صحافيون عراقيون يبحثون عن الأمان في كردستان

19 يونيو 2022
التهديدات بعد انتفاضة 2019 دفعت صحافيين كثرا إلى مغادرة مدنهم (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

تتحوّل مدن إقليم كردستان شمالي العراق، يوما بعد آخر إلى ملاذ آمن للصحافيين والناشطين العراقيين، هرباً من ضغوطات وتهديدات وملاحقات الجماعات المسلحة والمليشيات. وبات عدد كبير من الصحافيين العاملين في الصحف والمواقع العربية والأجنبية يغطون الأحداث المحلية التي تقع في بغداد وبقية المدن، من أربيل أو السليمانية ثاني مدن الإقليم. وتعود هجرة الصحافيين إلى الشمال إلى عام 2006 حين اشتد العنف في البلاد، لكن هذه الموجة ازدادت بشكلٍ كبير بعد الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في محافظات وسط وجنوب العراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
ويرى الصحافيون أن مدن إقليم كردستان باتت مستقراً لهم، لكنهم في الوقت نفسه حذرون في التعامل مع الأخبار التي تتناول ملفات الفساد والأزمات السياسية الداخلية في الإقليم، لا سيما أن بعض الأحزاب الكردية، تشبه الفصائل المسلحة في بغداد وجنوب العراق، ولا تقبل هي الأخرى بأي انتقاد صحافي لها. علماً أن الهجرة لا تشمل العاملين في مجال الإعلام فقط، بل أيضاً مكاتب المنظمات الحقوقية العاملة في قطاع التنمية المستدامة والمجتمع المدني، وذلك بعد سلسلة اتهامات وجّهت إليها من قبل الفصائل، بتلقي الدعم من السفارات الأجنبية.
كذلك أثّرت حوادث اغتيال صحافيين وناشطين وباحثين عراقيين خلال السنوات الماضية، منها مقتل الخبير الأمني هشام الهاشمي في بغداد، والصحافي أحمد عبد الصمد والمصور صفاء غالي في البصرة، وقبلها اختطاف الصحافية أفراح شوقي، وخلقت مخاوف كثيرة في نفوس الصحافيين، لذلك فضلوا اللجوء إلى إقليم كردستان، بل إن بعضهم ذهب أبعد من ذلك ليستقرّ مؤقتاً في إسطنبول التركية.
في هذا السياق، قال الصحافي والناشط علي حسين، وهو يعمل كاتبا وصانع محتوى في أكثر من موقع إخباري، إنه اضطر للجوء إلى إقليم كردستان "بعد مضايقات كثيرة تعرَضتُ لها من قبل أعضاء في أحزاب دينية، وصحافيين يتبعون لفصائل مسلحة، وبين هذه التهديدات اتهامي بالإلحاد". وأكد لـ"العربي الجديد"، أن العمل وتغطية الأحداث العراقية من محافظة أربيل، وفر له مساحة كبيرة وعلاقات جديدة مع أوساط الصحافيين الأكراد، إضافة إلى قلة في المصروفات، "لا سيما وأن إقليم كردستان يمتاز برخص الإيجارات مقارنة ببغداد ومناطق وسط العراق".
أما الصحافي من محافظة البصرة أشرف عزيز، فيقطن حالياً في مدينة السليمانية، وأكد أنه تعرض "إلى تهديدات من قبل فصيل مسلح معروف المدينة، بل أقدم هذا الفصيل على مداهمة منزلي مرة، وتفجيره بعبوة صوتية مرة، ما دفعني إلى الهرب من المدينة، واللجوء إلى إقليم كردستان". وفي اتصال مع "العربي الجديد" قال إن مدينته الأصلية أي البصرة، باتت خالية من الأصوات الحرة، وإن الصحافيين باتوا قليلين جداً، والغلبة للإعلام الحزبي "هذه خطة سياسية من أجل إفراغ المناطق العراقية من الصحافيين غير الموالين للفصائل والأحزاب والنظام الحاكم في البلاد".
وكانت منظمة "أوائل" للتنمية المستدامة، قد تعرضت هي الأخرى إلى تهديدٍ من قبل جماعة مسلحة، بعدما دعمت وشارك معظم أعضائها في تظاهرات أكتوبر 2019، ما دفعها إلى استبدال مقرها وأعمالها من بغداد إلى أربيل.
وقال عامر الكناني، وهو مسؤول الإعلام في "أوائل"، إن "المنظمة ورغم أنها مسجلة رسمياً في بغداد، إلا أنها تعرضت إلى تهديدات بحرق المقر، إضافة إلى تصفية الأعضاء والمتطوعين فيها، وهو ما دفعنا إلى مغادرة بغداد والشروع بأعمالنا من إقليم كردستان"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "أربيل باتت الملاذ الآمن لعامة الصحافيين والناشطين المدنيين أصحاب الأصوات الحرة، والرافضة لتحكم الأحزاب الإسلامية والفصائل المسلحة الموالية لإيران لإدارة البلاد والتحكم بالملف الأمني".

 من جهته، أشار الصحافي والباحث محمود النجار إلى أن "هجرة الصحافيين أدت إلى إفراغ مناطق عراقية من الأصوات الحرة، وأن ما بقي منهم، قليلون ولا يستطيعون الوصول إلى المناطق التي تقع فيها الأحداث المهمة والانتهاكات، كما أدت هذه الهجرة إلى التأثير على نوعية وجودة التغطيات في المناطق العراقية، ناهيك عن التأثيرات السلبية على مقاييس حرية التعبير والوصول إلى المعلومة". وأضاف أن "الحكومة متخاذلة، لأنها لم تحاول حماية الصحافيين من الأحزاب والفصائل، وكذلك نقابة الصحافيين، لأنها هي الأخرى تتأثر بالتهديدات والضغوطات الحزبية والمسلحة".
وأردف أن "واقع الصحافة في العراق مؤسف منذ عام 2007، بسبب الاغتيالات والاعتقالات والإخفاء القسري، ورفع الدعاوى الكيدية من قبل الأحزاب السياسية المتحكمة بالقضاء العراقي والمؤثرة عليه ضد الصحافيين، ما أدى إلى وجود مدن عراقية مهجورة الكلمة، ومغيبة صحافياً، مثل الموصل والبصرة والناصرية والكوت وميسان، حيث لا تجري فيها تغطية القضايا الإنسانية وفتح ملفات الفساد"، معتبراً أن "هذا أدى إلى بروز الإعلام الحزبي الذي يتحكم به المال السياسي والمجاميع المسلحة التي تنتمي إلى الأحزاب".
بدوره، رأى رئيس المرصد العراقي للحريات الصحافية، هادي جلو مرعي، أن "ما يجري في العراق صادم، ولا يقتصر الأمر على تهديد الصحافيين فقط، بل إن العمل في الصحافة بات صعبا ومتعبا، بسبب الأجواء السياسية والحياة العامة، كما أن معظم الصحافيين لا يجدون بيئة أمنية وسياسية واقتصادية ملائمة لهم".
مشيراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الصحافيين في حالة من التيه والفوضى، ولا أحد يستوعب فكرة العمل الصحافي الحر، وهناك منافسة سياسية سيئة أثرت على العمل الإعلامي، وهناك خوف فعلي، وخشية تضرب نفوس الصحافيين وهم يترددون في ممارسة أعمالهم بحرية".

المساهمون