لما يقارب 300 عام، كانت مملكة حِمير اليمنية هي القوة المهيمنة في شبه الجزيرة العربية القديمة. ربط اقتصادها القائم على الزراعة والتجارة الخارجية، شرق أفريقيا وعالم البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، تراجعت قبضة حمير السياسية والاقتصادية والدينية على المنطقة خلال أوائل القرن السادس حتى سقطت في نهاية المطاف في أيدي غزاة أكسوم الإثيوبيين في عام 525.
تشير الدلائل من سجل هطول الأمطار ودرجات الحرارة، إلى أن الجفاف المستمرة في جنوب شبه الجزيرة العربية طوال القرن السادس الميلادي ربما يكون قد أسهم في التغيرات الاجتماعية والسياسية العميقة التي حدثت أثناء ظهور الإسلام، وفقاً لدراسة جديدة نشرت يوم الخميس 16 يونيو/ حزيران في مجلة "ساينس" Science.
تميز سقوط حمير وما تلاه بالاضطراب السياسي والتغير الاجتماعي والاقتصادي والتخلي عن أنظمة الري الرئيسية التي دعمت المملكة وشعبها في السابق. ومن المعتقد على نطاق واسع أن هذه التغييرات التحويلية، والتي أدت إلى تآكل الأنظمة السياسية العربية الكبرى، مهدت الطريق لصعود الإسلام في أوائل القرن السابع. ركزت التفسيرات المحيطة بهذا الاضطراب الاجتماعي على العوامل الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك، فإن المنطقة العربية الجنوبية كانت معرضة للجفاف، ونظراً لأن اقتصادها مرتبط بالزراعة البعلية والمروية، فإن حمير كانت عرضة لنوبات الجفاف المستمرة.
على الرغم من ذلك، فإن احتمال أن يكون الجفاف قد أسهم في تدهور حمير قد تم تجاهله بشكل عام من قبل الباحثين على مدار عقود. لذلك، جمع مؤلفو الدراسة الحالية بين السجلات الهيدرولوجية والتاريخية والأثرية من الشرق الأوسط وشرق إفريقيا مع سجل جديد عالي الدقة لهطول الأمطار الصخرية من شمال عمان، للتحقق من فرضية دور الجفاف في انهيار مملكة حمير. يقول المؤلف الرئيسي للدراسة، دومينيك فليتمان، أستاذ جيولوجية الزمن الرابع في جامعة بازل السويسرية، إن الدراسة أظهرت حالات الجفاف التي ضربت المنطقة طوال القرن السادس، واستمر الجفاف الأشد بين عامي 500 و530. كما أن التوافق بين ذروة الجفاف في جنوب شبه الجزيرة العربية والزوال المفاجئ لمملكة حمير يشير إلى وجود علاقة بين الحدثين. وفقاً للمؤلفين، فإن استمرار الجفاف في القرن السادس في منطقة تعتمد على الزراعة البعلية يتزامن مع نقطة تحول في التاريخ العربي، أدت إلى عدد من التحولات السياسية والاجتماعية والدينية على مدى العقود التي تلت ذلك.
يوضح فليتمان في تصريح لـ"العربي الجديد": "ما إذا كان هناك ارتباط زمني مباشر بين هذا الجفاف وانحدار مملكة حمير، أو ما إذا كان في الواقع لم يبدأ إلا بعد ذلك، لم يكن من الممكن تحديد ذلك بشكل قاطع من هذه البيانات وحدها". لذلك قام الفريق بتحليل المزيد من عمليات إعادة بناء المناخ من المنطقة من خلال المصادر التاريخية والتعاون مع المؤرخين لتحديد وقت الجفاف الشديد، الذي استمر عدة سنوات. "كان الأمر أشبه بقضية قتل: لدينا مملكة ميتة ونبحث عن الجاني. خطوة بخطوة، قربتنا الأدلة من الإجابة. تضمنت المصادر المفيدة، على سبيل المثال، بيانات حول مستوى المياه في البحر الميت ووثائق تاريخية تصف الجفاف لعدة سنوات في المنطقة ويعود تاريخها إلى 520 م، والتي تربط بالفعل الجفاف الشديد بالأزمة في مملكة حمير" يضيف المؤلف الرئيسي. وأشار فليتمان إلى أنه غالباً ما يتم تجاهل حقيقة أن التغيرات في المناخ يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار الدول، وبالتالي تغيير مسار التاريخ. وأضاف :"كان السكان يعانون من مصاعب كبيرة نتيجة الجوع والحرب. كان هذا يعني أن الإسلام قابل أرضا خصبة: كان الناس يبحثون عن أمل جديد، شيء يمكن أن يجمع الناس معا مرة أخرى كمجتمع. الدين الجديد قدم هذا لهم".