يصعب تصنيف الجيل الذي انتمى إليه حنا توما. مصمم الأزياء اللبناني الذي رحل أمس في بيروت بعد صراع طويل مع المرض نجح في الجمع بين جيلين، وعرف كيف يحجز لنفسه مقعداً مختلفاً داخل نادي مصممي الأزياء اللبنانيين.
أحب حنا توما الخياطة منذ طفولته، ثم دخل معهداً مهنياً لتعليم وتنفيذ الأزياء، لكنه خرج سريعاً، وبدأ رحلة من النجاح، استغرقت أربعة عقود متتالية. تفرّد توما، لأكثر من أربعين عاماً، في عالم تصميم وتنفيذ الأزياء، إضافة إلى تعاقده مع مجموعة من أشهر دور المجوهرات العالمية، مثل "بولغاري".
لم يكن سهلاً على مصمم جديد، بدأ حياته المهنية منتصف السبعينيات، أن يشهد كل هذا النجاح، ذلك بسبب المنافسة التي عرفها الجيل الأول لمصممي الأزياء اللبنانيين، من وليم خوري، إلى ريما صالحة، وبيار كترا، والأخوين إدوار وجورج شويتر. لكن توما عزز حضوره بداية الثمانينيات، وبدا متفرداً إلى جانب زميله إيلي صعب، الذي لمع بريقه في تلك الفترة، إضافة إلى قلة قليلة حاولت الخروج إلى الضوء، ومنافسة الجيل الأول.
خرج توما إلى دور العرض، مغامراً، يحاول إثبات نفسه بالدرجة الأولى، ورسم منذ البدايات خطاً منفرداً اعتمد على هدوء الألوان في معظم التصاميم التي طبعت بدايته. ولم يوفر جهده لترسيخ هذه المعادلة حتى عرضه الأخير الذي ضج بألوان كتبت تاريخ وفرادة هذا المصمم.
بعد بروز اسم توما بسنوات، خرج الجيل الثالث من أشهر مصممي الأزياء اليوم في لبنان والعالم، زهير مراد، وزياد نكد، وجورج حبيقة، وداني الأطرش، وغيرهم، لكنهم جميعاً استقوا من مدارس الجيل الثاني قاعدة لانطلاقة إضافية في هذا العالم المثير، وما كان من حنا توما إلا أن استفاد مجدداً من التجارب، وثورة التغيير هذه.
عام 2009، قدم واحداً من أفضل عروضه في باريس، عندما اختار فكرة مستوحاة من سيرة ورسوم الفنان الهولندي الشهير فنسنت فان غوغ. الرحلة الأوروبية لم تقف عند عرض "فان غوغ" الخاص، بل أصبح حضور توما دائماً هناك. فقدم مجموعة شيّقة أخرى عام 2012 حملت عنوان SCENTED COLORS (الألوان المعطرة)، وفيها أثبت جيداً قناعاته في رؤية وحرفية اختارها بنفسه لمدة تزيد عن ثلاثة عقود.
حتى منتصف عام 2020، أصرّ حنا توما على التجدد في عرض أخير قدم في بيروت على الرغم من جائحة كورونا، وتفرد بمجموعة خاصة، خطفت الأنظار، ولم يوفر جهده في تعزيز دور وريثته شيرين حنا توما، التي خاضت المجال منذ سنوات، تحت إشراف والدها لتكمل المسيرة بحسب رغبة توما نفسه.
التصق اسم توما حتى رحيله بألوان "الباستيل" التي شغلته لفترة طويلة، على الرغم من التنويع الذي قدّمه، إلّا أنه ظل محاطاً بألوان البحر الهادئ والسماء والطبيعة في فصلي الخريف والربيع كنوع من التمرد، والبعث من جديد.