دولة المراقبة تنمو في الصين والمواطنون "تحت الأنظار طوال الوقت"

06 أكتوبر 2022
أحكم تشي قبضة الرقابة على الإنترنت منذ وصوله إلى السلطة عام 2012 (لينتاو زانغ/ Getty)
+ الخط -

حين أمسك تشن بهاتفه للتعبير، عبر تطبيق الدردشة "وي تشات"، عن غضبه من تلقي مخالفة مرورية، لم يكن يدري أن منشوره، الذي وصف فيه أفراد الشرطة في الصين بـ"السذاجة"، سيوقع به بسبب نظام المراقبة التابع للنظام الشيوعي الحاكم.

ألغى تشن الرسالة سريعاً بعد نشرها، لكنّ الشرطة تعقّبته واعتقلته في غضون ساعات، متّهمةً إياه بـ"إهانتها". واحتُجز لخمسة أيام على خلفية استخدامه "كلاماً غير لائق".

وكشفت قضيته عن المراقبة المنتشرة التي أصبحت أحد سبل اختراق الحياة الخاصة التي تعتمدها الدولة الصينية يومياً لتعقّب مواطنيها. 

منذ تسلّم الرئيس تشي جين بينغ السلطة في عام 2012، بدأ يقمع التيارات الاجتماعية المتحررة نسبياً على الإنترنت، مستخدماً التكنولوجيا والقانون والأيديولوجية للضغط على المعارضة والمجتمع المدني ومنع التهديدات لحكمه.

واستهدفت الضوابط الاجتماعية ظاهرياً المجرمين، لكنّها طاولت المعارضين والناشطين والأقليات الدينية، بالإضافة إلى الأشخاص العاديين مثل تشن، الذين يعتبر النظام أنهم تجاوزوا حدودهم، مثل تشن.

تحت الأنظار

يقضي المواطن الصيني العادي اليوم كلّ لحظة يقظة تقريباً تحت مجهر الدولة.

وبحسب تقديرات معهد الأبحاث كومباريتيك، فإنّ كلّ مدينة صينية متوسطة الحجم أكثر من 370 كاميرا مراقبة لكلّ ألف نسمة، ما يجعل الصين من أكثر الأماكن الخاضعة للمراقبة في العالم مقارنة بلندن (13 كاميرا لكلّ ألف شخص) وسنغافورة (18 لكلّ ألف شخص).

وتوسّع مشروع المراقبة في الأماكن الحضرية الصينية "سكاي نيت" ليشمل كاميرات قادرة على التعرف إلى الوجوه والملابس والعمر.

وقال ناشط بيئي رفض الكشف عن هويته، خلال حديث مع وكالة فرانس برس: "نحن مراقبون طوال الوقت".

وتبرز قبضة الدولة بالشكل الأكثر وضوحاً في منطقة شينجيانغ أقصى غرب الصين، حيث نُشرَت تقنيات التعرف إلى الوجوه وجمع الحمض النووي، خصوصاً بين الأقليات المسلمة، بحجّة مكافحة الإرهاب.

وسرّعت جائحة كوفيد-19 من تطوير نظام المراقبة الصيني، بحيث يجري تتبّع المواطنين الصينيين الآن على هواتفهم الذكية، من خلال تطبيق يحدّد الأماكن التي يمكنهم الذهاب إليها بناءً على رموز خضراء أو صفراء أو حمراء.

وقبل القوانين الجديدة التي فرضت عام 2012، كان يمكن الصينيين شراء شرائح هاتفية من دون الكشف عن أسمائهم.

السخرية من النظام قبل 2012

الآن صارت جميع المواقع الالكترونية تقريباً وتطبيقات التسوق تطلب التسجيل عبرها برقم هاتف مرتبط بوثيقة تعريف.

وتحدث معارض صيني لوكالة فرانس برس باسمه المستعار لدواعٍ أمنية، وانغ، عن الحقبة التي سبقت حكم تشي، والتي كان يمكن خلالها التهرّب من الرقابة وكان "إلقاء النكات عن (الرئيس الصيني السابق) جيانغ زيمين شائعاً جدّاً على الإنترنت حينها". لكنّ الإنترنت الصيني صار اليوم فضاءً خاضعاً للرقابة بشكل متزايد.

يدير وانغ حساباً على "تويتر" يتتبع حالات آلاف الأشخاص المحتجزين أو الحاصلين على غرامات أو عقوبات، بسبب التعبير عن آرائهم منذ عام 2013.

وبفضل نظام التعرف إلى الأسماء الحقيقية والتعاون بين الشرطة وشركات شبكات التواصل الاجتماعي، عوقب أشخاص على مجموعة واسعة من الجرائم عبر الإنترنت.

وتوظّف منصات مثل "ويبو" آلاف المشرفين على المحتوى، وتحظر تلقائياً كلمات أساسية حسّاسة سياسياً، مثل اسم بطلة التنس بنغ شواي، بعدما اتهمت سياسياً كبيراً بالاعتداء الجنسي العام الماضي.

وتطرح سلطات الفضاء الافتراضي قوانين جديدة تجبر المنصات على مراقبة أقسام التعليقات على المنشورات. وكانت مساحات التعليقات آخر متنفس لمستخدمي الإنترنت للتعبير عن مشاكلهم.

عبادة الحكومة والقادة

تبنت عدّة دول تقنيات المراقبة المستخدمة في الصين، لكنّ "الفارق الحقيقي في الصين هو الافتقار إلى وسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني القادر على تقديم انتقادات ذات مغزى لابتكارات (المراقبة) أو للإشارة إلى عيوبها"، بحسب الباحث في القانون في كلية الحقوق في جامعة ييل، جيريمي دوم.

ويُعمَل على إبعاد الشباب عن التأثيرات الأجنبية، بحيث تحظر السلطات الكتب الدولية، وتمنع شركات التدريس الخصوصي من توظيف مدرّسين من خارج الصين.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وامتدت الرقابة الأيديولوجية حتّى إلى الموضة، حيث منعت محطات التلفزيون ظهور الرجال الذين يحملون الوشوم أو يضعون الأقراط.

وقال وانغ: "ما يزعجني أكثر، ليس الرقابة نفسها، ولكن كيف شكّلت أيديولوجية الناس". وأضاف: "مع إزالة كل المعطيات المعارضة، يصير كلّ موقع إلكتروني منطوياً على نفسه ويروّج لعبادة الحكومة والقادة".

(فرانس برس)

المساهمون