بعد إعلان إصابة سمير غانم وزوجته دلال عبد العزيز بفيروس كورونا قبل أسابيع قليلة، ثم إدخالهما إلى المستشفى بسبب تدهور حالتهما، بدت فرص نجاة غانم قليلة، وهو ما عرفه الجميع، وذلك بسبب معاناته أساساً من فشل كلوي، وتقدّمه في السن. لكن توقّع الخبر مختلف عن تلقيه، وهو ما بدا واضحاً أول من أمس، فعمّت الصدمة الشارع المصري والعربي إثر إعلان خبر وفاته.
60 عاماً من الضحك والغناء هو عمر مسيرة سمير غانم الفنية، 60 عاماً مليئة بـ"الإيفيهات" و"القفشات"، والمواقف الكوميدية التي ترسّخت في الثقافة الشعبية، وباتت متداولة في الحياة اليومية المصرية. وهو الإرث الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تأكيد خبر وفاة "صانع البهجة"، إذ تسابق الجمهورعلى نشر مشاهد من فيلم أو مسرحية أو مسلسل من بطولة غانم.
لعلّ سمير غانم من الفنانين القلائل في العالم العربي الذين تحوّل وداعهم إلى مهرجان من البهجة، فلا يمكن رثاء النجم المصريّ بكلمات حزينة أو بشكل درامي، إذ إنّ مسيرته كاملةً تقف على نقيض هذا الحزن.
عند متابعة مسيرة سمير غانم، يتبيّن التراجع والإبعاد الذي تعرّض له في تسعينيات القرن الماضي، ليعاد له حقّة بشكل كبير في العقد الثاني من الألفية الجديدة لسببين: الأوّل نجومية ابنتيه دنيا وإيمي سمير غانم في عالم الكوميديا، ومشاركته في عدد من الأعمال الناجحة معهما. أما السبب الثاني والأهم، فهو تعامل الجيل الحالي مع إرث سمير غانم بتقدير كبير، وتحويل كل عباراته الشهيرة إلى "ميمز" ومقاطع فيديو منتشرة بشكل شبه يومي على "تويتر"، و"فيسبوك"، ويوتيوب" و"إنستغرام". انتصر هذا الجيل لسمير غانم وأنصفه بعد سنوات من انتصار كوميديا عادل إمام ومحمد صبحي. ففي العقود الخمسة الأخيرة كانت الكوميديا السياسية والأخلاقية أسهل وأنجح الطرق للشهرة في مصر، لكن سمير غانم قرر اللعب خارج المنهج، غير مكترث بالنجاح الوقتي، بقدر تقديمه النوع الذي يفضله ويحبه ويستمتع به، أي الكوميديا الهزلية.
رحلة غانم متنوعة ومتباينة، خصوصاً عند الجيل المولود في التسعينيات والألفية الجديدة. بالنسبة لهؤلاء كان سمير غانم مبهراً في كل خطواته
رحلة غانم متنوعة ومتباينة، خصوصاً عند الجيل المولود في التسعينيات والألفية الجديدة. بالنسبة لهؤلاء كان سمير غانم مبهراً في كل خطواته. مبهراً عند مشاهدته في أعماله القديمة مع ثلاثي أضواء المسرح، ومبهر في الفوازير، ومبهر في "المتزوجون"، و"أهلا يا دكتور".
ممثل فذّ وخفيف الظل يغيرّ جلده كما يليق بكل مرحلة فنية، عارفاً كيف يقطف النجاح في كل مرحلة. بالنسبة لهذا الجيل تحديداً هو حالة من الكوميديا الخام، وبالتالي الخالدة. يمثّل سمير غانم نموذجاً خارجاً من الحدود المرسومة، هو الذي كاد يصبح ضابطاً لولا رسوبه في المواد النظرية. فعلى مسرح كلية الزارعة في الإسكندرية وبعيداً عن البذلة العسكرية وجديتها انفجرت موهبته متخطية كل ما هو متوقع: التمثيل الكوميدي، والغناء، وتقديم الاسكتشات. وما لا يضاء عليه بشكل كبير هنا تحديداً هو حب سمير غانم للغناء، وإجادته لهذا الفن. وقد ظهر ذلك بشكل واضح مع "ثلاثي أضواء المسرح"، الذي قدّم عشرات الأغاني التي لا تزال حاضرة في ذاكرة الجمهور.
وحتى بعد انتهاء رحلة الثلاثي مع الرحيل المفاجئ للضيف أحمد، كان الغناء حاضرا دائما في أعمال سمير غانم التلفزيونية والسينمائية والمسرحية، لكنه أضاف إليه جزئه العبثي الجميل والمتهكّم، مثل دخوله في مسرحية "المتزوجون" أو مشهد غناء محمد عبد الوهاب في "أهلا يا دكتور"، أو أغانيه في مسلسل "كابتن جودة".
كل ما سبق يحيلنا إلى خلاصة واحدة، أسس سمير غانم للستاند أب كوميدي في مصر، هو القادر على انتقاد المجتمع بشكل ساخر واستحضار مواقف واقعية وتحويلها إلى شكل كاريكاتوري مضحك بكل بساطة، من دون تحضير أو أهداف أخلاقية أو توعوية. كل ذلك من أجل الضحك.