ستروماي: كأس مرفوعة لأولئك الأبطال المجهولين

13 فبراير 2022
لمرة واحدة، أود أن أرفع كأسي لمن ليس لديهم واحدة (ماثيو آيزمان / Getty)
+ الخط -

بداية العقد الماضي، تم تقديم ستروماي، بوصفه نجم الإيقاعات الإلكترونية الجديدة، التي كانت تتمتع بصبغة خاصة في بلده، بلجيكا؛ ليتمكن خلال فترة قياسية من الترويج لهذا اللون الموسيقي، الذي يدمج بين الإيقاعات الإلكترونية الراقصة المكسورة بنغمات حزينة، مع الأشعار التي تعبّر عن قضايا عامة، من منطلقات وحكايات ذاتية.

حينها، قدّم ستروماي ألبومين، بين عامي 2010 و2013، تناول خلالهما العديد من القضايا المهمة، مثل الأقنعة الاحتفالية التي تخفي الألم في أغنية Alors on danse، التي كان لها الفضل الأبرز بانتشار موسيقاه عالمياً، وقضية الاغتراب على مواقع التواصل الاجتماعي في أغنية Carmen، وقضية العلاقات غير المتوازنة بين دول الشمال والجنوب، في أغنية Humain à l'eau، وقضيته الذاتية التي تركت الأثر الأبلغ عن غياب الأب وتأثيره على حياة الطفل أو المراهق في أغنية Papaoutai (Papa ou tu es).

 

لكن قطار نجومية ستروماي السريع توقف فجأة مع قراره الغريب بالتوقف؛ إذ سجل آخر حضور علني عام 2016، قبل أن يختفي تماماً حتى نهاية عام 2021، الذي عاد فيه بشكل مفاجئ، أيضاً، بأغنية منفردة حملت اسم Santé، ليخطف الأضواء سريعاً من جديد.

وهو ما ساهم بتحوّل أغنية Santé إلى ترِند في البلاد الناطقة باللغة الفرنسية، لا يتعلق فقط بالدراما المتعلقة باختفاء ستروماي وعودته على حين غرة، وإنما يتعلق بموضوع الأغنية والحساسية العالية فيها؛ فهي تكاد تكون أكثر الأغاني حساسيةً من بين جميع الأعمال التي تناولت زمن كورونا والعزلة.

في هذا الإصدار، يستخدم ستروماي إيقاعا فولكلوريا كولومبيا راقصا، تم تعديله لإشباع الروح الحزينة التي يمكن التماسها فيه. وعلى هذا الإيقاع، يبدأ ستروماي بصناعة موسيقى تصويرية مناسبة لحياة أبطال المرحلة المغمورين، الذي دائماً كانوا عرضةً إلى الخطر على الخطوط الأمامية، والذين لم يتم تقدير جهودهم في كل بقاع العالم. هنا، لا نقصد بالطبع العاملين في القطاع الطبي، وإنما عمال التوصيل، وعمال النظافة، وأصحاب المهن المشابهة.

يبدأ ستروماي الأغنية بترديد الجمل الوظيفية التي يسمعها هؤلاء باستمرار، قبل أن ينتفض الإيقاع ليتهكم على الخطابات الإنسانية المزيفة، ليرفع كأسه ويُحَيِّي أبطال المرحلة الحقيقيين. يقول: "لمرة واحدة، أود أن أرفع كأسي لمن ليس لديهم واحدة... دعونا نحتفل بمن لا يتم الاحتفال بهم".

قدم ستروماي أغنيته من دون مقدمات أو مبررات، ولم يذكر أي شيء بخصوص عودته إلى الغناء حينها، ولم يتحدث عن أي مشاريع مقبلة. استمر الغموض حتى بداية العام، حين أصدر الفنان البلجيكي أغنية منفردة ثانية حملت اسم الجحيم (L’enfer)، التي كانت إشارة واضحة إلى وجود مشروع متكامل جديد، يرسمه ستروماي لعودته، وهو ما تم تأكيده في منتصف الأسبوع، عندما صرح أنّ ألبومه الرسمي الثالث سيصدر يوم الرابع من مارس/آذار المقبل.

أغنية L’enfer شكلت صدمة أكبر من سابقتها، لأنها مغرقة بالكآبة، وتحمل بطياتها أفكاراً انتحارية. يرد فيها: "كانت لديّ في بعض الأحيان أفكار انتحارية، ولست فخوراً بذلك. نعتقد أحياناً أنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لإسكات الشعور بالذنب. هذه الأفكار تجعلنا نعيش في الجحيم".

إلّا أنّ جمالية الأغنية لا تتعلق بالكلمات الشعرية القاسية، بقدر ما تتعلق بالموسيقى الإلكترونية التي تصل إلى ذروة من الإبداع نادراً ما نلمسها، خصوصاً عندما يتم تخريب النغمات الإلكترونية وتشويهها، وتحويل هذه التشوهات إلى جزء من الإيقاع الراقص. بهذا، فإنّ ستروماي قد جاء من بعيد ليأخذ الريادة سريعاً في التيار الموسيقي الجديد، الذي بدأت تتضح ملامحه في الأعوام الأخيرة، مُعتمداً بشكل رئيسي على بناء نسق موسيقي جمالي، وتخريبه للبحث عن جماليات أكثر عمقاً وجدّةً.

المساهمون