صحيفة الجمهورية المصرية تحذف مقالاً لرئيس تحريرها يهاجم فيه السعودية

04 فبراير 2023
صحيفة مصرية تدخل على خط التصعيد الإعلامي بين مصر والسعودية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

حذف موقع صحيفة الجمهورية الحكومية المصرية مقالاً لرئيس تحريرها، عبد الرزاق توفيق، شنّ فيه هجوماً غير مسبوق على دولة "لم يسمها"، لكن كل التلميحات الذي ذكرها في المقال تشير إلى أنها المملكة العربية السعودية بشكل لا لبس فيه، وذلك عقب انتقادات كتّاب سعوديين للنظام المصري الحالي، وقضية سيطرة الجيش على اقتصاد البلاد.

و"الجمهورية" هي إحدى الصحف (القومية) التابعة للحكومة وتخضع لإشراف الهيئة الوطنية للصحافة، كما أنّ رئيس تحريرها عبد الرزاق توفيق عمل مراسلاً عسكرياً لفترة طويلة.

وشهدت الأيام الماضية، معركة إعلامية بين كتاب وصحافيين من السعودية ومصر، ما أثار تساؤلات حول خلفية هذا الخلاف، وما إذا كان يعبّر عن خلافات بين الأنظمة أم لا.

وفي مقاله الذي نشره الخميس بعنوان "الأشجار المثمرة.. وحجارة اللئام والأندال"، قال عبد الرزاق توفيق "الغريب أنّ ثبات وحكمة الموقف المصري والإدارة الرشيدة للتحديات والضغوط.. وحالة الثبات والصمود أزعجت البعض ممن نحسبهم أشقاء وأصدقاء بالإضافة إلى العدو التقليدي.. لذلك انبرى إعلام هذه الدول للهجوم والإساءة لمصر. فرغم ضآلة هذه الدول التي تعاني من الهشاشة البشرية والحضارية والتي أصبحت فى غفلة من الزمان تحمل اسم "دول" في ابتزاز سافر.. ومحاولات توريط واستدراج.. وإشعال للمنطقة وفق حسابات متهورة.. تجافي سياسات وثوابت مصر الحكيمة فى إرساء الأمن والاستقرار فى المنطقة".

وتابع "لا أدري لماذا تثير قوة الجيش المصري العظيم وقدرته جنونهم وأحقادهم، وحالة مرضي من الهذيان، فإذا كان الأمر متوقعاً من العدو التقليدي والتاريخي لأن قوة وصلابة خير أجناد الأرض تفقده صوابه واتزانه وتربك حساباته وتدحر مخططاته ومؤامراته الفاشلة، لكن الغريب أن يأتي الهجوم والإساءة من منْ من المفترض أنه شقيق.. وإن كانت مصر تترفع عن الصغائر وممارسات الأقزام والصغار لن تقبل بضغوط وابتزاز يدفع المنطقة إلى أتون الصراعات وتتلاشى معه كل مظاهر الأمن والاستقرار".

وواصل توفيق "لا يجب أن نستهلك وقتنا الثمين في مهاترات والرد على إساءات وأكاذيب السفلة، فما يهمنا هو العقل المصري.. وبناء الوعي الحقيقي.. لأن الحقد على نجاحات مصر وصل إلى درجة غير مسبوقة.. لذلك أقول إن هذا الهجوم الضاري على مصر.. وحملات الأكاذيب والشائعات والتشكيك والإساءات والطعن والتحريض والتزييف لم تأت من فراغ..".

وكانت بداية الحملات الإعلامية المتبادلة بين البلدين بدأت مع سلسلة تغريدات للكاتب السعودي تركي الحمد، تطرّق خلالها للأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر، وقال إنّ "مصر بواقعها الحالي، هي مصر البطالة والأزمات الاقتصادية والسياسية ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة".

