صحافيو العراق خلال وقفة\ احمد عبدالصمد murtadha sudani/anadolu
26 أكتوبر 2020
+ الخط -

يزداد خوف الصحافيين في العراق من التهديدات التي تطاولهم من قبل جهات أو شخصيات نافذة، وتصل إلى حد القتل. وفيما تشكّل جرائم سابقة ارتُكبت ضدّ زملائهم حتى زمنٍ قريب أمثلة حيّة لهم، يُجبر مئات الصحافيين على مغادرة البلاد، بينما يكتب مئات آخرون بأسماء وهمية.

ويواجه الصحافيون العاملون في وسائل الإعلام المحلية في العراق مخاطر كثيرة، إلا أن التهديدات ترافق العاملين في الوسائل العربية والأجنبية بصورة أكبر، وتجعلهم هدفاً للمليشيات والجماعات الإرهابية التي أعقبت الاحتلال الأميركي عام 2003، ومع ارتفاع معدل التهديدات التي تصل إلى القتل، بينما تقف السلطات العراقية في خانة المتفرج، كما أن معظم التحقيقات التي تعلن عنها السلطات الأمنية في البلاد لا تصل إلى أي نتيجة ولا تحاسب أحداً.


تغطية محرّمة
الجمعة الماضية، أصدرت محكمة استئناف الرصافة في العاصمة العراقية بغداد قراراً بالقبض على الصحافية سؤدد الصالحي التي تكتب عن الشأن العراقي في مواقع إخبارية عالمية. كانت الصالحي قد كتبت مقالاً نشره موقع "ميدل إيست آي" الإخباري يوم الأربعاء، كشفت فيه أن المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، أمر مجموعات عراقية مسلحة بالتوقف عن استهداف المصالح الأميركية، مصغياً بذلك إلى نصيحة بريطانية. ولم تُعرف تفاصيل التهمة والجهة المشتكية، لكن أمر القبض والإحضار موجه وفق "المادة 433" من العقوبات، بتهمة القذف. وكثيراً ما يقع صحافيون وناشطون عراقيون في مأزق هذه المادة القانونية التي يُعاقبون بموجبها بالحبس وبالغرامة، أو إحداهما، وفقاً للقانون العراقي. 

الصالحي واحدة من كُلّ. فقد اعتبرت منظمة "مراسلون بلا حدود" في بيان أنّ "حياة الصحافيين في العراق معرضة للخطر. وتظل تغطية الشؤون السياسية والدينية محرمة وقد تؤدي للمحاكمة أو منع العمل الإعلامي". وفي حديثهم لـ"العربي الجديد"، قال صحافيون إنهم باتوا يتجنبون الكتابة في أي أمر يتعلق بجرائم الفساد أو الانتهاكات الحقوقية وملف المليشيات المدعومة من إيران تحديداً، لكونهم يخشون على عوائلهم من أن تتعرض لخطر ما نتيجة ذلك، بينما يفضل آخرون العمل بأسماء وهمية بالاتفاق مع صحفهم والمواقع الإلكترونية التي يعملون بها.

بات الصحافيون يتجنبون الكتابة عن الفساد أو الانتهاكات أو المليشيات

وخلال عدة أشهر تعرض عدد من المؤسسات الصحافية والإعلامية إلى عمليات حرق وتحطيم أجهزة واعتقال صحافيين أو اختطافهم، بينما سجل هذا العام مقتل وإصابة عدد من الصحافيين في بغداد والبصرة وبابل ومدن أخرى جنوبي البلاد. وتعرض مبنى قناة دجلة، في 31 أغسطس/ آب الماضي، إلى التخريب من قبل مجموعة ملثمين يرتدون ملابس مدنية، قاموا أيضا بتحطيم معدات وأثاث القناة المتهمة بـ"الإساءة إلى شعائر عاشوراء" قبل أن يشعلوا النار فيها، فيما أظهرت صور تداولها ناشطون رجالا بزي عسكري يحيطون بالمدنيين من دون بذل أي جهد لمنعهم. ونقلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأربعاء الماضي، عن ثلاثة من موظفي قناة دجلة المحلية قولهم "إنهم تلقوا تهديدات عديدة عبر مكالمات هاتفية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وأن رجالا مسلحين أتوا بحثا عنهم. أجبرتهم هذه التهديدات الآن جميعا على الاستقالة من وظائفهم، من خلال منشورات علنية على فيسبوك، لكن حتى هذا لم يكن كافيا لوقف التهديدات، فقد فر الثلاثة الآن من منازلهم".

