استمع إلى الملخص
- تم تسجيل ومراقبة أكثر من 3 آلاف مشاجرة بين الفئران الذكور باستخدام أدوات حسابية متقدمة، مما ساعد في تحديد استجابات الفئران للعدوان وتأكيد فعالية تكتيك "التضليل".
- تسلط الدراسة الضوء على أهمية دمج سلوك الحيوان وعلوم الكمبيوتر لفهم تطور الإدراك الاجتماعي، مع بقاء تساؤلات حول استخدام الإناث لتكتيك "التضليل".
تذكر مرة عندما واجهتك مشكلة ما، أو وجدت نفسك في موقف اجتماعي صعب. إما أنّك واجهت المشكلة مباشرةً وإما بحثت عن طرق للهروب منها. غالباً ما تتعامل الحيوانات مع صراعات مماثلة. في دراسة جديدة، تتبّعت مجموعة بحثية سلوك الفئران باستخدام التعلّم الآلي، لفهم كيفية تعاملها مع السلوك العدواني من الفئران الأخرى. تُظهر النتائج التي نُشرت في 15 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، في مجلة PLOS Biology، أن الفئران الذكور تخفف من حدة المواجهات العدوانية من خلال الركض نحو فأرة أنثى لتشتيت انتباه الفأر الذكر العدواني.
وسجّل الباحثون مجموعات من اثنين من الذكور واثنتين من الإناث تتفاعل على مدار خمس ساعات. مِثل حيوانات عدة أخرى، تتمتع الفئران بتسلسلات هرمية اجتماعية، وفي كل مجموعة مسجلة تقريباً، كان أحد الذكور دائماً أكثر عدوانية تجاه الآخر.
"نظرت دراستنا في كيفية هروب الفئران من المواجهات العدوانية. سجّلنا ساعات من البيانات السلوكية، واستخدمنا أدوات حسابية للمساعدة في البحث عن الأنماط. ومن المدهش أننا اكتشفنا ظاهرة حيث تهرب الفئران الذكور، المعرّضة لتفاعلات عدوانية، وتتجنّب الصراع من خلال استغلال الإناث القريبة لتحويل انتباه المعتدي الملاحِق"، يقول المؤلف الرئيسي للدراسة جوشوا نيونيبل، أستاذ علوم المخ والأعصاب المشارك في جامعة ديلاور، في تصريحات لـ"العربي الجديد".
ويعتقد نيونيبل أن نتائج الدراسة مهمة، لأنها تجمع بين تخصصات مختلفة: سلوك الحيوان الذي ينطوي على مراقبة الحيوانات عن كثب، وعلوم الكمبيوتر التي توفر أدوات لتحليل مجموعات البيانات الكبيرة. أمّا الأهمية البيولوجية، فهي أيضاً مفتاح مهم لفهم سلوك الحيوان، إذ اكتشف الفريق سلوكاً غير معروف سابقاً قد يؤثّر على الأبحاث المستقبلية حول تطور الإدراك الاجتماعي والآليات العصبية التي تحرّك سلوكيات الهروب لدى الحيوانات.
استعان الفريق البحثي بمجموعة متنوّعة من الأساليب والتجارب للوصول إلى نتائج البحث: "أعددنا نظاماً لتصوير سلوك الفئران الطبيعي في بيئة معملية خاضعة للرقابة، ما يسمح للفئران بالتصرّف كما تفعل طبيعياً، ثم طبّقنا أدوات حسابية متقدّمة لتحليل السلوكيات والتفاعلات الفردية بمرور الوقت"، يقول الباحث. قد يكون من الصعب دراسة التفاعلات الاجتماعية بموضوعية، لذلك استخدم الباحثون نهج التعلم الآلي لتحليل التفاعلات العدوانية وكيفية استجابة الفئران.
في المجموع، لاحظوا أكثر من 3 آلاف مشاجرة بين الفئران الذكور، وساعدت خوارزمية التعلم الآلي الباحثين في تحديد الاستجابات الأكثر احتمالية للعدوان، وما إذا كانت هذه الإجراءات تحل أو تزيد من الصراع. وجد الباحثون أن الفأر الذكر الذي تعرّض لهجوم عنيف كان يركض عادة نحو إحدى الفأرتين، وهذا كان يخفف من حدة العدوان. وقد يكون هذا تكتيك "التضليل"، فكان الفأر الذكر العدواني يتبع الفأر الذكر الآخر عادة، ثم يتفاعل مع الفأرة الأنثى بدلاً من الاستمرار في المواجهة العدوانية.
يفسّر المؤلف الرئيسي للدراسة السبب وراء هذا السلوك لدى الفئران بأن الصراعات قد تكون خطيرة، وفي هذه الحالة يكون تجنب خوض المعارك هو الخيار الأكثر أماناً للحيوانات، حتى لو كانت وسيلة الحماية هي الأنثى، إذ تتمتع الفئران بقدرة عالية على التكيف وتستخدم سلوكيات تزيد من فرص بقائها. يضيف: "سلوك التضليل الذي لاحظناه هو مثال رائع على هذه المرونة. بعد مواجهة عدوانية، اقترب الذكر المستهدف من أنثى، وتفاعل معها لفترة وجيزة، ثم اندفع بعيداً عندما تشتت انتباه المعتدي بالأنثى، التي غالباً ما أصبحت محور الاهتمام الجديد".
يقول المؤلفون إن بعض التكتيكات الأخرى، حتى لو تجنّبت العدوان للحظة، كانت تتصاعد إلى معارك كاملة، وهو ما لم يحدث في حالة "التضليل"، فبعد استخدام هذا التكتيك، نادراً ما تحدث المعارك، وغالباً ما كانت الفئران الذكور تبقى بعيدة بعضها عن بعض، بينما يستمر الفأر العدواني في التفاعل مع الفأرة الأنثى. لكن الباحثين لا يبرئون الإناث من اتباع هذه التكتيك الدفاعي أيضاً، وإن كانت لم تتوفر لهم أدلة عليه حتى الآن. يوضح نيونيبل أن السؤال الرئيسي الذي طرح هو ما إذا كانت استراتيجية "التضليل" مقتصرة على الذكور من الفئران أم إن الإناث تستخدمها أيضاً: "يظل هذاً سؤالاً مفتوحاً، وهو أمر نحقق فيه".