سناء العاجي: "مرايانا" يدافع عن المعرفة والحرية والنقاش

23 يونيو 2021
الصحافية سناء العاجي (يوتيوب)
+ الخط -

يحظى موقع "مرايانا" بأهميّة معتبرة داخل الصحافة المغربيّة، بحكم ما يطبع مواده الصحافية من تجديد وخرق على مستوى تفاعله من عدد من القضايا السياسية والاجتماعية والثقافيّة، التي تطاول يومياً المغرب، وإنْ كانت بعض هذه الأحداث قد لا تُحرّك مشاغل الموقع، بسبب حرصه على انتقاء وتقديم مادة صحافية صالحة للقراءة والنقاش والتأثير في الرأي العام، ما يثير في بعض الأحيان سخطاً إثر موضوعات ترتبط بالدين والجنس والسياسة. لكن هذا الأمر يبقى عادياً بالنظر إلى موقع إعلامي مُجدّد يحرص على تقديم محتوى حداثي ومغاير يستفز المجتمع بمواضيعه وأسئلته، لكنّه لا يُخوّل لنفسه الدخول في المهاترات الصحافية التي تجتاح الإعلام المغربي، فيما يرتبط منها بالدفاع عن الأحزاب والركون إلى مواد فضائحية من أجل خلق نوع من "البوز" الساذج (والبوز يعني الإثارة المبتذلة والتي تحدث كثيراً على الويب، وتثير الجدل). إلّا أنّ الكاتبة والصحافية سناء العاجي، مديرة موقع "مرايانا"، تحرص رفقة طاقم تحريرها على تحقيق بعض من الاستقلالية والاستناد إلى المهنية الأخلاقية والجري وراء الحقيقة كمُحرّك أساس لكل طبيعة المقالات والدراسات، التي تنشر بشكل يومي وعلى مدار سنوات. 

بمُناسبة مرور الذكرى الثالثة على تأسيس موقع "مرايانا"، كان لـ "العربي الجديد" هذا الحوار الخاصّ مع مديرته الصحافية سناء العاجي:  

*كيف جاءت فكرة التأسيس، سيما وأنّ "مرايانا" أضحى من المنابر الإعلامية المهمّة التي تُقدّم للقارئ المغربي محتوى صحافياً يتميّز بالنقد والتمحيص؟  
- أطلقنا موقع مرايانا لتقديم محتوى مختلف للقارئ المغربي وللقارئ باللغة العربية عموما؛ محتوى يهدف لنشر المعرفة حول قضايا كثيرة نحتاج جميعنا لتطوير معرفتنا بها حتى نبني مجتمعات ناضجة تناقش تحولاتها واختلافاتها، بعيدا عن التشنج العصبي، بل بناء على معرفة متينة بذاتها وتاريخها وتحولاتها. كما أننا اخترنا، في مرايانا، خطاً تحريرياً مبنياً على الحرية، المهنية، الاستقلالية والموضوعية. نبذل مجهوداً في اختيار المواضيع وفي تدقيقها، حتى نقدم لقرائنا مقالات تحترم ذكاءهم وتقدم لهم قيمة معرفية مضافة.  

* هل للأمر علاقة بالتحوّلات المفاهيمية التي طاولت الإعلام المكتوب داخل العالم العربي وتحوّله من الرهان على المركز المُتمثّل في إعلام رسمي تصنعه السلطة وآخر هامشي يولي أهميّة بالغة لكل ما هو رقمي ومستقّل عن الدولة؟ 
- المغرب عرف العديد من التجارب الجميلة لإعلام مستقل، سواء في الصحافة المكتوبة أو الرقمية، ولا يمكننا اعتبارها هامشية. ولا حتى منبر مرايانا اليوم هامشي. نحن ندافع على استقلاليتنا ليس فقط عن السلطة السياسية بل أيضاً عن كل وصاية اقتصادية أو دينية أو اجتماعية. شعارنا: "النقاش. الحرية. المعرفة. دون أدوات شرط... دون حروف استثناء".  

*ما الذي تطمحون إلى تغييره في "مرايانا" على ضوء هذا الخناق الرهيب الممارس على الصحافة المكتوبة بالمغرب فيما يتصل منها مستوى حرية التعبير؟ 
- ننشر في مرايانا مقالات في مختلف المواضيع، ولم نتعرض لأي تضييق. كتبنا في الدين والسياسة والمجتمع والتاريخ وإمارة المؤمنين. نشرنا مقالات الرأي والمقالات التحليلية، ونسعى لتطوير تجربتنا بشكل مهني وموضوعي. هذا هدفنا الأساسي والذي يؤمن به كل فريق العمل.  

