صحافيو تونس: إضراب عام واعتداءات متزايدة

02 ابريل 2022
حملة تهديد وترهيب يتعرض لها الصحافيون في تونس (جديدي وسيم/ Getty)
+ الخط -

يستعد الصحافيون في تونس للإضراب العام الوطني الحضوري في مؤسسات الإعلام الرسمي اليوم السبت، رداً على "سياسة التسويف والمماطلة واللامبالاة التي تنتهجها السلطة" و"تملصها من أدوارها الحقيقية تجاه المرفق العمومي، تمويلاً وحوكمة وإحاطة، مما جعله يدخل منعرجاً خطيراً من التهميش والإهمال والتفقير والشفافية والتوجيه السياسي ويهدد مؤسسات كاملة بالإفلاس والإغلاق وإحالة العاملين فيها على البطالة القسرية".

وأفادت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بأن الإضراب يشمل المؤسسات الإعلامية الرسمية التي تضم "مؤسسة التلفزة التونسية" و"مؤسسة الإذاعة التونسية" و"وكالة تونس أفريقيا للأنباء" و"الشركة الجديدة للطباعة والصحافة والنشر سنيب – لابراس". إذ سيتجمع الصحافيون المضربون أمام مؤسساتهم عند الساعة الحادية عشرة.

وبيّنت أن هذه المؤسسات ستتوقف عن النشر، وسيقتصر عملها على تغطية الإضراب، و"بشكل استثنائي على الإخبار العاجلة والضرورية للصالح العام".

وكان صحافيو "التلفزة الوطنية التونسية" قد دخلوا في اعتصام مفتوح منذ 21 مارس/ آذار الماضي، "من أجل الدفاع عن استقلالية الخط التحريري للمؤسسة باعتبارها مرفقاً عمومياً وعن حقوقهم المشروعة، في مواجهة المضايقات التي يتعرضون لها والضرب المعلن للحق النقابي".

وأفاد بيان للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين حينها بأن هذا القرار يأتي بعد "انعدام التفاعل الجدي والمسؤول، سواء من ممثل الحكومة المكلف بملف الإعلام وزير الشؤون الاجتماعية، أو من قبل المكلفة بتسيير المؤسسة"، رغم التحركات التي شملت وقفة احتجاجية وحمل الشارة الحمراء منذ 11 مارس/ آذار الماضي.

وفي بيان أصدرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الأسبوع الماضي، وصف نائب المدير التنفيذي في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إريك غولدستين، التلفزيون العمومي بـ"ساحة معركة جديدة"، مشيراً إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيّد "شرع في تفكيك الرقابة المؤسساتية على حكمه منذ استحواذه على السلطة في يوليو/ تموز، ولا عجب أنّ التلفزيون العمومي ضمن أهدافه".

في 25 يوليو/ تموز، علّق سعيّد أعمال البرلمان قبل أن يحله الأربعاء، وأقال رئيس الحكومة، وأعلن عزمه التدخل في القضاء. في اليوم التالي، طردت الشرطة موظفي "قناة الجزيرة" من مقرّها في تونس. وفي 28 يوليو/ تمّوز، غيّر سعيّد مدير القناة الوطنية.

علّق سعيّد منذ ذلك الحين جزءاً كبيراً من الدستور، وحلّ "المجلس الأعلى للقضاء"، وهو هيئة تهدف إلى حماية استقلالية القضاء. وحذرت "هيومن رايتس ووتش" من أنه إذا أقرّ مشروع المرسوم المتعلّق بالجمعيات، ستكون الحريّة التي حظيت بها المجموعات المستقلة منذ 2011 عرضة للخطر.

في غضون ذلك، تضمّنت خريطة سعيّد للعودة إلى الحكم الطبيعي "استشارة وطنيّة" حول المستقبل السياسي للبلاد، يتبعها استفتاء دستوري وانتخابات تشريعية في يوليو/تموز وديسمبر/ كانون الأول على التوالي.

منذ أغسطس/ آب، استثنت البرامج الحوارية على القناة الوطنيّة تقريباً كل من يُشكّك علناً في مسار الرئيس، ولم تستضف أيّ شخص ممن يصفون ما قام به بـ "الانقلاب"، أو ممن يُشككون في الحكمة من الاستشارة الوطنية.

وكان نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي قد صرّح لـ"العربي الجديد"، هذا الشهر، بأن "التلفزيون التونسي يشهد أسوأ فترة له منذ الثورة التونسية عام 2011، فهو محتكر من قبل مساندين لقرارات الرئيس قيس سعيد، في حين يُغيب المعارضون". وأضاف أن "التلفزيون مموّل من قبل دافعي الضرائب، ومن المفترض أن يعبّر عن تركيبة المجتمع التونسي بمختلف ألوانه السياسية والاجتماعية".

