في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة لو فيغارو اليومية الفرنسية رسالة للممثل الفرنسي جيرار دوبارديو "ينفي" فيها اتهاماتٍ موجّهة إليه بالاعتداء الجنسي على الممثلة الشابّة شارلوت أرنو التي قدّمت شكوى ضده في 31 أغسطس/ آب 2018.
دانيال كوفرور، رئيس القسم الثقافي في "لو سوار" (صحيفة يومية بلجيكية تصدر باللغة الفرنسية)، ذكر في مقالته (2 أكتوبر 2023)، أنّ دوبارديو أراد كتابة "حقيقته" في "رسالة مفتوحة"، أكّد فيها أنّه غير قادر على "الموافقة على ما أسمعه عنّي منذ أشهر"، قائلاً إنّ امرأةً جاءت إلى منزله "في المرّة الأولى، بخطوات خفيفة"، وإنّها صعدت إلى غرفته "بمحض إرادتها". أضاف أنّ تلك المرأة "تقول اليوم إنّها تعرّضت للاغتصاب هناك"، وتحتجّ، موضحاً أنّها "عادت مرة ثانية"، ولم يكن بينهما "إكراه أو عنف أو احتجاج".
الرسالة مُصاغة بلغة مبسّطة، مليئة بشجنٍ وحزنٍ ومثالياتٍ، ذكر دوبارديو فيها أنّ المرأة أرادت أنْ تُغنّي معه أغنيات لبارْبارا (كاتبة أغنيات ومؤلّفة موسيقية وممثلة فرنسية، 1930 ـ 1997)، في "سيرك الشتاء"، فقال لها "كلا". عندها، "تقدّمَتْ بشكوى". قبل ذلك، شدّد على أنّه لم يؤذِ امرأة من قبل "أبداً". فبالنسبة إليه، إيذاء امرأة "سيكون بمثابة ركل والدتي في بطنها".
كارين ديوريو ـ ديابو، محامية أرنو، عبّرت عن صدمتها إزاء مضمون تلك الرسالة، وعن شعورها بالفضيحة: "يقول إنّه يكشف حقيقته. لكنّها بالتأكيد ليست حقيقة شارلوت، ولن تؤيدها المحكمة" (France Info، الثاني من أكتوبر 2023).
أمّا أرنو، فردّت عليه، بعد 24 ساعة فقط من نشر الرسالة، عبر TF1 Info: "هذه رسالة قذرة، حقاً. دنّسني عام 2018، وبطريقةٍ ما، يواصل القيام بذلك بكلماته". بالنسبة إليها، يتبنّى الممثل "استراتيجيةً تعكس الذنب. يُقدّم نفسه كضحيةٍ، لإثارة الرحمة وزرع الشك". أضافت: "سأعيد صوغ الحقائق: عندما ذهبت إلى منزله، كنتُ أبلغ 22 عاماً، وكان وزني 37 كيلوغراماً، لأنّي كنتُ أعاني من فقدان الشهية. كان صديقاً لوالدي".
في تصريحها، أكّدت المحامية ديوريو ـ ديابو أنّ "شارلوت جاءت إليه بدعوة منه، لأنّه أراد أنْ يطمئنّ عليها، وأنْ يسألها عن حالها، فأحدهما يعرف الآخر (منذ وقتٍ بعيد). إنّها ابنة صديقٍ، أجلسها في حضنه عندما كانت طفلة. لذلك، كانت هناك ثقة وأبوّة تجاهه. هو الذي دعاها لمعرفة أحوالها. في ظرفٍ كهذا، لا يتوقّع المرء، بعد 10 دقائق، أنْ يمارس الجنس. لدينا أشرطة فيديو. إنّه يعترف بأفعال جنسية. السيد دوبارديو ليس حامي النساء، كما يدّعي، عندما تتّهمه 15 امرأة بالعنف الجنسي. يقول إنّه ليس مغتصباً ولا مفترساً، (لكنّ) القرار سيُترك للمحكمة".
في رسالته تلك، "فضح" دوبارديو (مفردة فضح واردةٌ في تقرير لفرانس برس، منشور في اليوم نفسه الذي نشر فيه نص "حقيقة" الممثل إزاء المسألة) "الاتّهامات الموجّهة إليه"، مندّداً بـ"الإعدام خارج نطاق القانون" الذي نظّمته "محكمة الإعلام". كتب أيضاً أنّه اعتقد، مع كل الأحاديث والاتهامات المنشورة في الصحافة والإعلام في الفترة الماضية، أنّه غير مهتمّ: "لكنْ لا. في الواقع، لا. كلّ هذا يحصل لي. الأسوأ أنّه يُطفئني". التقرير نفسه وصف "النص الطويل" بأنّه "يُشبه القصيدة"، وبأنّه أول خطاب يُلقيه نُصب السينما الفرنسية منذ أنْ نشر Mediapart (موقع إخباريّ فرنسي) شهادات ضدّه "في الربيع الماضي".
