- بعد الثورة التونسية في 2011، حاول الفنانون إحياء هذا النوع الموسيقي، وفي 2019 تم تنظيم المهرجان العربي للموسيقى الملتزمة، لكن بنجاح محدود.
- تجدد الاهتمام بالأغاني الملتزمة مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2020، مما أعاد الأضواء على هذه الأغاني وأتاح لها الظهور في وسائل الإعلام والمهرجانات التونسية.
وصل ازدهار الأغاني الملتزمة في تونس إلى أوجه خلال تسعينيات القرن الماضي، مع ارتباطها بفرق موسيقية وفنانين غنّوا للوطن والمواطن، وحملوا آماله وعبّروا عن خيباته، إلّا أنّ التضييق الذي مارسته السلطات التونسية على هذا النوع من الموسيقى ورحيل عدد من المغنين البارزين في هذا المجال، أدّى إلى تراجع لافت في شعبية الأغاني الملتزمة، حيث بات حضورها مقتصراً على النوادي الجامعية والشبابية. لكن، ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، عاد الاهتمام الجماهيري بالأغاني التي تتناول القضايا الجماعية بشكل بارز.
عرفت الأغاني الملتزمة شهرتها الأولى في تونس، مع فرق مثل "أولاد المناجم" التي تأسست عام 1977 و"البحث الموسيقي" و"الحمائم البيض" اللتين تأسستا عام 1980، إضافةً إلى مغنين مثل محمد بحر والهادي قلة والزين الصافي وصالح حميدات، ممّن صدحت أصواتهم في ساحات الجامعات التونسية والتظاهرات العمالية، تعبيراً عن آمال الناس وأحلامهم. لكنّ السلطات رأت في هذا النوع الموسيقي خطراً عليها، ممّا دفعها إلى ضرب حصار عليه ومنع بث الأغاني التي تنتمي إليه في وسائل الإعلام المحلية، بحسب ما أكده الباحث في مجال الموسيقى محمد بالطيب في حديث مع "العربي الجديد".
إثر نجاح الثورة التونسية في العام 2011، حاول الفنانون الناشطون في هذا النوع الموسيقي إحياءه وإعادته إلى الواجهة من جديد، واستغرق الأمر قرابة ثمانية أعوام قبل أن يبدأ تنظيم المهرجان العربي للموسيقى الملتزمة في عام 2019. مع ذلك، بقيت محاولات القائمين عليه في نشر الأغاني الملتزمة وتقديم وجوه جديدة إلى الجمهور محدودة النجاح، خاصة في ظل الإمكانيات المادية الضعيفة وضعف الحضور الإعلامي في مسرح دار الثقافة ابن رشيق الذي يحتضن الفعاليات.
لكن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما تبعها من عدوان إسرائيلي متواصل على قطاع غزة، أعاد الحياة إلى الأغنية الملتزمة في تونس، فنشط حضور الفرق الفنية الملتزمة، والتي تتطرّق جلّ أغانيها إلى القضية الفلسطينية والتحرير وحق العودة، وفتح الباب أمام ظهورها في وسائل الإعلام المحلية من جديد بعد غياب دام لسنوات.
كذلك، فرضت الأحداث المتلاحقة في الأراضي المحتلة نفسها على برمجة مهرجان الأغنية التونسية في دورته الثانية والعشرين، فحظيت الأغاني الملتزمة بحصة واسعة من عروضه، كان أبرزها حفل الاختتام الذي احتضنه مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي في العاصمة، بمشاركة فرق مثل "أولاد المناجم" و"البحث الموسيقي" ومغنين أبرزهم محمد بحر وجمال قلة وصالح حميدات، إضافة إلى المغنية اللبنانية أميمة الخليل. قدّم المشاركون في السهرة التي أهديت إلى فلسطين أغاني تدعم نضال الشعب الفلسطيني، وتؤيد مقاومته في وجه الاحتلال، وسط حضور جماهيري كبير، تفاعل مع أغانٍ يعود بعضها إلى ثمانينيات القرن الماضي.
وامتدت عودة الأغاني الملتزمة إلى المهرجانات التونسية الرمضانية، المعروفة بمهرجانات المدينة أو ليالي رمضان، والتي تقام في معظم المدن التونسية، إذ شهدت برمجة سهرات لأغاني القضية، برزت فيها فرق البحث الموسيقي، وكان آخرها في مهرجان المدينة بمحافظة المنستير.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال عازف العود وقائد "البحث الموسيقي"، نبراس شمام: "نحن نقاوم بالموسيقى وبالأغنية الملتزمة وننتصر للقضايا العادلة"، مضيفاً: "قدمنا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عرضاً موسيقياً ملتزماً بعنوان لن تمرّوا في 25 مدينة تونسية مختلفة، انتصاراً لشعبنا في فلسطين ومقاومته أمام آلة القمع الصهيونية، وبالتعاون مع الهلال الأحمر التونسي بغية جمع تبرعات لشعبنا الفلسطيني المحاصر في غزة وكل الأراضي المحتلة".
بدوره، اعتبر الباحث الموسيقي محمد بالطيب أن عودة الموسيقى الملتزمة إلى الواجهة "أمر طبيعي نتيجة عودة الوعي بالقضايا الرئيسية للأمة العربية"، ورأى أنّ عملية طوفان الأقصى كانت "بمثابة الشرارة التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وعادت معها الأغنية الملتزمة التي طالما كانت واحدة من المحامل الأساسية للتعبير عن القضية الفلسطينية، إضافة إلى قضايا الشعوب المحلية، ونذكر هنا ما قدمه سيد درويش الذي يعتبر الأب الأول للأغنية الملتزمة، ومن بعده الشيخ إمام ومارسيل خليفة اللذين وصلت معهما هذه الأغنية إلى قمة انتشارها".