روسيا بين القرصنة و"الحرب الهجينة"

19 فبراير 2022
تعيش كييف على وقع أخبار كاذبة وسط خوف من غزو روسي (سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -

منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، تزايدت التقارير الاستخبارية الصادرة عن توسع استخدام روسيا "الحرب الهجينة" التي تستهدف، عبر مجموعة من الأخبار المضللة والحرب النفسية، التأثير على النقاشات داخل المجتمعات الأووربية في ما خص العلاقة بروسيا.

ارتفاع منسوب التوتر دفع بالأوروبيين إلى التنبه لمساعي الكرملين في سياق ما يطلقون عليه "حرباً نفسية". وعلى الرغم من المحاولات لتبريد أجواء "الذعر"، إلا أنّ التقارير الإعلاميّة منذ شهرٍ تقريباً عن تحركات عسكرية روسية، بعضها "يظهر ويختفي"، ساهم في تشنّج الأوضاع، حتى في محتوى "تيك توك".

القرصنة و"الحرب النفسية" التي تتحدث عنها التقارير الأوروبية السياسية والأمنية قد لا تكون جديدة من حيث توجيه أصابع الاتهام للكرملين بقيادته مثل تلك العمليات، وانطلاقاً من سان بطرسبرغ، كما كشف تقرير في 2018 عن "وكالة أبحاث الإنترنت" Internet Research Agency المرتبطة مباشرة بدائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي استغلت أيضا أزمة اللجوء في أوروبا عام 2015 لبث تقارير زائفة عن السوريين في المجر وألمانيا على وجه الخصوص. ورغم ذلك، فإن التأثير في اتجاهات الرأي العام في أوكرانيا نفسها أُمكنت ملاحظته مع تكثف الحديث عن "غزو وشيك"، ثم الحديث عن تجاوز الخطر، وبعدها إعادة الكرّة. ويبدو أن رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلنسكي وقع بنفسه في شباك التوتر ببث مثل تلك الأخبار، رغم أنه حاول طمأنة شعبه لاحقاً من خلال بثه صوراً ومقاطع هادئة على صفحته في "فيسبوك".

ومنذ نحو أسبوع، بيّنت دراسة، نشرت نتائجها في بعض الصحافة الأوروبية، عن مواقف الأوروبيين تحت وطأة التغطية المكثفة. وسواء صحت الأخبار عن سحب جنود أم لا من جبهة أوكرانيا، فقد عبّر مواطنو سبع دول عن موقفهم إزاء ما يجب فعله حيال روسيا. وبحسب نتائج الاستبيان الذي أجراه "مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، وشمل 5,529 مواطنًا في فنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا ورومانيا والسويد، أجاب 62 و60 في المائة أن على ناتو والاتحاد الأوروبي الدفاع عن أوكرانيا. ووفقا لتصريحات مدير المجلس مارك ليونارد، لصحيفة "ذا غارديان"، فإن النتائج تؤشر إلى انتعاش القلق من روسيا.

وتفيد تقارير أوروبية بأن الكيفية التي يظهر ويترف فيها بوتين تؤثر في اتجاهات الرأي العام. فظهوره في مناسبات مختلفة متوعداً بإصبعه، وملمحاً إلى قدرات بلاده النووية، وغير ذلك من التقارير والتصريحات، لا تساهم في تخفيض مستوى "الارتياب" بين الأوروبيين.

ورغم ما ترصده وسائل الإعلام الأوروبية، يبقى خطاب روسيا منكراً لكل ما ينسب إليها عن ممارسات القرصنة وبث أخبار متناقضة ومشوشة، وآخرها القرصنة التي تعرضت لها كييف الثلاثاء الماضي، في سياق مسلسل طويل منذ يناير/كانون الثاني. بل إن موسكو ترد على تقارير تحملها مسؤولية الهجمات السيبرانية باعتبارها تنم عن "جنون الارتياب" و"رهاب روسيا" في الغرب، كما تصفها هي بأنّها أخبار كاذبة وتضليلية.

يرصد الأوروبيون تزايدًا في ما يطلقون عليه "الحرب الهجينة" الروسية، وخصوصًا مع سخونة الوضع حول أوكرانيا. فالتقارير الإعلامية الروسية ظلت تتحدث مؤخرًا عن أن "الغرب خدع روسيا" في التسعينيات ووسع حلف الأطلسي إلى دول الجوار "رغم تعهداته"، ما اعتبره الأوروبيون محاولة لخلق حالة نقاش أوروبي غير متماسك حيال موسكو.

ومنذ شهرين، تعيش كييف على وقع الأخبار الزائفة والحرب النفسية، إذ لم يمر أسبوع من دون أن تنتشر إشاعات وأخبار كاذبة عن وجود قنابل في بعض المؤسسات والمدارس، ما استدعى دائما حالة أشبه بالاستنفار الإعلامي الدائم لتفنيد ما يجري وقطع الطريق على إثارة انقسام في المجتمع في مصلحة الكرملين.

وترصد بعض التقارير كيف أن "الحرب الهجينة" التي تُتهم موسكو بخوضها بدأت تؤتي أُكلها من خلال نقاشات أوكرانية تتوافق مع أهداف الكرملين بخلق فجوة وابتعاد الرأي العام عن ميول نحو الاتحاد الأوروبي و"شمال الأطلسي". بعض راصدي التأثير الروسي من الغربيين يؤيدون الرأي القائل إن تضخيم أخبار الحشود؛ بل وصف بعض الصحافة لما يجري هذه الأيام بأنه "هدوء ما قبل العاصفة"، وقرب ساعة صفر الهجوم، تأتي في سياق "حرب إعلامية نفسية" تساهم فيها روسيا عن وعي تجاه النخبة الحاكمة في أوكرانيا، وللتأثير على اتجاهات الرأي العام لجعله أقل قابلية للتوجه غرباً. ويركز هؤلاء على تقارير الاحتجاجات ضد حكومة كييف منذ 25 الشهر الماضي، باعتبارها أدوات لإضعاف ثقة الناس في نظامهم السياسي والاقتصادي والإداري.

المساهمون