وكان موقع القناة نفسها تعرض للتخريب من قبل ملثمين في الأسبوع الأول من تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بسبب دعم القناة للتظاهرات، وفي 10 يناير/ كانون الثاني الماضي قتل أحد مراسلي المحطة ومصور يعمل معه، بالرصاص في مدينة البصرة الجنوبية.

وقالت المنظمة إنه "بالرغم من أن حادثة حرق مقر قناة "دجلة" قد تمت في 31 أغسطس الماضي، فإن السلطات المختصة لم تعتقل أو تحقق مع أحد". وأضافت أن الحكومة العراقية أشارت إلى وجود لجنة حكومية مشكلة في العام 2016 للتحقيق في حالات الاعتداء على الصحافيين، لكنها قالت "إن من الواضح أن اللجنة لا تأخذ عملها على محمل الجد"، مضيفة "بعد إحراق محطة تلفزيونية علناً، ما الذي يجب أن يحدث أكثر من ذلك حتى تأخذ السلطات العراقية هذه الهجمات بجدية؟".

وتبنت مجموعة تطلق على نفسها اسم "ربع الله" المسؤولية عن إحراق القناة، ضمن مجموعة من الهجمات تصاعدت مؤخرا، وكان آخرها إحراق مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد بعد انتقادات وجهها وزير الخارجية العراقي الأسبق، والقيادي في الحزب، هوشيار زيباري للحشد الشعبي.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أسماء وهمية
يرفض صحافيون عراقيون يؤكدون انعدام حرية الصحافة في بلدهم الحديث بأسمائهم الصريحة عما تعرضوا له هم أو زملائهم من تهديدات من قبل جهات نافذة في الدولة. لكنهم يؤكدون لـ"العربي الجديد" أن الخوف يجبرهم على السكوت والتغاضي عن قول الحقيقة.

ويقول محمد العبيدي إنه متأكد من أنّ "تهديدات ما زالت تصل لصحافيين ومدونين وناشطين بسبب تصديهم للحقيقة"، ولذلك يقول "أفضل الانزواء بعيدا عن المشاكل". ويضيف لـ"العربي الجديد": "الحقيقة الوحيدة التي نتفق جميعنا عليها أن في العراق توجد عدة جهات بيدها السلطة والقوة والقانون، ومن يريد أن يحافظ على حياته عليه أن يتجنب الحديث عنهم بسوء".

ويشير العبيدي الذي يعمل في مؤسسة إعلامية تابعة لأحد أحزاب السلطة إلى أن "فساد السلطة واضح للعيان، كذلك فساد الأحزاب والشخصيات السياسة، فسادهم أوصل البلد إلى الإفلاس، فضلا عن فسحهم المجال لجعل العراق مفتوحا أمام دخول المخدرات وتجارة الأعضاء البشرية وغيرها من الجرائم، لكن رغم هذا حياة من يتصدى لهذا الفساد تكون في خطر". ويقول: "خوفي على مصير عائلتي يجبرني على السكوت. قد يتعرض أحد افراد عائلتي لأذى إن كشفت عن حقيقة ما تخص فساد السلطة أو شخصيات نافذة في البلد".

انتكاسة خطيرة
على الرغم من أن العراق شهد بعد عام 2003 انتهاكات خطيرة للحريات، لكن ما حصل منذ انطلاق تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 يعد انتكاسة كبيرة حيث سجل أكثر من 370 اعتداء على الصحافيين، شملت عمليات اغتيال وخطف وتهديد، فضلا عن هجمات على مقار مؤسسات إعلامية.

