تحول عيد الحب منذ التسعينيات إلى موسم لإنتاج الأغاني العاطفية ولإقامة الحفلات الفنية في العالم العربي. وهذا العام لم يكن استثناءً عن القاعدة، إذ طرح عدد من الفنانين العرب أغنيات جديدة في هذه المناسبة، أبرزهم رامي عياش وأصالة وجو أشقر ومايا دياب وراغب علامة.
كل الأغاني التي أنتجت لهذه المناسبة هذا العام كانت باهتة ومتوسطة المستوى، تتكرر فيها الكليشيهات والمفردات العاطفية نفسها، ويعاد فيها إنتاج الصور النمطية عن الحب في الكليبات، من دون زيادة أو نقصان. الاستثناء الوحيد هذا العام ربما كان أغنية "ممكن أزعلك" لراغب علامة التي لم تكن أفضل من قريناتها، بل على العكس تماماً، بدت مثيرة للسخرية بسبب الكليب الغريب الذي استعاد فيه أجواء المسلسل الكوري "لعبة الحبّار" Squid Game بسياق مبتذل يثير الضحك، ويصعب فهم البعد الرومانسي المقصود منه.
نشاط راغب علامة الفني في الآونة الأخيرة كان مقتصراً على إنتاج بعض الأغاني المنفردة التي لم تحقق أي صدى يُذكر، فلم يتناسب نجاح الأغاني التي قدمها خلال السنوات الثلاث الأخيرة مع اسمه ومكانته الفنية، وآخر أغنية له حققت انتشاراً معقولاً كانت "اللي باعنا"، التي طرحها عام 2019. الأمر الوحيد الذي يستحق الذكر ربما حول أغاني راغب علامة في هذه الفترة هو الطريقة التي وظف بها أغانيه للترويج لدولة الإمارات العربية المتحدة، إذ أقحم اسم إمارة دبي في بعض أغانيه القديمة مثل "بنت السلطان"، وأنتج أغاني جديدة لتؤدي الغرض نفسه مثل "يا شعب زايد".
لذلك، لا يمكن القول إن أغنية "ممكن أزعلك" تمثل انحداراً فنياً في مسيرة راغب علامة، على اعتبار أن كل ما قدمه أخيراً لم يكن أفضل، لكن يمكن القول إنها أسوأ ما أنتجه راغب علامة بمناسبة عيد الحب، وهو الذي كان يعرف كيف يقدم أغاني لهذه المناسبة بالشكل الأمثل، إذ قدم من قبل "نسيني الدنيا" و"بعشق قلبك" وغيرهما من الأغاني الرومانسية الرقيقة التي تبدو مفقودة تماماً في الإنتاج الجديد.
كلمات الأغنية تبدو تعبيراً مجازياً عن حالة الضياع الفني التي يعيشها راغب علامة منذ فترة، إذ يقول فيها: "أنا ممكن أي حاجة، بأي حتة وبأي وقت"؛ لتبدو هذه الكلمات الخالية من المعنى مناسبة لتوصيف الحالة التي وصل إليها راغب علامة إذا ما جردناها من سياقها، وإذا ما سلخناها عن الكليب الغريب الذي أخرجه شريف صبري الذي جعل الأمور تبدو أكثر سوءاً؛ فالمشكلة الأكبر في أغنية راغب علامة الجديدة لا تكمن بالكلمات الخالية من المعنى أو الألحان التي تبدو مألوفة وأعيد تجميعها من أغان قديمة لراغب من التسعينيات وبداية الألفية، بل تكمن بالكليب الفاقع الذي تضمن العديد من الصور الشائعة في مسلسل "لعبة الحبار" ضمن سياق مائع، ليولد صوراً مركبة غير منسجمة تخلط بين الرومانسية المبتذلة والمرجعيات العنيفة للصور التي نشاهدها على الشاشة.
يمكن تلخيص الكليب بأنه مجموعة من الألعاب الطفولية التي يعاد إنتاجها في فضاءات مستوحاة من "لعبة الحبار" عن طريق نظارات "ميتافيرس" وينتهي بالموت الافتراضي، وتتخلل هذه المشاهد الرئيسية لقطات لبطلة الكليب وهي مرتدية الزي الوردي في "لعبة الحبار"، على جبهته قلب، بدلاً من الدوائر والمثلثات والمربعات التي شاهدناها في المسلسل، بالإضافة للقطات الكلاسيكية في كليبات راغب علامة التي يقف فيها في مكان خارجي يردد كلماته في لقطات تراوح بين العامة والـ "كلوز"، لتبرز جمال المدينة، وهي دبي هذه المرة. والكلمات التي تعجز عن تكوين معنى، لا توحي إلا بشيء واحد في بعض اللحظات، وهو هيمنة راغب علامة على العلاقة وتحكمه بها، فيقول "ممكن أزعلك... ممكن أفرحك"، وإلى ما هنالك من الأشياء التي يستطيع أن يقوم بها.
يذكر أن مسلسل "لعبة الحبّار" استقطب 111 مليون مشاهد، بعد أقل من شهر على طرحه العام الماضي. يتناول قصة شخصيات من الفئات الأكثر عرضة للتهميش في كوريا الجنوبية، تشارك في ألعاب الأطفال التقليدية، أملاً في الفوز بـ45.6 مليار وون.