرة، نظرة لعودة عجلة الإنتاج الدرامي في سورية للحركة بشكل أسرع، بعد البطء الذي أصابها خلال الأعوام الأولى من الحرب.
يرى الكاتب المعروف ممدوح حمادة، والذي تقلص إنتاجه الدرامي خلال السنوات الأخيرة، أن "تراجع الدراما السورية له أسباب كثيرة، الجميع يعرف معظمها"، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "شركات الإنتاج التي كان يمكن وصفها بأنها صاحبة مشروع اختفت تقريباً ولم يبق إلا الشركات صاحبة الأجندات، بغض النظر إن كانت تفرض عليك أجندتها ككاتب أم لا". ونوه حمادة إلى أنه "بسبب انهيار العملة، أصبحت معظم الشركات تبحث عن النص الرخيص، فإن لم تعمل في ظل هذه الظروف، فيمكن الاستغناء عنك بكل بساطة، على مبدأ المثل الأجنبي (ليس هناك أشخاص لا بديل لهم)، وهذا لسان حال شركات الإنتاج من الناحية الاقتصادية. أما من ناحية أخرى، فيمكن الحديث عن العوائق السياسية للنص الجيد، ففي الكثير من الأحيان يتم تجيير النص لصالح جهة ما، هي السلطة على الأغلب، كون الجهات الأخرى لا تملك شركات إنتاج خاصة بها حتى الآن، وهذا يجعل الكاتب يفكر ألف مرة قبل أن يكتب أو أن يعمل بهذا السعر المتدني".
ويوضح الكاتب حمادة بأنه "لهذا، فقد ظهر إلى السطح أسماء كتاب متواضعين، في الحقيقة إنهم أحياناً يعرضون لوحات مسروقة من مسلسل (بقعة ضوء)، الأجزاء الأولى نفسها، وقد شاهدت عدة لوحات أفكارها مستنسخة من مسلسلي (الخربة) و(ضيعة ضايعة) وأعمال أخرى"، مؤكداً أن "الدراما السورية تعاني من أزمة عميقة يزيدها عمقاً سيطرة الطحالب على المؤسسات التي لا علاقة لها بالدراما كالنقابة وغيرها، والتي تدار هي بالأصل من خارج الوسط الفني. وبالتالي كيف يمكن لنا أن نشاهد تطوراً إيجابياً في النصوص في ظل هذا الانحدار القاتل، طبعاً يبقى هناك استثناءات وكتاب شباب لم تسنح لهم الفرصة وربما يتخلون عنها لأنهم لا يقبلون بشروطها".
أما عن الغياب بالنسبة إليه ولغيره من الكتاب المعروفين والتقليديين في الدراما السورية، إن صح الوصف، فيشير حمادة إلى أنه ليس غائبًا تماماً، مضيفاً: "أنا منذ البداية أتريث وأعمل بمعدل عمل واحد كل سنتين إلى ثلاث سنوات، في فترة ما كان هناك غزارة في الكتابة ولكن كلما نضج الإنسان أصبح أكثر تريثاً". أما عن بدلائهم من الكتاب الشباب، فلا يرى حمادة أن هناك بدلاء، بل ينظر للموضوع بوصفه أمراً طبيعياً، مشيراً إلى أن "الدراما كما غيرها، تحتاج إلى دماء جديدة، هذا لو كانت الأمور تسير كما يجب، ولكن في ظل الظروف التي تحدثت عنها أعلاه، لا يمكن الحديث عن بدلاء، أو حتى دماء جديدة بسبب سيطرة الأسماء الوصولية على المشهد الدرامي".
أما المخرج نضال قوشحة، فيرى أنه "من الطبيعي ضمن أي حركة إنتاج درامي، أن يكون هناك انزياحات زمنية، فأشخاص يرحلون وآخرون يبقون في العمل، وتبقى أمكنتهم شاغرة لتملأها أسماء جديدة، وضمن هذا السياق يمكن أن نصنف ظاهرة صعود كتاب جدد في الدراما". ويضيف قوشحة في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "هناك خصوصية للوضع السوري، بما أفرزته الحرب من هجرة أو تهجير البعض تجاه بلدان مجاورة أو بعيدة، بسبب مناخات نفسية ربما لها جذر مالي لدى عدد من الكتاب، إذْ إنهم انزووا على أنفسهم، ولم يقدموا أعمالاً درامية مؤخراً ما جعلنا نخسر أسماء كبيرة بطاقات فنية مهمة".
ويشير قوشحة إلى أن هذه الأسباب "تغير مناخ الإنتاج، فخلال السنوات العشر التي مضت، هناك رؤوس أموال أو منتجون، ابتعدوا عن هذا المجال، وحل مكانهم منتجون ورؤوس أموال جدد. وهنا تسلل أشخاص غير أكفاء دخلوا الوسط، هذا من الناحية الإنتاجية، وهؤلاء حاولوا إثبات نفسهم في هذا الوسط لكنهم اصطدموا بواقع العوز الشديد لجميع مقومات وكوادر الإنتاج، بداية من الكاتب الجيد وبالتالي النص الجيد. ومع الشح، كان الخيار باللجوء إلى تجارب كتاب جدد، لديهم توجهات فكرية محددة، واستكتبوهم على مجموعة أفكار معينة، وحقيقة لم تكن التجربة، بخطوطها العامة، على مستوى الحدث، والنتيجة أن نصوصاً وأفكاراً تراجعت من خلال مستوى الدراما السورية بشكل كبير إلى الوراء". وينوّه إلى أنَّ هناك أسماء كبيرة أيضاً لم تغب، لكن قلّ إنتاجها بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة، بالإضافة إلى أسماء كبيرة غابت بشكل نهائي عن المشهد، وأكد أن "أتعاب الكتاب وأجور النصوص باتت شحيحة جداً، في ظل الوضع الاقتصادي وتدهور سعر صرف الليرة السورية، في حين أن شركات الإنتاج ترفض التعامل بالدولار والقطع الأجنبي مع الكتاب، وهذا ما جعل الكتاب الكبار يزيدون بعداً، لصالح الكتاب الشباب الذي استكتبتهم شركات الإنتاج مقابل أجور تناسبها".