في رسالته/نصّه الطويل ذاك، كتب دوبارديو: "إذا كانت تحت تأثيرٍ، فالتأثير خاص بها. لم تكن تحت تأثيري أبداً. أريد عيش الحاضر بشكل مكثّف. إذا أذيت أو صدمت أي شخص، فأنا لم أفكّر أبداً في إلحاق أي ضرر، وأرجو أنْ يُسامحني على التصرّف هذا". وختم قائلاً: "في محكمة الإعلام، في قضية الإعدام خارج نطاق القانون المخصّصة بي، ليس لدي سوى كلمتي لمعارضتهما (المحكمة والقضية)".
يُذكر أنّه تمّ توجيه اتّهام بالاغتصاب والاعتداء الجنسي إلى دوبارديو في 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، بعد شكوى أرنو المُقدَّمة في 31 أغسطس 2018. صيف 2020، وُعِدَتْ بإحالة ملف القضية، الذي أغلقه المدّعي العام في باريس، لأول مرة، في منتصف يونيو/ حزيران 2019، إلى قاضي التحقيق. منذ 11 إبريل/ نيسان 2023، بدأ Mediapart نشر شهادات 13 امرأة اتّهمن الممثل بـ"العنف الجنسي". حينها (أي وقت كشف تلك المعلومات/الشهادات)، أشار مكتب المدعي العام في باريس إلى أنّه "لم يتلقَّ أي شكاوى جديدة حتى الآن". لكنّ التحقيق مع الممثل بدأ في 1 أغسطس 2020، أي بعد أقلّ من عامين بقليل من شكوى الممثلة، التي أعلنت، أنّها "تعيش في الجحيم" (BFMTV، محطة تلفزيونية إخبارية محلية فرنسية، 23 مايو/ أيار 2023).
في سلسلة مقالات وتحقيقات منشورة في "لو سوار"، في 2 أكتوبر الحالي، أُتيح للممثلة البلجيكية سيسيل دو فرانس، التي أدّت دوراً إلى جانبه في "عندما كنتُ مغنّياً" (2006)، للفرنسي كزافييه جانولي، التعبير عن رأيها في المسألة، إذْ اغتنمت فابيان باردْفار، الصحافية البلجيكية، فرصة وجودها في "مهرجان الفيلم الفرنكوفوني في نامور" (الدورة الـ38، بين 29 سبتمبر/ أيلول و6 أكتوبر 2023): "ليس سهلاً التموضع (إزاء مسألةٍ كهذه). جيرار لم يفعل شيئاً بي أبداً. لم تكن هناك نظرة شهوانية واحدة منه تجاهي. بعد قول هذا، أحترم كثيراً اللواتي يتجرّأن على التحدّث علناً. طبعاً أشجّعهن، وأنا معهن تماماً. أصدّقهن 100 في المائة، وأقول لنفسي إنْ تكن لديهنّ شجاعة التعبير عن أنفسهن، فلأنّ هناك جرحاً حقيقياً فيهن. أحترم هذا الجرح".
أضافت أنّ كتابته هذه الرسالة المفتوحة "أمر جيّد"، فربما "لديه إدراك (إزاء ما فعل)، ويريد التوقّف". كذلك، ذكرت دو فرانس أنّها تحبّ فهم "لماذا يتصرّف البعض بهذه الطريقة"، مؤكّدة تأييدها "وقف هذه المعاناة". كما أنّها استعادت فترة التصوير معه، معتبرة إياها "تجربة غير عادية. كان شريكي الأروع في التمثيل. شهِدتُ تجربةَ تصوير مذهلة. شعرت كأنّي أطير في الهواء. لذا، صعب جداً التموضع. لحسن الحظ، المعلومات متداولة. لكنْ، من أين نحصل عليها؟ هذا بحث عن الحقيقة. إذا طلب مني وودي آلن أنْ أقوم بجولة معه غداً، فلا أعرف ماذا أقول. أحتاج إلى التأمّل في المسألة، ومعرفة المزيد، ومناقشتها مع أصدقاء. لكنّي سأفكّر في الأمر. لدينا شكل من أشكال المسؤولية".