ياسمين، وهو اسم مستعار، يمنية ولزوجها عائلة في الضفة الغربية، وتعمل أخصائية تجميل في صالون في أوهايو الأميركية. بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذها المقاومون الفلسطينيون وبدء العدوان على غزة، أرادت تذكير متابعيها عبر "إنستغرام" بجرائم إسرائيل المتواصلة منذ عقود بحق الفلسطينيين. عبر ميزة "القصص"، نشرت صورة لفلسطيني يرفع علم بلاده فوق دبابة إسرائيلية، وشاركت منشوراً جاء فيه: "غزة خرجت للتو من سجنها". في ذلك اليوم، راسلتها مديرتها، وحثتها على عدم نشر أي شيء يتعلق بالعدوان على حساباتها في منصات التواصل الاجتماعي، وأوضحت لها أن "المسألة حساسة، وخاصة أن صاحبة الصالون يهودية ولزوجها صديقين محتجزين لدى حماس". مساء ذلك اليوم، حذفت ياسمين ما شاركته عبر "إنستغرام"، وحاولت الالتزام بمشاركة محتوى أقل إثارة للجدل، مثل "هكذا تمضون يومكم: لأصدقائي والناشطين وزملائي العرب الفلسطينيين".
بعد أسبوع، استدعيت ياسمين لتخضع لتقييم من مديرتها، وحضرت صاحبة الصالون بشكل غير متوقع لتعرب عن انزعاجها من المنشورات. قالت خبيرة التجميل إنها لا تدعم حماس وإنها حذفت المنشورات، كما أشارت إلى أن المالكة شاركت بنفسها منشورات تحريضية عبر "إنستغرام"، إذ كتبت مثلاً "أنتم تستحقون كل ما سيحصل لكم!!! أنتم حيوانات مريضة"، في تعليقها على خبر كاذب روّج له الاحتلال بشأن قيام حركة حماس بقطع رؤوس 40 طفلاً إسرائيلياً. ردّت صاحبة الصالون بأن على ياسمين التخلي عن وظيفتها إن كانت لا تستطيع البقاء على الحياد. في اليوم التالي، تركت ياسمين وظيفتها، وقالت لموقع مجلة "ذا كَت": "لم يكن لديّ خيار آخر".
تقدمت ياسمين بشكوى تمييز ضد صاحبة الصالون، ولكن من غير المرجح أن تكون قوانين العمل في الولايات المتحدة في صالحها. وأوضح المحامي بيتر جوسلين الذي تعامل مع شكاوى مماثلة بعد أحداث 11 سبتمبر: "يُسمح لأصحاب العمل بأن يكوّنوا الآراء التي يريدونها، ويُسمح لهم بمعاقبة موظفيهم على أي من آرائهم".
ياسمين ليست وحدها. خلال الأسابيع الأخيرة، تلقت Palestine Legal، وهي مؤسسة مستقلة مكرسة لحماية الحقوق المدنية والدستورية للأشخاص في الولايات المتحدة الذين يتحدثون عن القضية الفلسطينية، "عشرات التقارير حول إجراءات طرد، في تصاعد هائل لم تشهده من قبل". كما أرهق المحامون في مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية. وقد تلقى فرع المجلس في ميريلاند بلاغات هي عشرة أضعاف ما يتلقاه عادة بشأن التعرض للتمييز وخطاب الكراهية، في حين شهد المقر الرئيسي في لوس أنجليس زيادة قدرها 20 ضعفاً في المكالمات حول التداعيات المهنية للخطاب السياسي. وأوضح المجلس، لـ"ذا كَت"، أن فريق ميريلاند عمل لمدة 18 ساعة يومياً، للرد على اتصالات من موظفين وطلاب يعاقبون بسبب آرائهم المؤيدة للفلسطينيين، أو يشعرون بعدم الأمان في التعبير عنها.
