زينب شعث... نداء فلسطين لا يزال عاجلاً

22 يناير 2024
زينب شعث في فيديو يصوره إسماعيل شموط (The Palestine Chronicle)
+ الخط -

"نداء فلسطين العاجل" (The Urgent Call of Palestine)، هي أغنية أطلقتها زينب شعث قبل ما يزيد عن خمسين عاماً ضمن سياق الثورة الفلسطينية. واليوم، تستعيد مؤسسة مجاز المعنية بحفظ التراث الفلسطيني، الأغنية في نسخة معدلة. وتأتي قيمة العمل الفني من كونه من أوائل الإصدارات التي تطرقت إلى القضية الفلسطينية باللغة الإنكليزية.
حرّضت الثورة الفلسطينية المشتعل أوارها في أوائل السبعينيات شعث على الغناء أمام الجمهور، فأنشدت عن فلسطين للمرة الأولى على مسرح جامعة القاهرة حيث كانت تدرس، ولم يتجاوز عمرها السادسة عشرة. وإلى جانب تلك التجربة في العاصمة المصرية، مثلت شعث وقتها المقاومة الفلسطينية في المهرجان العالمي للغناء والموسيقى والفولكلورالشعبي والأفلام الوثائقية في ألمانيا.
من كلمات شاعرة هندية عاشت في مصر، هي إليتا بنجابي، لحنت شعث أول أغانيها "نداء فلسطين العاجل". اقترحت شقيقتها عليها الكلمات، لتنجز شعث الأغنية خلال يومين.
استطاعت الأخت الكبرى والتي كانت تشرف على أحد برامج الغناء والفنون باللغة الإنكليزية في الإذاعة المصرية، أن تدفع بالأغنية لتذاع وتحقق نجاحاً كبيراً. تقول كلماتها: "ألا تسمع نداء فلسطين العاجل؟ فلسطين المعذبة الجريحة المثخنة، وجميع أبنائها وبناتها مبعثرون. ألا تسمع صوت فلسطين العذب الحزين؟ إنها تصرخ أعلى من هدير البنادق، داعية جميع بناتها وأبنائها. ألا تسمع عذاب فلسطين؟ ارفع راية التحرير عالياً من أجل فلسطين. دعونا نعمل من أجلها أو نموت. فلنستجِب جميعاً لنداء فلسطين العاجل".
نجاح هذه الأغنية، شجع زينب شعث على تقديم المزيد حتى يتعرف الناس من خارج العالم العربي إلى معاناة شعبها وآلامه. ومن كتاب عثرت عليه يضم قصائد مترجمة باللغة الإنكليزية لأبرزالشعراء الفلسطينيين، مثل: معين بسيسو ومحمود درويش وفوزي تركي وفوزي الأسمر وغيرهم، اختارت مجموعة من القصائد لتغنيها، كما أنشدت أيضاً لتوفيق زياد وسميح القاسم وفدوى طوقان وسهيل بركات.
في بيروت، جرى تصوير أغنيتها الأولى "نداء فلسطين العاجل". فوجئت شعث بأن الفنان التشكيلي الفلسطيني المعروف إسماعيل شموط، وكان وقتها مدير قسم الفنون الثقافية في منظمة التحرير، يطلب منها تصوير الأغنية بعدما سمعها وهي تغنيها في مهرجان فلسطيني أُقيم في جبل لبنان.


سعدت شعث بطلب شموط، ووافقت على الفور. وعلى جبل لبنان، أيضاً، صورت الأغنية في صيف عام 1972.
ظهرت المغنية الفلسطينية في الفيديو القصير، جالسة على صخرة تلعب على الغيتار وهي تغني. كان من النادر وقتها أن تعزف فتاة الغيتار، ما لفت إليها الانتباه، فتصدرت صورتها عدداً من المجلات الفنية في العالم العربي.
في تلك الفترة أيضاً، صور شموط لشعث أغنية "بطاقة هوية" (المعروفة بـ"سجل أنا عربي") لمحمود درويش، في حين أنتجت منظمة التحرير لها أسطوانة، ضمت إلى جانب الأغنيتين اللتين جرى تصويرهما، "خذني إلى فلسطين" من شعر عبد الوهاب البياتي، و"مقاوم" لمعين بسيسو، وجميعها سجلته شعث باللغة الإنكليزية.
غنت شعث أيضاً في مهرجان الشباب العالمي العاشر في برلين (1974)، كما غنت في موسكو الروسية وتبليسي الجورجية، ودعيت كذلك إلى الغناء في بغداد، لتسجل معها الإذاعة العراقية عدداً من أغنياتها باللغة العربية وكذلك بالإنكليزية.
وفي القاهرة، حيث كانت تدرس، شاركت شعث في مسرحية تحت اسم "نداء الأرض"، تتبعت تاريخ القضية الفلسطينية منذ عام 1948. ومن خلال العمل المسرحي المصري، قدمت شعث عدداً من أبرز أغانيها، مثل "ما دامت لي" و"أحكي للعالم" و"شدوا وثاقي" من شعر سميح القاسم، و"فلسطينية العينين والوشم" و"أموت اشتياقاً" و"فلسطين" و"يحكون في بلادنا" لمحمود درويش، وجميعها من ألحان عدلي فخري.
لا يضم تاريخ المغنية الفلسطينية، ابنة مدينة خانيونس في قطاع غزة، الكثير، فقد توقفت مسيرتها في سن السادسة والعشرين، بعد أن هاجرت إلى الولايات المتحدة لتتزوج وتعيش هناك. إلا أن أغانيها في تلك المرحلة العابرة من عمرها، سجلت حكاية فتاة موهوبة جسدت بأعمالها ذروة من ذروات الثورة الفلسطينية، وانحسرت موجة غناء الفتاة الفلسطينية بانحسار مد الثورة وقتها، لتحتفظ التجربة بطزاجتها ورومانسيتها.
وتتوسط تلك السيرة الفنية القصيرة أغنية "نداء فلسطين العاجل"، والذي احتجب الفيديو المصور لها لعقود، بعدما نهبه جيش الاحتلال الإسرائيلي، في ما نهب من أرشيف منظمة التحرير إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
ظهر الفيديو مجدداً في فيلم إسرائيلي حديث الإنتاج تحت عنوان "الأرشيف المنهوب" للمخرجة رونا سيلا، وموضوعه الأرشيف الفلسطيني المسروق. وبهذا الفيلم التسجيلي، أطلت فتاة جميلة ترتدي الكوفية الفلسطينية تغني لوطنها وهي ممسكة بالغيتار The Urgent Call of Palestine. أغنية، كما التجربة، ما زالت طازجة.
وفي مبادرة تنتظم ضمن عملها من أجل الحفاظ على التراث الفلسطيني، أصدرت مؤسسة مجاز نسخة معدلة من فيديو الأغنية، ومن المفترض أن تخصص جزءاً من عائدات المشاهدة على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لدعم الجهود الإغاثية الموجهة لقطاع غزة.

المساهمون