سجن الجفتلك الفلسطيني: إصبعٌ في عين العاصفة الاستيطانية

26 أكتوبر 2020
سجن الجفتلك (العربي الجديد)
+ الخط -

من إسطبل للخيول في العهد العثماني ومركز للشرطة لاحقاً، مروراً بتحويله إلى سجن في حقبة الاستعمار الإنكليزي التي انتهت بإعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وبقائه على حاله خلال الإدارة الأردنية للضفة الغربية في الفترة بين 1952-1967، حتى احتلالها من إسرائيل، كان وما زال ذلك البناء الضخم المعروف اليوم بسجن الجفتلك، في عين العاصفة، ومحط أنظار كل من داست أقدامه أرض فلسطين.

والجفتلك، قرية زراعية في الأغوار الوسطى بين مدينتي نابلس وأريحا بالضفة الغربية، وهي تتعرض أسوة ببقية مناطق الأغوار التي تشكل مساحتها ما نسبته 30% من مساحة الضفة المحتلة، لعملية تهويد ممنهجة بهدف إفراغها كلياً من سكانها الفلسطينيين لتصبح لقمة سائغة في يد المستوطنين، وما سجن الجفتلك عن ذلك ببعيد. وتشير طبيعة مبنى سجن الجفتلك الضخم إلى أنه بُني ما بين عامي 1830-1840، حيث يتوسط سهول القرية الخضراء المحاطة بالتلال الصخرية المليئة بالكهوف. وهو يتألف من ساحة مستطيلة، تحيط بها غرف مربعة بنوافذ مقببة موزعة على طابقين، وعلى السطح غرفة وساحة تطلان على سهول الجفتلك، كانت كما يبدو غرفاً للقائمين على السجن، كما تظهر في الطابق الأرضي إسطبلات الخيول.

سجن الجفتلك في فلسطين (العربي الجديد)

ويُجمع أهالي الجفتلك بمختلف أعمارهم على أهمية هذا المعلم التاريخي، وارتباطه بذكرياتهم وتاريخ قريتهم، فكبار السن طالما رووا لأبنائهم وأحفادهم تاريخه. الثمانيني حمد مساعيد أحد الشهود على سجن الجفتلك منذ الفترة البريطانية، يقول لـ"العربي الجديد"، "إنه خلال الفترات المتعاقبة ومن ضمنها فترة الانتداب كان السجن يستخدم إسطبلاً للخيول، وأثناء الإدارة الأردنية كان ينطلق منه جيش الخيالة لحراسة الحدود وتمشيط المكان لوقف التهريب، ولكن بعد الاحتلال الإسرائيلي عاد استخدامه كسجن للأسرى، حيث كان يتم احتجاز المناضلين الفلسطينيين لفترات قصيرة حتى ترحيلهم إلى سجون أخرى". ويؤكد مساعيد، أن هذا المعلم يعد جزءاً مهماً من هوية الجفتلك وذاكرتها وتاريخها، كما أنه جزء مهم من تاريخ الأغوار وفلسطين بشكل عام، "ويعني لنا الكثير ونحن نتمسك بكل حجر منه".

سجن الجفتلك في فلسطين (العربي الجديد)

عقب ذلك، كثف الأهالي والناشطون تواجدهم في الموقع لمواجهة المخططات الاستيطانية، ودرسوا كل المقترحات للمحافظة عليه، إذ يقول الناشط في مواجهة الاستيطان خالد منصور، لـ"العربي الجديد": "هناك خطر استيطاني جديد يواجه التراث الفلسطيني، يتمثل بالجهود الحثيثة للمستوطنين للاستيلاء على السجن العثماني في منطقة الجفتلك، اليوم ينشط المستوطنون بأعمال التنظيف والترميم له في مسعى لتحويله إلى بؤرة استيطانية جديدة". ويشير منصور إلى أن المبنى يقع في منطقة زراعية مأهولة بالسكان الفلسطينيين، حيث لا تبعد مزارع ومساكن الفلسطينيين عنه إلا 50 متراً، وإقامة مستوطنة في المنطقة تشكل خطراً كبيراً على مئات الدونمات من الأراضي المزروعة وعلى التواجد الفلسطيني. كما أن الموقع، وفق منصور، قريب جداً من معسكر لجيش الاحتلال، ومن مستوطنة "مسواة" المقامة على أراضي الأغوار، الأمر الذي يعني الاستيلاء على كل الأراضي والطريق الهامة الواقعة بين المبنى العثماني ومعسكر الجيش والمستوطنة.

ورغم أن السجن مهجور منذ نحو خمسة وعشرين عاماً، إلا أن سلطات الاحتلال تمنع الجهات الفلسطينية المختصة من ترميمه، وتحويله إلى متحف يجسد تاريخ الدولة العثمانية، وخاصة أنه تراث تركي على أرض فلسطين، ومن ناحية أخرى ليكون توثيقاً للتاريخ الفلسطيني خاصة في تتابع الاحتلالات المختلفة للأراضي الفلسطينية، أو لمركز ثقافي يستفيد منه سكان المنطقة بأكملها، وتصر قوات الاحتلال على بقائه متروكاً للفئران والضباع تسرح وتمرح فيه، ما جعله أيضاً مستهدفاً من تجار الآثار الذين نقبوا جدرانه وحفروا أرضيته بحثاً عن كنز مدفون هنا أو هناك، دون جدوى. ومع مرور الوقت، انفضحت خطة الاحتلال من وراء ذلك الرفض، "فهو يستخدمه كمركز للتدريب العسكري لقواته في كثير من الأحيان، لكن الأخطر أنه يمهد الطريق للمستوطنين الذين يقطنون في عشرات المستوطنات المنتشرة بالأغوار ليضعوا أيديهم عليه، وهو ما بدا جلياً بعد أن تضاعفت اقتحامات مجموعات المستوطنين له في الآونة الأخيرة".

ويوضح نظام قلالوة من وزارة السياحة والآثار الفلسطينية لـ"العربي الجديد"، أن المجلس القروي لـ"الجفتلك" تواصل مع الوكالة التركية للتنمية، والسفارة التركية في فلسطين، وقدم المجلس تصوراً لترميم السجن، فطلب الأتراك كتاباً خطياً يشرح واقع السجن والرؤى والإستراتيجيات الممكنة لإعادة تأهيله، ولاحقاً رفض الاحتلال القيام بأعمال الترميم بحجة قرب السجن من المعسكر التابع لجيشه ومستوطنة "مسواة" المجاورة والمقامة على أراضي الأغوار. ووفق قلالوة، فإن سلطات الاحتلال ترفض أي أعمال في المكان، ليبقى تحت سيطرتها، وينتقل إلى أيدي المستوطنين، الذين يتربصون به منذ سنوات طويلة، فيما يشير إلى أن إقامة مستوطنة "مسواة"، التي تعد إحدى أقدم المستوطنات في الضفة الغربية، على أراضي قرية الجفتلك عام 1969، على بُعد مئات الأمتار من المبنى، وإقامة معسكر لجيشه على الجهة المقابلة، واستخدام المبنى نفسه لتدريب جنود الاحتلال، كلها مؤشرات تكشف نوايا الاحتلال المبيتة تجاهه.
 

المساهمون