قبل أن ترتفع المباني في بيروت، كان سكانها يتجمعون فوق السطوح صيفاً للسمر وانتظار النسمات الباردة. هذا التقليد لا يزال متبعاً في القرى اللبنانية، لكنه اتخذ شكلاً مختلفاً في العاصمة، حيث أصبح أكثر كلفة، والسطوح صار اسمها "rooftops" يقصدها محبّو السهر والحفلات الصاخبة التي تستمر حتى ساعات الصباح الأولى الهادئة.
لكن هناك سطحاً وحيداً في بيروت يقدم نوعاً آخر من السهرات؛ على سطح مبنى "زيكو هاوس" (منزل زيكو) التراثي الذي حوّله صاحبه مصطفى يموت، المعروف بـ"زيكو"، إلى مساحة ثقافية، سكنت جمعية "لبن". الجمعية تقدّم مسرحيات ارتجالية وتفاعلية. وكانت تلتقي جمهورها تحت خيمة بسيطة نصبها "زيكو" على سطح منزله.
مع اختلاف الطقس واشتداد العواصف التي بدأت تُطلق عليها أسماء نساء، طارت الخيمة تاركة "لبن" أمام خيارين: إما الرحيل، أو بناء علبة مسرحية صغيرة على السطح تقدم العروض للجمهور تحت سقف دافئ.
وهذا ما حصل. بَنت "لبن" مسرحها، ودعت الناس لمشاركتها المكان من خلال مهرجان "سطوح الوصل". "حسناً، إنه ليس مهرجاناً بالمعنى التقليدي للكلمة"، يقول مديره علي ضاوي. ويوضح: "نحن لا نمتلك الميزانية والدعم الكافي، ولا الفريق الكبير الذي تمتلكه المهرجانات الأخرى، كما أننا لا نقدم للمشتركين سوى المكان والمساعدة التقنية والإعلان. المهرجان هو فقط فرصة لكل أصحاب الخطوة الأولى والهواة للقاء الجمهور. نتعلم معاً من أخطائنا، ونتشارك الربح والخسارة؛ نتشاطر أرباح بيع البطاقات مع المشتركين".
ويضيف ضاوي، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "المهرجان إذاً مساحة عمل وتجريب لفنانين مغمورين، أو في بداية رحلتهم الفنية، يؤمن لهم التقاطع والتبادل مع فنانين أكثر خبرة. نتبع نموذجاً اقتصادياً استثنائياً، يقوم على فكرة الإنتاج ضمن ميزانية محدودة، لنؤكد على فكرة الاستقلالية الإنتاجية، والاعتماد على صندوق التذاكر ضمن أسعار معتدلة".
وعلى الرغم من أن المهرجان اعتاد على استضافة الأعمال الأولى وتلك قيد التطوير، فإنه في دورته الرابعة هذه جذب إليه بعض الأعمال الاحترافية المميزة، كـ"كل حاجة حلوة" للمخرج المصري أحمد العطار، وهو عرض بريطاني كتبه وأخرجه دانكن مكميلان، قبل أن يحوله العطار إلى العربية. بطلة العرض الممثلة السورية المعروفة ناندا محمد التي حصلت أخيراً على وسام الاستحقاق الفرنسي، تقديراً لمشاركتها المسرحية في العديد من الأعمال المسرحية الأوروبية.
عرض مسرحي مهم آخر يستضيفه المهرجان هو "جوغنغ" للفنانة المسرحية اللبنانية حنان الحاج علي. ركضت الحاج علي فيه إلى أصقاع العالم، لتروي قصتها كامرأة أولاً وكمحجبة ثانياً، مع الحياة والحب والفن.
أما لمحبي الموسيقى، فسيزين الفنان أحمد قعبور سطح المدينة بأغانيه المعروفة في إحدى ليالي المهرجان الممتدة من 13 إلى 30 سبتمبر/ أيلول الحالي.
مبادرة "سطوح الوصل" وأخواتها التي تقدم الدعم للفنانين الجدد تكتسي أهمية شديدة في ظل الانهيار الاقتصادي في لبنان، حيث ارتفعت كلفة تشغيل المسارح، وتحديداً كلفة تأمين الكهرباء. هي مبادرة فردية تدعم مبادرة فردية أصغر منها، وهو ما يهددها بالتوقف في أي لحظة، مع غياب خطة دعم من الدولة، بخاصة بعد سيطرة المليشيات وثقافتها الزبائنية على الوزارات والإدارات المعنية.
أما لماذا سميت المبادرة بصيغة الجمع وهي تقام على سطح واحد لا "سطوح"؟ يجيب علي ضاوي إنها أمنية ورغبة بأن تنتقل التجربة من سطح إلى سطح. "الأفكار لها أجنحة"، وربما ستنتقل مع حمام بيروت من سطح إلى سطح، فإذا كنتم تحبون السهر على السطح، إما تسامراً، أو رقصاً على أنغام موسيقى صاخبة، أو مسرحاً، فلا أفضل من بيروت مدينة لسطوح الوصل.