ومنذ عام، زاد عدد الصحافيين الفارين إلى خارج البلاد أو إلى مدن إقليم كردستان شمالي البلاد، حيث لا تخضع لنفوذ "المليشيات النافذة في السلطة"، بحسب ما يذكر حسين الجواري، الذي يقول لـ"العربي الجديد" إن تهديداً بلغه من "جهة متنفذة".

الجواري يوضح أنه شارك في توثيق المظاهرات التي شهدتها البلاد العام الماضي عبر تقارير مصورة بالفيديو، مؤكدا "كنت أشعر بأني مراقب من قبل أشخاص داخل موقع التظاهرات في ساحة التحرير ببغداد. وهذا ما كان يقوله لي زملاء صحافيون بعضهم تربطني بهم علاقة عمل". ويتابع: "كان جميع الصحافيين والناشطين مراقبين وبدأت ملاحقات وتهديدات تصل لبعضهم، خاصة الذين تكون لهم بصمة مؤثرة في نقل التظاهرات، والذين يعملون لصالح مؤسسات إعلامية أجنبية وعربية".

ويضيف: "أجبرني والدي على ترك بغداد، لأذهب وأستقر في مدينة أربيل (في كردستان شمالي البلاد)، بعد أن تكلم أحدهم تكلم مع والدي وهدد بقتلي. أعرف زملاء لي كانوا يشاركون بتغطية التظاهرات ويكتبون بجرأة على مواقع التواصل الاجتماعي فروا خارج العراق بحثا عن الأمان، بعد تعرضهم لضرب وتهديد بالقتل".

سجل أكثر من 370 اعتداء على الصحافيين خلال عام


المغادرة لا تعني الأمان
يقول الكاتب الصحافي عمر الجنابي لـ"العربي الجديد" إن الصحافي الذي يمكنه مغادرة العراق إلى أي بلد آخر لا يمكن لأي جهة حمايته ويمكن أن يلاحق".

يتحدث الجنابي عن تعرضه لعدد كبير من التهديدات، على الرغم من كونه غادر العراق منذ أكثر من خمسة أعوام ليقيم في بلد آخر. ويضيف: "قالوا لي في تهديدات تصلني عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنهم بإمكانهم الوصول الي وتصفيتي"، مفيداً "كل ذلك لكوني أقول رأيي بكل صراحة على مواقع التواصل الاجتماعي".

الجنابي يؤكّد أنّ مؤسسة إعلامية عراقية عمل فيها منذ غادر العراق أنهت خدماته رفقة عدد من زملائه، واصفا أن إنهاء الخدمات جاء "بشكل تعسفي". ويضيف: "كان يبدو أن المؤسسة خشيت أن تستهدف بسببنا وتم التخلص منا بلا حقوق".

في خارج العراق، لا يمكن للصحافي نيل حقوقه أو حتى حماية نفسه إن واصل إبداء رأيه، بحسب الجنابي، "هنا لا يمكن التواصل مع نقابة الصحافيين أو أي جهة دولية أو حقوقية أو منظمة معنية بالتواصل مع الصحافيين". ويرى أن "على الصحافي في حال تعرضت مؤسسته لهجمة من قبل الفصائل المسلحة عليه أن يعلن براءته من هذه المؤسسة، كما حصل مع كثير من الزملاء في قناة دجلة وبي بي سي والحرة، أو أن يتحمل الصحافي وعائلته جميع المخاطر".

ويؤكّد الجنابي أن "جميع المؤسسات والمنظمات الدولية غير جادة بتوفير الحماية للصحافيين، حتى خارج البلاد الصحافيون يخشون الإعلان عن البلد الذي يقيمون فيه، خاصة إن كانوا يواصلون إبداء آرائهم عبر الشاشات أو التعليق عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول ما يجري في البلد". ويقول "في حال رفع الصحافي دعاوى ضد الجهات التي تهدده حتى القضاء لن ينصفه، والدليل أننا لم نسمع أن صحافيا كسب قضية ضد جهة هددته أو حاولت قتله أو تهجيره مثل ما حصل مع الزميل أحمد عبد الصمد، وغيره الذين قتلوا أثناء عملهم بسبب تغطيتهم أحداثا ترفضها هذه الجهات"، في إشارة إلى المليشيات المسلحة.

المساهمون