* تعطون في الموقع أهميّة بالغة للحريات الفردية داخل المغرب وخارجه، لكن المُلاحظ هو أنّ أغلب هذه الآراء تحتكم إلى نقاشٍ سجالي مدني، أمام غياب كامل للبُعد الصحافي المُتمثّل في الاستقصاء والتحقيق داخل الفضاء العمومي. كيف تُفسّرون غياب الاهتمام بموضوع الحريات الفردية داخل الصحافة المغربيّة بالمقارنة معكم؟ 
- نحن ندافع عن الحريات الفردية وسندافع عنها دائماً كما نصرح بشكل واضح في خانة "من نحن"، لكننا ندافع أساسًا عن المعرفة. ندافع عن الحرية وعن المهنية. ندافع عن التعددية الفكرية والثقافية. المحتويات المتعلقة بالحريات الفردية هي جزء من أزيد من 3000 مقال عن مواضيع مرتبطة بإعادة قراءة التاريخ والتراث، بتقديم شخصيات مغربية ومغاربية وشرق أوسطية ساهمت بشكل بارز في ميادين تخصصها الفكرية والثقافية والسياسية، بالتعريف بشخصيات تاريخية لا نعرفها بشكل كافٍ، بطرح مواضيع اجتماعية وسياسية وثقافية ودينية للنقاش، بمحاورة فاعلين في ميادين تخصصهم، إلخ. 

* ما الذي حقّقه موقع "مرايانا" سياسياً واجتماعياً وثقافياً ومدنياً إلى حدود اليوم؟ 
- تجربتنا ما زالت فتية. مكسبنا الحقيقي هو ثقة القراء الذين يرتفع عددهم تدريجياً من المغرب ومصر وتونس واليمن وأوروبا وأميركا ودول أخرى، والذين أثبتنا لهم، عبر ثلاث سنوات من الممارسة، أننا لن نسقط في فخ "البوز" والفضائح لمضاعفة أعداد القراء. كما أثبتنا لهم استقلاليتنا، ليس فقط عن السلطة السياسية، لكن أيضاً عن السلطات الاقتصادية التي تتحكم أحياناً في الإعلام وتوجهه. كما أننا فخورون بثقة الكتاب والمفكرين والصحافيين الذين آمنوا بخطنا التحريري والذين يساهمون فيه بمحتوى متنوع وغني. إضافة إلى ثقة عدد من المقاولات التي آمنت بالمشروع والتي تدعمه وتدعم من خلاله الجودة والتوجه الحر والمستقل. 

* بعد 3 سنوات من العمل في "مرايانا" هل واجهتم يوماً أيّ نوعٍ أو تعسف من لدن السلطة، سواء كانت سياسية أو دينية أو حتى من المجتمع المغربي نفسه، الذي تُقدّمون له مضموناً مغايراً وقد يبدو مخلخلاً لأفكاره ومعتقداته؟ 
- نتعرض أحياناً لبعض أشكال السب والاتهام والتخوين على مواقع التواصل، لكنها لا توقفنا عن الإيمان بمشروعنا الفكري والإعلامي. وكما نتعرض أحياناً للسب، فنحن كثيراً ما نتلقى رسائل الشكر والتشجيع والدعم من طرف قراء يجدون في مرايانا محتوى يحترم ذكاءهم وفضولهم المعرفي والإعلامي.  

*عن أي أشكال من الاستقلال نتحدث في المغرب ونحن نعلم أنّ كل المنابر الإعلامية تعيش على دعم الدولة؟ ألا ترين أنّ هذه المسألة في حد ذاتها قد تُشكّل تناقضاً حقيقياً على طبيعة عمل الصحافي؟ 
- الصحافة في كندا وفي بلجيكا وفي فرنسا وفي دول ديمقراطية كثيرة تتلقى الدعم من الدولة، فهل سنجد من يقول بأنها غير مستقلة؟ في فرنسا مثلاً، سنة 2013، استفادت الصحافة المكتوبة في فرنسا من دعم بلغ 400 مليون يورو، وتفاصيله واردة في عدد من المنابر الفرنسية، من ضمنها "لوموند". في معظم الدول، بما فيها الدول الديمقراطية المتقدمة، توفر الحكومات دعماً للصحافة لأن الصحافة هي أحد أهم أسس البناء الديمقراطي. تعرضها لصعوبات مالية قد يؤدي لغيابها نهائياً وهذا خطر على الديمقراطية وعلى البناء الديمقراطي. المشكل ليس مشكل دعم حكومي. المشكل مرتبط بالموضوعية والمهنية والاستقلالية، ليس فقط عن الحكومة، بل عن العديد من السلط الأخرى، الظاهرة منها والخفية. وهذا هو الخيار الذي يواجهه عدد من المنابر الإعلامية والذي يحدد اختياراتهم وتوجهاتهم الفعلية. 