وفي سلسلة تغريداته، قال الحمد إنّ "الحديث عن مصر ليس حديثاً عن أية دولة عربية أخرى، وليس تدخلاً في شؤونها الداخلية، فمصر كادت أن تكون في يوم من الأيام هي كل العرب، وتاريخها الحديث يكاد يكون تاريخ كل العرب في طموحاتهم ونجاحاتهم وإخفاقاتم، لذلك فإن الحديث عنها هو حديث عن مصير عربي مشترك، فماذا يجري في مصر اليوم؟".

وأضاف "مصر في الذهن العربي ليست مصراً واحدة، بل هي (مِصرَان): فهناك مصر (النموذج)، سواء كان هذا النموذج هو مصر التنوير والحداثة والنهضة منذ بدايات مصر الحديثة في عهد محمد علي الكبير، أو كان النموذج الناصري منذ عام 1952، نموذج الثورة والتنمية والمكانة الدولية المميزة. بمعنى أنّ لدينا نموذجين لمصر: مصر المزدهرة قبل عام 1952، ومصر الطموحة بعد ذلك التاريخ، وينقسم المراقبون إلى مؤيد ومعارض لهذا النموذج أو ذاك. في المقابل، هنالك مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة، وأزمات الاقتصاد والسياسة ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة التي لا تنتمي لأي نموذج، ملكيا كان أو جمهورياً".

وتابع "فما الذي حدث لمصر الثرية بثرواتها وإمكانياتها، وهي التي كانت تقرض المال وتساعد المحتاج، وها هي اليوم أسيرة صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك، وهي أرض اللبن والعسل؟ حقيقة لا يمكن تفسير الحالة المصرية بعامل واحد، وخاصة بعد سقوط الملكية، وبدايات (الصعود إلى الهاوية)".

وأضاف "بل هي عدة عوامل لعل من أبرزها، أولاً: هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد، بحيث لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشراف الجيش، ومن خلال مؤسسات خاضعة للجيش، ولصالح متنفذين في الجيش، كما يرى بعض المراقبين مكامن الأزمة وجذورها، وكل ذلك على حساب مؤسسات المجتمع الأخرى، سواء كنا نتحدث عن القطاع الخاص، أو مؤسسات المجتمع المدني، والذي كان في أقوى حالاته في العهد الملكي".

وأردف "ثانياً: البيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير، والتي تقف حجر عثرة في وجه أي استثمار اقتصادي ناجح، سواء داخليا أو خارجيا، رغم أن مصر عبارة عن كنز لا ينضب من الفرص الاستثمارية". وتابع: "ثالثاً: الثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة والمنتظرة لكل ما يأتي من (فوق)، سواء كان هذا الفوق هو السماء ومفاجأتها وأبطالها المقبلين من الغيب، أو الدولة بجلال قدرها وفرعونها ذي الصولجان، (المالك) لمفاتيح التغيير وخزائن (المن والسلوى)، مع غياب شبه تام لحس المبادرة المجتمعية المستقلة.. هذه الثقافة ريفية الجذور، فرعونية التاريخ، ربما لها علاقة بالنيل في فيضانه وانحساره، وبالفرعون في بسطه وانقباضه. مثل هذه الثقافة كانت شبه قاصرة على القرية المصرية طوال التاريخ المصري، ومعزولة تماماً عما تمور به المدن، وخاصة القاهرة والإسكندرية تحديداً، من حركات تحديث وتنوير ومبادرات مجتمعية مستقلة في العصر الحديث، ولكن مع فتح الباب لاجتياح الريف للمدينة في أعقاب حركة يوليو، أصبحت هي الثقافة السائدة كلياً في كل مصر تقريبا. هذه هي أهم ثلاثة عوامل لا يمكن فهم ما يجري في مصر دون أخذها في الاعتبار وفق ظني، وليس كل الظن إثما في كل حال".

وبعد ذلك بأيام خرج الكاتب السعودي خالد الدخيل، ليتحدث عن الوضع السياسي والاقتصادي المصري. وقال في تغريدة عبر حسابه في موقع تويتر إنّ "ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952".

المساهمون