شرور البطل الخارق

19 يوليو 2022
مفاهيم عدمية وسوداوية عن شخصية البطل الخارق (نتفليكس)
+ الخط -

عادة ما تكون شخصية الرجل الخارق (سوبرمان) الخيالية رمزاً للخير والعدالة. لكن في فيلم Brightburn الذي تبثه منصة نتفليكس، سنجد تصوراً مختلفاً عن هذه الشخصية السينمائية التي استقاها الأميركيون من أفكار الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، تحديدًا فكرة "الرجل الأعلى"، في كتابه الشهير "هكذا تكلم زرادشت".

من الواضح جداً سعي صناع العمل إلى خرق نظرية نيتشه ومفاهيمه عن الرجل الخارق. ليس هذا فحسب، بل يريدون تقديم رؤية مختلفة تطرح مفاهيم عدمية وسوداوية عن شخصية البطل الخارق، عبر تسويغ نظرية مختلفة من الاشتغال الذي تناولته السينما الأميركية بشكل نمطي على مدار عقود مضت تجاه هذه الشخصية.

تسقط مركبة غريبة أمام منزل الزوجين براير. نعلم أن الزوجين لا يستطيعان الإنجاب، ومحاولاتهما الحصول على طفل مستحيلة. لكن شاء القدر أن يرسل لهم طفلاً رضيعاً كان موجوداً في تلك المركبة. ستتبنى العائلة الطفل براندن (جاكسون دون)، وسيكبر في كنفها حتى سن الثالثة عشرة. حينها، سيبدأ الطفل باكتشاف قدراته الخارقة، بينما ستكتشف العائلة ومحيطها الاجتماعي الميول العدائية التي يمارسها الطفل المراهق.

القدرات التي يتمتع بها هذا الطفل مطابقة لقدرات سوبرمان. طيران وسرعة خارقة وعيون تطلق أشعة ليزر حمراء، وجسد صلد لا يخدش إلا بواسطة قطع من السفينة التي جاء فيها (وهنا إشارة إلى البلورات الخضراء التي تستطيع وحدها إيذاء سوبرمان). حتى إن رداءه الخاص، وهو بسيط من حيث الشكل، عباءة حمراء مضافًا إليها قناع للوجه، جميعها إشارات تريد الإشارة إلى أننا أمام سوبرمان ولكن بمنظور مختلف. الرؤية الأولى تعمم على نوع شريط العمل. فالتوجه هنا ينحو نحو تحويل بنية العمل إلى فيلم رعب. مشاهد تبعث على الخوف والهلع. لقطات تثير القلق والتوتر ضمن عالم بصري يغلب عليه السواد والمناظر القاتمة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

سلوك براندن فيه من المدلولات ما يساعد على تعميم الفلسفة الهدامة لكل ما كان مرتبطاً بشخصية البطل الخارق. طفل متوحد لديه ميول عدوانية وعقد نفسية مضطربة. يجسد الشر فيه شكل الإنسان المتوحش، ولكن على هيئة طفل. يؤذي، ويقتل. يمزق ضحاياه من دون أدنى شفقة. غايته السيطرة على العالم، وتدمير كل ما لا يناسب أفكاره ورغباته. حتى إن الوالدين لن يسلما من عقابه وبطشه. سيقتلهما من دون رحمة. هذه صور ليست منافية للأخلاق الإنسانية فحسب، بل منافية للأخلاق السينمائية. تشويه علاقة الأطفال مع آبائهم، والعكس صحيح. إنها نظرية هدامة لكل ما هو تربوي وإنساني. تحرض الأطفال على الشر والسلوك اللاأخلاقي تجاه آبائهم. لا حاجة لهذا المنظور السينمائي الغريب في محاولته خلق عقدة التربية السلوكية عند الآباء، وإظهارهم على حقيقتهم عند اكتشاف شرور أبنائهم، ما يدفعهم لقتلهم.

أفكار تثير السخرية والسخط، كلها فقط من أجل طرح معادلة جديدة في الشأن السينمائي. هناك تزمت واضح تجاه نظرية نيتشه في مفهوم الإنسان الأعلى. السيكولوجية المتعالية من وجهة نظر نيتشه، تهدف لبناء عالم أفضل يرتقي به الإنسان بعقله وأفكاره نحو المثل العليا التي تخدم هذا العالم.

نظرية الفيلم تهدم هذه الرؤية لصالح التغيير والاستنتاج والتجربة. وربما اعتماد صناع العمل على فلسفة نيتشه لم تأت من باب الانتقاء العشوائي. أوروبا لم تأخذ بأفكار هذا الفيلسوف كما فعلت أميركا، بل حاربته وانتقدته لما رأت فيها من استعلاء وجنون نم عنه تكفير للديانة المسيحية في القرن التاسع عشر، فنبذته وأفكاره وفلسفته. ولعل اغتراب وعزلة نيتشه عن العالم البشري عشرة أعوام، التي يشير إليها بنفسه في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، هو ما فتح لخيال هذا العمل الباب نحو استقراء تخيلي لشخصيته وميوله التي أسقطت على شخصية بطل الفيلم براندن.

المساهمون