أصدرت شركة "بلاتنم"، أخيراً، ألبوماً يحمل عنوان "سلطان"، لمغنّي الراب الفلسطيني شب جديد. يضم الألبوم 14 أغنية، صُوّر منها ثلاث على طريقة الفيديو كليب، وهي "تل أبيب" و"إنترو" و"في صوات". ينفرد شب جديد بالغناء في أغلب أغاني الألبوم، بينما يشاركه "رياضيات" في أغنية "رد سريع"، وجوان الصفدي في أغنية "01". يستهل الإصدار مقدمته بـ"كولاج" موسيقي تمهيداً لما هو آتٍ. فنعرف أن ما سنسمعه هو حكاية يرويها شب جديد على طريقته، فيها ما فيها من النداءات والتعليقات والأفكار، والآمال وخيباتها؛ إذ تزدحم نصوص الأغاني بكلمات كثيرة تجد لها سياقاً في زحمة ما يجري في فلسطين خصوصاً، وفي العالم العربي عموماً. تُردد أغنية "فين الدوا" نداءً ملأ العالم منذ أكثر من ثلاثة أشهر. إنه نداء أطلقه ملايين المحاصرين في قطاع غزة، ولم يلبه أحد. يرتبط هذا النداء بما حصل في السابع من أكتوبر وتداعياته، فنجد في الأغنية كلمات وعبارات مثل "ارتباك"، و"آب"، و"أشكلون"، و"أشدود"، و"الملثم"، و"حارة يهود"، و"خطاب عنيف"، و"القيامة"، و"الآخرة، و"نهاجر"، و"المراحل". وهي كلمات حضرت بقوة خلال الفترة الماضية، إلا أن ما تشكّله ضمن الأغنية، كأنه يشير في النهاية إلى عدم التسليم أو لامبالاة وجهة النظر التي ترى في ما يحصل في قطاع غزة أنه علامة من علامات يوم القيامة.
تتكرر كلمة "القيامة" في أغانٍ أخرى، مثل "نشيد" لتقول إن مثل هذه الآراء تسببت في هزيمتنا منذ أكثر من ألف عام من اعتناقها. وتذهب "رد سريع" للتأكيد أن هذه الصنمية في التفكير لا جدوى منها في محاولات الخلاص والتحرر، فلا بد من تعديل الخطط لتغيير المصير، وما جرى تجريبه حتى الآن لم يفد بشيء لدرجة أن حنظلة ذاته "على كتفه لحاف"، نظراً إلى استحالة الحياة في مثل هذه الأوضاع.
تميل أغانٍ في الألبوم إلى إعلان الهزيمة وفقدان الأمل، كما في "01" و"قدري ونصيبي"، وفيهما نسمع كلمات مثل "مات"، و"حرب"، و"مجانين"، و"انحدار"، و"انكسار"، و"انحناء"، و"تعبان"، و"ساكت"، و"زعلان"، وعبارات مثل "لا نواجه"، و"دون أمل"، و"دون عمل"، و"دون هدف"، و"حرب لا نشارك فيها"، و"أعيش صعباً مراً صلب". ولكن سرعان ما تعود وتعلن على لسان شب جديد: "صامدون كالجبل في وجه الكسار…".
من الجدير ذكره، أن هناك التباساً حدث مع بعض متلقي أغنية "كذب" لذكرها جملة "صوت للاحتلال". بيدَ أنه يمكن فهم تلك الجملة في السياق الذي وردت فيه، فالجملة التي سبقتها هي "صوت للحرية"، ومن المعلوم أن الحرية والاحتلال لا يلتقيان، فالاحتلال يفرض الحصار، ويمنع الناس من التصرف بمواردهم. كما يحرمهم من تقرير مصيرهم والتعبير عن مطالبهم. بذلك، تعني الجملة كاملة، أنها في المرتبة الأولى صوت من لا صوت لهم ممن يتوقون إلى الحرية، وفي المرتبة الثانية، هي صوت لمن لا يسعهم إيصال صوتهم ضد الاحتلال وضد كل سياساته الاستيطانية التي تخرب وتنسف كل إمكانية من شأنها الوصول إلى حل للمشاكل وإنهاء الاحتلال.
لا يمكن فهم الألبوم كاملاً من دون الصورة، فهي حاضرة في مستويين. المستوى الأول، حضر في صورة الألبوم الثابتة التي تظهر مع الأغاني وهي شعار الألبوم، وقد كُتب عليه عدد من الأشياء، من بينها جملة "أعيش صعباً مراً صلب". الشعار مكثّف برموز صغيرة لها دلالات سياسية وقانونية وطبية وعسكرية، ومن يدقق فيها سيجد كثيراً من المعاني الأخرى. أما المستوى الثاني من الصورة، فيظهر بوضوح في الأغاني المصورة فيديو كليب. وتأتي "إنترو" كإعلان بداية لتلك الأغاني في الألبوم، ومن ثم تتبعها أغنية "تل أبيب" وبعدها "في صوات".
تلعب السيارات في الفيديو كليب دوراً كبيراً، كدلالة على الغليان وسرعة التنقلات هذه الأيام في فلسطين، إضافة إلى دورها العسكري في نقل المعدات وحمل الرشاشات في المعارك والحروب. وهي سيارات من نوع "تويوتا أف 70"، عليها رايات حمراء وسوداء وبيضاء، كما في أغنية "تل أبيب". يركبها شب جديد ورفاقه وقد تلثموا، في استعراض وسط الصحراء، حيث لا ينبت فيها زرع، ولا يوجد فيها ماء، ولا حتى دماء، فكلها جفت بعد أن صدّق الغزيون كذبة أن العالم صديقاً لهم وسيهم بمساعدتهم، ولكن كل ما في الأمر أن هذا العالم يريد أن "يزرع من تلك الدماء حديقة".
في اختيار اسم "تل أبيب" لأغنية فلسطينية في هذا الوقت، مغامرة كبيرة لمن يقدم عليها. لكنها تسمية لها رمزيتها في بيان مدى أثر "تل أبيب" على المحيط، إذ يعمل الاحتلال وأنظمته الإعلامية والسياسية على تسويق مدى نجاح مؤسساته في التنظيم والبناء والتقنية، والتفكير الاستراتيجي في النظر إلى المستقبل، لكنه في باطنه تفكير تخريبي يصل تأثيره إلى أماكن تتجاوز الحدود. وما جناه أهل فلسطين من هذا التخطيط وذاك التخريب، هو حصد الأرواح ومزيد من الدماء.
يظهر شب جديد في هذا الألبوم تنويعات صوتية على "البيتات" التي جاءت باردة وهادئة أحياناً، وكالطلقة في أحيان أخرى. بهذا، يظهر صوت شب جديد الجدية في مواضع هزلية خلال غنائه، وغَيّر من طبقة صوته وضعفها في مواضع جدية، فتمّر جمل مثل "لا أساوم" من دون تحديد دقيق وصائب لما أراده من معنى.