صحافيو باكستان... لا صوت فوق صوت العسكر

29 يونيو 2023
من تظاهرة سابقة تطالب بحرية الصحافة في البلاد (عارف علي/ فرانس برس)
+ الخط -

في سابقة لم تعرفها باكستان منذا الاستقلال، بدأت أصوات صحافية عدة ترتفع ضد المؤسسة العسكرية التي اعتبرت لعقود خطاً أحمر لا يمكن المساس به. ويذهب بعض الصحافيين بعيداً في انتقادهم فينتقون أسماء معينة من القيادات في المؤسسة العسكرية والاستخبارات العامة. من جهتها، لم تتأخر المؤسسة العسكرية في الرد على الصحافيين بالتخويف والاعتقال والضغط والدعاوى القضائية أمام المحكمة العسكرية، بينما اختفى بعض هؤلاء عن الشاشات وصفحات الصحف، واختار آخرون مغادرة البلاد نهائياً خوفاً على حياتهم.

اختفاء عمران رياض خان

ولعلّ القضية الأشهر في هذا الإطار هي قضية اختفاء الصحافي الشهير والمنتقد الرئيسي للمؤسسة العسكرية والاستخبارات عمران رياض خان. وكان هذا الأخير قد أكد في تسجيل مصوّر في 10 مايو/ أيار الماضي على "يوتيوب" أنه عند بثّ هذا الشريط سيكون هو خلف القضبان "لأنني أتحدّث بطلاقة، وأكشف حقائق عدة. أنا أعارض بشدة ما تقوم به المؤسسة العسكرية والاستخبارات"، وأكد في التسجيل نفسه أنه يسعى للخروج من البلاد "ليبقى صوتي حراً وأواصل كشف الحقائق".
كما أشار إلى أن الجيش قدّم له أكثر من عرض، بينها توفير وظيفة جديدة، بعدما طرد من 4 قنوات، وإقفال كل القضايا المرفوعة ضده في المحاكم، "لكنني رفضت ذلك، وبالتالي ازدادت الضغوط عليّ، فهناك طائرة من دون طيار تحلّق بشكل متواصل فوق بيتي، ومجهولون اعتدوا بالضرب على شخص أمام منزلي لأتمكّن من سماع صراخه، ثم أطلقوا عليه النار وقتلوه... وبدأوا بملاحقة أسرتي... أنا مواطن في هذه البلاد وسأبقى أقول الحق ما حييت".
وبعد التسجيل مباشرة تعرض عمران رياض خان للاعتقال من قبل الشرطة الباكستانية في مطار سيالكوت في إقليم البنجاب أثناء محاولته الخروح من البلاد، من دون توجيه أي تهمة له. وقد نقلته الشرطة من المطار إلى مركزها في المدينة، ونشرت فيديو على مواقع التواصل يظهر اعتقال الصحافي أثناء دخوله إلى قاعة الانتظار داخل المطار، بينما ظهر وهو يسأل الشرطة عما إذا كانت تحمل أي إذن قضائي لاعتقاله. وبعد يومين من توقيفه أكدت الشرطة أنها أفرجت عن الصحافي في اليوم نفسه، لكن خان اختفى فعلياً منذ ذلك اليوم ولم يعرف أي شيء عنه حتى الآن.
من جانبها، طالبت أسرة خان الشرطة والأجهزة الأمنية بالكشف عن مصيره، وبالفعل تقدّمت المحكمة بطلب إلى الشرطة لتقديم الدلائل والمستندات التي تثبت أنها أفرجت عن الصحافي بعد اعتقاله، وهو ما عجزت الشرطة عن توفيره.

قتل أرشد شريف

قضية أخرى لفها الغموض ولاحقتها علامات الاستفهام، هي قضية قتل الصحافي الباكستاني أرشد شريف في كينيا بعدما هرب من البلاد إثرالمضايقات التي تعرض لها. فغادر بداية إلى الإمارات، لكن أمام مضايقات الأجهزة الباكستانية المتواصلة، رفضت السلطات الإماراتية تجديد إقامته، فتوجّه إلى كينيا وهناك قتل في ظروف غامضة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022. ورغم إعلان الحكومة الباكستانية فتح تحقيق في الجريمة، فإن الموضوع بقي منسياً.

هروب صابر شاكر

من بين الأسماء الصحافية الشهيرة التي لم تتردد في انتقاد الحكومة والمؤسسة العسكرية، الصحافي صابر شاكر، الذي عمل 17 عاماً في قناة أي أر واي نيوز الشهيرة في البلاد، لكنه استقال منها في مايو/ أيار 2022 بعد صدور قرار بمنعه من العمل إثر مواقفه السياسية. ونتيجة لهذا الواقع، غادر البلاد إلى جهة مجهولة، وهو غير قادر على العودة، خصوصاً بعدما أعلن في تسجيل جديد له أن الحكومة رفعت قضايا جديدة ضد ثلاثة صحافيين هم معيد بير زاده، وسيد أكبر حسين، وهو.
وفي 19 من الشهر الحالي، نشر فيديو جديدة أشار فيه إلى أن الإعلام في باكستان يتعرض لضغط كبيرمن قبل الحكومة، بما أن الحاكم الفعلي هي المؤسسة العسكرية، وهي التي تدير الحكومة المدنية ووسائل الإعلام، وتمنعها من تغطية أي خبر متعلق برئيس الوزراء السابق عمران خان.

اعتقالات بالجملة

ومن الصحافيين الذين أعتقلوا وتعرضوا لضغوط عدة، تحديداً بعد أحداث 9 يونيو/ حزيران الحالي، عندما قام أنصار عمران خان بالهجوم على مقرات الجيش والأمن والاستخبارات، كل من حماد يوسف، وأياز أمير، وشودري غلام حسين، وسميع إبراهيم، وصديق جان، وشاهد أسلم، وجميل فاروقي، وخاور كومن، وعادل راجه، وسلمان إقبال، وشعيب شيخ. وتم الإفراج عن بعض هؤلاء وهرب البعض إلى خارج البلاد، بينما تلاحقهم دعاوى مرفوعة أمام المحاكم العسكرية والمدنية.
في حديث مع "العربي الجديد"، يقول الصحافي الباكستاني محمد آصف خان إن البلاد لم تعرف في تاريخها مرحلة حرجة وصعبة مثل المرحلة الحالية، وأضاف: "هناك انقلاب عسكري غير مباشر، والحكومة الحالية ضعيفة للغاية لا تستطع مواجهة المؤسسة العسكرية... التعامل مع الإعلاميين بقمع كما كانت الحال في التسعينيات لم يعد نافعاً".
ويشرح خان أن الأزمات التي توجه الصحافيين في باكستان قديمة، لكنها تزداد أو تنقص حسب سياسات الحكومة "وفي الفترة الحالية تلعب الحكومة دوراً سلبياً للغاية، فهي تنفذ ما يطلب منها من دون أي تدقيق او تحقيق، المؤسسة العسكرية تحكم على كل جوانب الحياة، ولن ترضى ارتفاع أي صوت معارض".

المساهمون