سلاف فواخرجي: تمجيد القاتل

29 نوفمبر 2020
لم تحاول فواخرجي أن تكذّب التقارير التي تدين نظام الأسد (فيسبوك)
+ الخط -

عندما أعلن الإعلامي جعفر عبد الكريم عن استضافته للنجمة السورية سلاف فواخرجي، ضمن حلقة خاصة في برنامجه "جعفر توك"، الذي يُعرض على قناة "دويتشه فيله"، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات التعليقات والانتقادات المسبقة؛ إذ إن نسبة كبيرة من جمهور البرنامج لم يتقبلوا فكرة استضافة الفنانة التي طوعت نفسها لتكون بوقاً لترديد آيات الولاء والطاعة لنظام بشار الأسد، وساهمت خلال السنوات التسع الماضية بتلميع صورته، في ذات البرنامج الذي عمل خلال الأعوام الماضية على نقل حكايات اللاجئين السوريين وأوجاعهم وساهم بفضح جرائم نظام الأسد. فعلياً، لم يجد غالبية المتابعين أي فائدة ترجى من هذا الحوار، الذي توقعوا أن تستثمره فواخرجي لترديد أسطوانات بروباغندا إعلام النظام السوري المشروخة.

الانتقادات المسبقة، وإن كانت تبلغ درجة عالية من الصواب، إلا أنها لا تحيط بالصورة كاملةً، فما جرى في حلقة "جعفر توك" الأخيرة بدا مميزاً مثيراً للاهتمام؛ إذ إنها المرة الأولى التي يتم فيها استضافة نجمة سورية تمثل نظام الأسد إعلامياً لمناقشة مواقفها السياسية، ومواجهتها بالتقارير الدولية والأرقام الصادمة التي تثبت ما ارتكبه الرئيس الأسد ونظامه من انتهاكات إنسانية. لذلك يجب أن نبدأ بالحديث عن هذه المقابلة بالإشادة بالبراعة التي تحلى بها جعفر عبد الكريم بإدارته للحوار، الذي همش فيه مسيرة سلاف فواخرجي الفنية وركز على مواقفها السياسية، ليذكرنا بكل لحظة بأنه لا قيمة للأعمال الفنية وكل ما يحتويها من رسائل أخلاقية إذا كان من يؤدي هذه الأعمال يناصر القتلة.

وقد زاد من أهمية المقابلة الخطاب الذي تبنته فواخرجي طيلة اللقاء، وهو خطاب يختلف نسبياً عن الخطاب الإعلامي التقليدي الذي تردده جوقة أبواق النظام عادةً؛ فلم تحاول فواخرجي أن تكذّب التقارير الدولية التي تدين نظام الأسد، ولم تعزُ كل ما تم عرضه عليها من أرقام وحقائق إلى نظرية المؤامرة، التي لا يزال الإعلام السوري يجترها ويعيد تدويرها منذ تسعة أعوام، بل على العكس من ذلك، كان حوار فواخرجي لا يخلو من الواقعية، ولم تنكر خلاله وجود التعذيب في سجون الأسد والقتل العشوائي والإجرام الممنهج في البلاد. فعلياً رفضت فواخرجي لعب دور التابع الأعمى المؤمن برواية الإعلام السوري الموازية للواقع، لكنها حاولت أن تبرر موقفها السياسي اللا أخلاقي من خلال إحداث ثغرات ومغالطات أخلاقية، فاستخدمت بعض الحجج المقتبسة من الإعلام السوري ذاته، والتي تعزو الدمار والدم للتجاوزات والأخطاء الفردية من كافة الأطراف، وبررت وقوفها إلى جانب الأسد بادعائها امتلاك وعي مستقبلي مكنها من قراءة الأحداث قبل حدوثها، إذ افترضت أن الثورة السورية محكومة بالفشل، وإن كانت قد حملت منذ بدايتها مطالب محقة، بحسب تعبيرها؛ لتشير إلى أنه لم يكن هناك بديل للأسد سوى بحكومات ظلامية متشددة، وحاولت أن تثبت صحة رأيها من خلال الاستشهاد بالكيانات التي ركبت الثورة وحولت مسارها، مثل تنظيم داعش الإرهابي. 

سينما ودراما
التحديثات الحية

هذه الحجج الواهية التي استخدمتها سلاف فواخرجي لتسوّق لتمجيد القاتل وتلميع صورته كوجهة نظر يجب احترامها وفقاً لشعار حرية التعبير، الذي حمله الثوار السوريون، تمكن جعفر عبد الكريم من دحضها جملةً وتفصيلاً؛ واستطاع أن يعيق كل مناورات فواخرجي ليعيدها لذات النقطة: ما أهمية الرسائل الأخلاقية التي يقدمها الفن، إذا كان الفنان يقف بظل حاكم أباد شعبه وهجره؟ 

ليفتح هذا السؤال باب الاستهجان للمنطق الذي رسمه الفنانون السوريون الموالون للأسد، والذي أعادوا فيه قولبة مفهوم حرية التعبير بما يتناسب مع مصالحهم؛ فقبلات "شارع شيكاغو" التي كانت مدخلاً للمقابلة لا تعني الكثير، ولا تعتبر مؤشراً لانهيار الأخلاق أو لحرية التعبير؛ لكن التعقيب عليها كان ضرورياً في حلقة "جعفر توك" التي أعادت الجدل الأخلاقي لموضعه الصحيح.  
 

المساهمون