تراجعت مثلاً شركة المحاماة ونستون أند ستراون عن عرض توظيف قدمته للرئيسة السابقة لنقابة المحامين الطلابية في كلية الحقوق في جامعة نيويورك رينا ووركمان، بعدما عبرت عن "تضامنها الراسخ والمطلق مع الفلسطينيين في مقاومتهم القمع"، وحملت الاحتلال الإسرائيلي "المسؤولية كاملة عن الخسائر الفادحة في الأرواح". شركة المحاماة رأت أن تصريحات ووركمان "تتعارض بشدة مع قيمها". لاحقاً، أصدرت ووركمان بياناً صحافياً قالت فيه إن تصريحاتها "بدت كأنها لا تحمل حساسية إزاء معاناة الإسرائيليين... هذا ليس ما قصدته. قتل الأطفال وغيرهم من المدنيين مروّع". وفي الأيام التالية، لم تتوقف رسائل الكراهية التي وجهت إليها، وكانت أكثر من 5 منها من محام ومستشار مالي قال في إحداها: "لقد دمرت حياتك في الولايات المتحدة". قالت ووركمان، لـ"ذا كَت"، إنها غير قلقة حالياً بشأن العثور على وظيفة، لكنها قلقة من رد الفعل العنيف على تصريحاتها ومن "السماح بالرواية الإعلامية غير المتوازنة والخطيرة التي يتم من خلالها تطبيع العنف ضد المدنيين الفلسطينيين".
طلاب في كليتي الحقوق في جامعتي هارفارد وكولومبيا سحبت عروض توظيفهم أيضاً بسبب تضامنهم مع الفلسطينيين. الملياردير بيل أكمان، والرئيس التنفيذي لسلسلة مطاعم "سويتغرين" جوناثان نيمان، طالبا بنشر أسماء هؤلاء الطلاب ووضعهم على القائمة السوداء لمنع حصولهم على وظائف.
رئيسة تحرير مجلة هاربرز بازار أميركا سميرة نصر كتبت على "إنستغرام" إن قطع إسرائيل المياه والكهرباء عن غزة هو "أكثر فعل لا إنساني شهدته في حياتها"، فواجهت حملة شرسة لدرجة دفعتها إلى الاعتذار. ووفقاً لـ"ذا نيويورك بوست"، فإن سميرة نصر تكافح حالياً كي لا تخسر وظيفتها.
وكيلة المواهب لدى وكالة "سي إيه إيه" البارزة في هوليوود، مهى دخيل جاكسون، اضطرت إلى الاستقالة من مجلس الإدارة، بعد مشاركتها منشورات حول "الإبادة الجماعية" للشعب الفلسطيني.
رئيس التحرير في "آرتفوروم" ديفيد فيلاسكو طرد من عمله، بعد نشر المجلة رسالة موقعة من آلاف الفنانين والقيمين تدعم تحرير فلسطين. قال فيلاسكو، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إنّه "ليس نادماً"، لكنّه عبر عن "خيبة أمله"، لأنّ "المجلة التي دافعت دائماً عن حرية التعبير وأصوات الفنانين خضعت للضغوط الخارجية". الرسالة دعمت التحرّر الفلسطيني، وانتقدت صمت المؤسسات الثقافية تجاه القصف الإسرائيلي لغزة.
واستقال مؤسّس قمة الويب، مؤتمر بارز للتكنولوجيا، بعد أن أدان كبار الصناعة منشوره له على "إكس" (تويتر سابقاً) تحدث فيه عن "جرائم الحرب" التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي. الأيرلندي بادي كوسغريف قدم استقالته بعد انسحاب شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "ميتا" و"غوغل" و"إنتل" من الحدث بسبب تعليقاته بشأن إسرائيل.
وحتى من يعملون لحسابهم الخاص لم يسلموا من حملة المطاردة هذه. وفقاً لـ"ذا كَت"، فإن ماركو الذي يعمل في القطاع السينمائي تلقى تحذيراً من زميل له، قال له إن منشوراته التي ينتقد فيها الحكومة الإسرائيلية قد تهدد بخسارتهما العمل في مشروع تصوير لإحدى الشبكات. قال ماركو إنه فوجئ، وخاصة لأنه كان يكتفي بمشاركة روابط تقارير من منافذ إعلامية مثل "ذا غارديان" وصحيفة هآرتس الإسرائيلية. وباح لـ"ذا كتَ" بأن وضعه المالي ليس على أفضل ما يرام فاضطر إلى التخفيف من نبرته في المنشورات التي يشاركها. وقال: "إعادة مشاركة تغريدة خاطئة، أو حتى مشاركة بيان أعدته صحيفة نيويورك تايمز، قد يعني خسارتك عملك. وضعت في موقف كان عليّ فيه المساومة على مبادئي، وهذا مقرف".