*ترتكز مجمل كتاباتك وأبحاثك داخل الصحافة المغربيّة على قضايا المرأة والجسد والسياسة والدين. إلى أيّ حد في نظرك يستطيع الصحافي اليوم داخل المغرب اقتحام هذه "التابوهات" وتفكيكها معالمها ومتخيّلها وإبرازها داخل الإعلام المكتوب؟ 
- من الطبيعي أن كاتب مقالات الرأي يختار المواضيع والتيمات الأقرب له فكرياً. أنا مهتمة بقضايا الحقوق والمساواة والحريات الفردية والعلمانية، وبالتالي، فطبيعي أن أخصص لها جزءاً مهماً من مقالاتي. لكني في نفس الوقت لا أعتبرها مواضيع تابو، لأن الكثيرين يتطرقون لها اليوم في مواقع التواصل وفي الإعلام. من جهة أخرى، أود أن أشير إلى أني كتبت وأكتب في مواضيع كثيرة تتعلق بقضايا المواطنة والمجتمع والثقافة والإعلام. لكن بعض القراء ينزعجون من المواضيع المرتبطة بالجنس أو الدين، فتبقى عالقة بذهنهم أكثر من أي مواضيع أخرى. لذلك يحصرون اسم الكاتب أو الصحافي الذي يتطرق إليها بهذه المواضيع حصرياً.  

* ألا تعتقدون أنّ اللجوء إلى ثالوث (السياسة والجسد والدين) في المجتمعات العربيّة يجعل مواد الموقع تُستنفد بشراهة، ما يعطي انطباعاً قوياً للقارئ أنّكم تتعمدون هذا الـ"البوز" كما يقول البعض أم أنّ تحوّلات التي يعرفها البلد تفرض ذلك؟ 
- إذا قرأت خانة "من نحن"، وإذا طالعت المحتوى الذي ننشره على مرايانا، فستدرك أن حمضنا النووي (DNA) هو أبعد ما يكون عن البوز. نحن ضد البوز بالكامل ونسعى لتقديم محتوى معرفي وإعلامي موضوعي، مهني ومسؤول. مناقشة قضايا الجنس والدين والسياسة مثلها مثل أية قضايا أخرى. "البوز" لا يحدث بمقاربة القضايا في حد ذاتها، بل بطريقة تناولها وطرحها. وأعتقد أننا في مرايانا نقدم الدليل يومياً على خصومتنا الراسخة مع البوز، وعقيدتنا القوية في استفزاز النقاش الجاد والمسؤول.

* لعبت وسائل التواصل دوراً كبيراً في الصحافة المغربيّة، لكنّها من جهة أخرى عممت التفاهة والبلادة لدرجة أصبح الكل صحافياً وكاتباً. كيف تنظرون إلى طبيعة هذا التحوّل في العمل بين الصحافي والمدوّن؟ 
- هذا اليوم واقع علينا التعامل معه. لكن، على المستعملين الذين يشتكون من الرداءة والبوز والإعلام الفضائحي ألا يدعموه. أو على الأقل، أن يتوقفوا عن انتقاده ما داموا يجدون فيه ضالتهم. لا يمكن أن نصرخ ضد الرداءة لإرضاء ضميرنا الجمعي وصورتنا أمام الآخرين ونحن نستهلكها خلسة.  

* من سمات هذا التحوّل هو قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على توجيه الرأي العام بما فيه الصحافي. كيف تتعاملون مع طبيعة الأحداث التي تطفح على سطح العالم الأزرق من أجل صياغة مادة صحافية أقرب إلى مخيّلة القارئ؟ 
- لم نفكر يوماً في تقديم "ما يطلبه القارئ". نقرر المواد التي تشغل عليها بشكل توافقي داخل هيئة التحرير. في الكثير من الأحيان، تستحوذ بعض القضايا على اهتمام الرأي العام، لكننا نختار عدم مناقشتها لأن ذلك لا يدخل في خطنا التحريري (حتى لو كان ذلك سيحقق البوز الذي تحدثت عنه سابقاً). وإن اخترنا التعامل معها، فإن ذلك يكون دائماً انطلاقاً من خطنا التحريري. وكما أننا لا نقرر عدم التعامل مع موضوع معين لمجرد أن بعض القراء قد لا يستسيغونه، فنحن لا نتعامل مع مواضيع أخرى فقط من باب "البوز عايز كده"! الموجه الوحيد لاختياراتنا هو خطنا التحرير وإصرارنا على تقديم محتوى موضوعي ومهني. 

المساهمون