وفي السياق نفسه، انتقدت منظمات حقوقية دولية وضع الصحافة في تونس بالتزامن مع الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، مشيرة إلى أنّ الصحافيين "هم ضحية للأزمة ويتعرضون للتهديد والترهيب".

وأشار "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، الخميس، إلى أنّ قوات الأمن التونسية بدأت بتشديد الخناق على العمل الصحافي في البلاد، إذ بات الصحافيون يخشون أكثر من أي وقت مضى التعرّض إلى إجراءات تعسفية على خلفية عملهم الصحافي. وعبّرت منظمة "سكاي لاين" الدولية لحقوق الإنسان، في بيان لها أيضاً، عن قلقها إزاء ما وصفتها بـ"حملة التهديد والترهيب التي يتعرض لها صحافيون في تونس من السلطات الأمنية في البلاد؛ ضمن محاولات إسكاتهم، في عملية ممنهجة تهدد حرية الصحافة".

ونقل "المرصد الأورومتوسطي" عن رئيسة تحرير موقع "بوابة تونس"، الصحافية وجدان بو عبد الله، قولها: "منذ 25 يوليو/تموز 2021، هناك تهديدات تصل إلينا صراحة، سواء على حساباتنا الشخصية عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو التهديدات التي يتلقاها طاقمنا خلال عمله الميداني، ورغم حمله شارة الصحافة بوضوح وتغطيته تجمعات أنصار الرئيس التونسي، إلا أنّه يتعرض للمضايقة بشكل مستمر". وأضافت بو عبد الله "لم نرتكب أي جريمة حين نقلنا جلسة البرلمان. وأحمّل قيس سعيّد مسؤولية سلامة طاقمي الصحافي في (بوابة تونس)، وكل الصحافيين والمراسلين الأجانب في البلاد. نحن ننشر مختلف وجهات النظر، ونعمل بشكل قانوني وفق مقتضيات الدستور التونسي، ولا يحق للرئيس سعيّد أو غيره من الجهات الرسمية تقييد عملنا أو معاقبتنا بسبب ما ننشره". وأكدت "كل المكاسب التي حققناها بعد الثورة، وهي ثمار نضال أجيال، اضمحلت. صارت البيئة غير مناسبة للعمل الصحافي لا سيما بعد وعيد الرئيس صراحة للإعلام".

منظمة "سكاي لاين" نقلت بدورها عن بو عبد الله تأكيدها تلقيها ومؤسستها عملية ترهيب وتهديد غير مباشرة، على خلفية تغطيتها الأحداث والفعاليات. وأفادت الصحافية بو عبد الله بأنه "منذ الانقلاب هناك تهديدات، وتعرض فريق العمل للضرب في التظاهرات وجرى التجاوز عن هذا الأمر". وأوضحت أنها علمت عبر جهات موثوقة بوضعها ومؤسستها على القائمة السوداء، على خلفية بث الموقع الإخباري الذي ترأسه وقائع جلسة برلمان الشعب، وأن هناك قراراً بتتبع المؤسسات التي غطت الجلسة التي عدّها رئيس البلاد تآمراً على الدولة، في إشارة إلى الاجتماع الافتراضي الذي شارك فيه عدد من النواب الأربعاء وأعقبة قرار سعيد بحل المجلس.

وأشارت إلى أن سياسة الترهيب التي تعرضت لها المؤسسة لها انعكاسات خطيرة على العمل، مؤكدة أنّ 3 صحافيين من فريق العمل طلبوا إجازة لأنهم يشعرون بالخوف، وأنها لا تستطيع لومهم على ذلك.

وكشف "المرصد الأورومتوسطي"، ومقرّه جنيف في سويسرا، عن تلقيه شكاوى من صحافيين تونسيين وصلت إليهم معلومات عن احتمالية استهدافهم أمنياً، بسبب تغطيتهم أو عملهم في وسائل إعلام تغطي تطورات الأزمة السياسية في البلاد، وخصوصاً تلك التي تتناول وجهات النظر المعارضة سياسات الرئيس التونسي. وأوضح أنّ تلك التهديدات جاءت بعد نقل بعض وسائل الإعلام المحلية الجلسة الافتراضية التي عقدها البرلمان التونسي الأربعاء، وصوّت فيها على إلغاء الإجراءات الاستثنائية. وأكّد أنّ الادعاءات التي تلقّاها من الصحافيين جاءت بعد ساعات من انتقاد الرئيس التونسي العلني وسائل الإعلام التي نقلت جلسة البرلمان، ما يشير على ما يبدو إلى قرار رسمي من أعلى المستويات بفرض قيود على حرية العمل الصحافي في البلاد لأسباب غير مشروعة.

المساهمون