يطالب الصحافيون العراقيون، منذ أكثر من 10 سنوات، بقانون يضمن لهم العمل بحرية من دون التعرض للمساءلة القانونية أو التهديدات التي تصلهم من مسؤولين ومليشيات وأحزاب، وينص على إمكانية الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية أو شبه الرسمية، إضافة إلى التحرك والدخول إلى مؤسسات الدولة، سواء التي تُثار حولها شبهات الفساد أو تلك التي تحتوي على سجلات وملفات تخدم المواد الصحافية. لكنهم لم يتمكنوا، باتحاداتهم وتجمعاتهم وبياناتهم الموحدة، وحتى بمسيراتهم في الشوارع، من إجبار السلطات على سنّ هذا القانون.
وتكمن أهمية قانون "حق الحصول على المعلومة" في دعم مفاهيم الشفافية، وتقليل الفساد عبر كشفه، وتشديد الرقابة الشعبية على المؤسسات الحكومية، من خلال بيانات وأرقام ومعلومات حقيقية، تزيد من ثقة الجمهور بالصحافة، لا سيما وأن الأحزاب المتنفذة والماسكة بالسلطة بعد عام 2003 عملت على شيطنة هذه المهنة، واتبعت أساليب أدت إلى تطويقها بأسوار من الخوف والتهديد، في حين قتل وغيّب العشرات من ممارسيها، خلال تغطيتهم ملفات معينة، وتحديداً المتعلقة الفساد واحتجاجات الحراك المدني، وأقيمت ضد عشرات آخرين دعاوى قضائية.
أخيراً، أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أنه وجّه بدراسة مشروع قانون حق الحصول على المعلومة. وقال السوداني، في الاحتفال الرسمي الذي أقامته نقابة الصحافيين العراقيين بمناسبة العيد الـ154 للصحافة في البلاد، السبت الماضي، في العاصمة بغداد، إنه "قبل أكثر من أسبوعين، وجّه بدراسة مشروع قانون حق الحصول على المعلومة وتقديم الملاحظات بشأنه، من أجل إرساله إلى مجلس النواب".
لكن هذا الإعلان على لسان مسؤول كبير، للمرة الأولى، لم يطمئن الصحافيين، بل تخوف بعضهم من احتمال إقرار قانون لا يناسب تطلعات العاملين في قطاع الإعلام والصحافة.
وفي هذا السياق، قالت عضو نقابة الصحافيين العراقيين، نور ناظم، إن "القانون والمطالبين به واجهوا انتقادات وتهجماً من قبل الأحزاب والمستفيدين من السلطة، إضافة إلى المسؤولين الذين يخشون كشف فسادهم أو صفقاتهم المشبوهة". وأضافت أن تصريحات السوداني "قد تكون بنيّة سليمة، لكن التعطيل والعراقيل ستكون من أعضاء مجلس النواب الذين ينتمون للأحزاب المتورطة في الانتهاكات والجرائم والسرقات". وأشارت ناظم، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الصحافيين في العراق يعتمدون على مصادرهم الخاصة في الحصول على المعلومات، وعادة ما يتعرضون للمساءلة القانونية، لأن هذه المصادر غالباً ما تطلب إخفاء وظائفها أو أسمائها، وبالتالي فإن حق الحصول على المعلومة مهم، كونه واحداً من الحقوق المدنية والسياسية، فإذا تمكن الفرد من ممارسة هذا الحق، فسيتمكن بالتالي من الوصول إلى كل المعلومات والبيانات والملفات المتعلقة برسم سياسات البلد وأداء الإدارات الحكومية في جميع مؤسساتها وهيئاتها ووزاراتها.
من جهة ثانية، قال النائب العراقي، ياسر إسكندر وتوت، إن "الصحافيين في العراق قدموا تضحيات كبيرة في سبيل إيصال المعلومات للجمهور، ويواصلون ممارسة مهنتهم رغم التحديات والأخطار". وأضاف: "البرلمان العراقي لم يستجب في كل دوراته السابقة لطلبات بعض النواب في سبيل دراسة قانون حق الحصول على المعلومة، فيما سعت أطراف سياسية في فترات ماضية إلى تعريف القانون بما يخدم مصالحها"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "الاستجابة هذه المرة ستكون من البرلمان، وتحديداً من النواب المستقلين فيه، لإدراج القانون خلال الفصل التشريعي الحالي". وأضاف أن "النواب المستقلين اجتمعوا أكثر من مرة مع منظمات صحافية وصحافيين وناشطين، وأقدموا على جمع التواقيع، لتقديم طلب إلى رئاسة مجلس النواب، إلا أن الرئاسة لم تستجب لطلبنا، بفعل الأحزاب النافذة التي تسيطر على مجريات المجلس، ما جعل القانون يراوح مكانه في أروقة البرلمان"، معتبراً أن "إقرار هذا القانون سيمنح الصحافيين والناشطين وأصحاب الرأي مساحة من الحرية والعمل، وتحديداً بما يتعلق بالوصول إلى المعلومات الرسمية الدقيقة، عملاً بمبدأ الشفافية، واستناداً إلى المادة 38 من الدستور التي تنص على حرية التعبير".
أما رئيس مركز رؤية بغداد للإعلام والدراسات محمود النجار فرأى أن "إجراءات الحكومة إن كانت جدية ومدروسة، بما يتعلق بتقديم التسهيلات للصحافيين والقنوات الفضائية والوكالات الإخبارية، فستكون مهمة في تغطية القضايا الإنسانية، ورفع مستوى الحريات، وإعادة بناء العلاقات المُنهارة طيلة السنوات السابقة بين الحكومة والصحافيين". وأكد النجار، لـ"العربي الجديد"، أن "حق الحصول على المعلومة هو من أولويات مطالبات الصحافيين والباحثين، وهو المؤشر الأبرز لإثبات نية الحكومة دعم وسائل الإعلام في العراق، والذي سيؤدي لمعالجة إشكالية الشفافية والنزاهة التي يُعاني منها العراق منذ أكثر من 20 عاماً، وسيساعد العاملين في المجال الصحافي والإعلامي على أن يقدموا دعماً احترافياً في تناولهم للأحداث والقضايا، الأمر الذي سيساهم ببناء مفاهيم الحوكمة المعلوماتية والرقمية في البلاد".
وفقاً لمسودات قانون "حق الحصول على المعلومة" التي يتداولها ناشطون وصحافيون ومنظمات عاملة في مجال الدفاع عن حقوق الصحافيين، فإنه يفترض أن يعد من أدوات محاربة الفساد في البلاد، و"يُجرّم إخفاء معلومات وبيانات، ويدفع نحو محاسبة المتسترين على الفساد، وتمكين تحديد الفساد والهدر الخفي بغطاء السرية". كما أن "المعلومة لن تبقى حصراً لذوي الامتيازات السياسية ليمارسوا بها سياسات التهديد والرشاوى، إضافة إلى فضح الفساد مهما كان منصبه بشكل قانوني، مع توفير حماية قانونية لكاشفي الفساد، وبالتالي إنه يؤدي إلى تفعيل دور الإعلام والصحافيين لتكون السلطة الرابعة رقيبة على الأداء الحكومي".