كاد أن يمر بسلام ومن دون ضجة إعلامية الدور الهزيل الذي قام به توم هانكس في فيلم "بينوكيو" عام 2022، لولا حصوله في مهرجان راتزي على جائزة أسوأ دور ثانوي في فيلم Elvis عن سيرة إلفيس بريسلي الصادر عام 2022، وجائزة عن أسوأ ثنائي على الشاشة، وكاد أن يحصل أيضاً على جائزة أسوأ ممثل لهذا العام.
أدوار توم هانكس تقارب المائة دور، فيها الغث والسمين، ويطغى الغث عليها. لا يتوقف الرجل عن العمل، تمثيلاً وإنتاجاً وكتابةً. في خانة الأعمال القادمة -بشكل دائم- ما يزيد عن الخمسة. تحول إلى رجل هوليوود الأول بعد أن حصل على جائزتي أوسكار، ولم يتغير نهجه رغم كل الصفعات السياسية والهبات الاجتماعية التي تعرضت لها السينما، في أميركا خصوصاً.
بالاستناد إلى رواية سويدية تحت عنوان "رجل يدعى أوفا" صدرت عام 2012 للروائي الشهير فريدريك باكمان، وفيلم يحمل نفس عنوان الرواية صدر عام 2015 للمخرج هانز هولم، أنتجت مؤخراً ريتا ويلسون زوجة توم هانكس فيلم "رجل يدعى أوتو" (A Man Called Otto). معالجة أميركية للرواية والفيلم السابقين، من بطولة زوجها وابنهما ترومان (بدور أوتو الشاب). ترومان قد يخطف من أبيه جائزة أسوأ ممثل بدور ثانوي.
أخرج الفيلم مارك فورستر الذي يحمل في جعبته أيضاً الكثير من الأفلام الضعيفة، كـ World War Z، وأسوأ فيلم عن جيمس بوند بعنوان Quantum of Solace.
تدور أحداث القصة في مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا. أوتو رجل ذو مبادئ صارمة وروتين دقيق جداً. غاضبٌ ونزق مع الآخرين، يعيش وحده عزلة عميقة بعد وفاة زوجته. يتردد إلى قبرها بشكل دائم ليتحدث معها ويخبرها عن الأحداث الروتينية اليومية نفسها. يبدو أن تغير العالم السريع من حوله قد أرهقه. بعد إحالته إلى التقاعد يقرر أوتو الانتحار ليلتقي مع زوجته. يُقطع الانتحار لحظة وصول عائلة جديدة إلى الحي الهادئ، لتبدأ قصة بخطين متوازيين نتنقل بينهما عبر الفلاش باك بين ماضي أوتو وحاضره.
العائلة المكسيكية الجديدة المكونة من الأم ماريسول (ماريانا تريفينو) مع طفلتيها الصغيرتين، وزوجها البسيط تومي (مانويل غارسيا رولفو). تبدأ العائلة بالتسلل إلى حياة أوتو. تُدعْم القصة بشخصيات جانبية، كسكان الحي والمواقف الصدامية بين أوتو ومن حوله. يدخل المشاهد تدريجياً إلى عالم هذا الرجل وذكرياته، ونفهم هذا الماضي الذهبي الذي عاشه. تبقى ذكريات زوجته تلاحقه. وعند كل محاولة انتحار، يمر شريط ذكرياته أمام عينيه. نرى خلاله أوتو الشاب كيف تعرف على سونيا (ريتشيل كيللير) وزواجهما لاحقاً، حتى وفاتها بالسرطان.
مشاركة كاتب الرواية فريدريك باكمان في كتابة السيناريو، ساهمت بعض الشيء بتآلف وإشراك مشاعر المشاهد بصدق مع الشخصية. هذه المشاعر تستخلص من لحظات الفلاش باك، أي من القصة الموازية. القطع المونتاجي السريع في الكثير من الأحيان، حتى ضمن المشهد الواحد، لم يوازن ما بين المشاعر الرقيقة القادمة من الذكريات ومحاولات أوتو بإبقاء الآخرين على مسافة منه.
لا يبتعد الفيلم عن هيكل السرد القصصي التقليدي، ولا شيء مفاجئاً في الحبكة. تتحسن علاقاته مع الآخرين خلال العرض بسبب المواقف بين أوتو وماريسول، كوميدية الموقف حاضرة بشكل دائم، لم تكن مناسبة كما في الفيلم السويدي لضعف أداء توم هانكس. بعض الحبكات الفرعية ساهمت في تقدم الشخصية وتطورها العاطفي، كمعركته مع البيروقراطية والشركات العقارية الرأسمالية التي تحاول أخذ منزل جاره المصاب بشلل دماغي، تتفكك تدريجياً أسباب وجود مثل هذه النظرة القاتمة إلى الحياة والأشخاص المحيطين به.
على النقيض، أتى الفيلم "رجل يدعى أوفا" كما الرواية، من قلب المجتمع السويدي. الحالة المزاجية والشعورية وتحديداً الألوان الباهتة لأوفا كانت غير مبيئة بما يتناسب مع الواقع الأميركي.
النظر إلى التبييء من زاوية إعادة ترميز الأشياء وتسميتها فقط هي نظرة قاصرة، الحالة واضحة هنا بين الفيلمين، نقدية أو جماهيرية كانت. في الفيلم السويدي إيقاع السرد مختلف، الكوميديا تأتي من حيث لا نتوقع، التوازن بينهما كإيقاع وحدث تُحول الفيلم إلى رحلة شخصية للمشاهد بدل أن يكون مراقبا خارجيا محايدا.
حجم أوفا (رولف لاسغارد) مناسب لشخصيته وتفاصيلها وشروطها، ملابسه أيضاً وطبقة صوته، تطوره العاطفي يتكامل مع الصورة وتَفتُح الألوان على مهل، للفظ الأحرف ومخارجها في كل لغة على حدة أيضاً أهمية لا يمكن التغاضي عنها. لا يكفي أن نعيد صياغة الرواية ونقوم بتمثيلها حتى نحصل على عمل مناسب، للسينما لغة (مع التحفظ على كلمة لغة) لها أدواتها واستخداماتها وطرق تكثيفها الخاصة. فيلم هانز هولم رشح لجائزة الأوسكار عام 2015 لأفضل فيلم بلغة أجنبية، وحصد الكثير من الجوائز في مهرجانات عديدة حول العالم، وهو من أكثر الأفلام السويدية مشاهدة.