تسبب تعليق حساب الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب على "تويتر" بشكل نهائي، ومنعه من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وسناب شات، بتجديد النقاش حول تنظيم شركات التواصل الاجتماعي، وإعادة طرح الأسئلة حول الدور الذي تقوم به هذه الشركات. إذ بعد أربع سنوات من رئاسة ترامب، والتي لم يتوقف فيها عن التحريض على العنف أو نشر العنصرية أو حتى التضليل في القضايا العلمية والانتخابات الأميركيّة، عبر تلك المواقع نفسها، قررت تلك الشركات أنّ بإمكانها الحدّ من انتشار آراء ترامب البغيضة و"إيقافه عند حده"، وهو ما رفضت القيام به سابقاً، بحجة أنّها لا تستطيع فعل ذلك، وأنّ عليها عرض جميع الآراء وحماية حرية التعبير.
واعتبر وزير الصحة البريطاني مات هانكوك، في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أمس الأحد، أن الحظر الذي فرضته مواقع تويتر وفيسبوك وإنستغرام على حسابات ترامب "يثير تساؤلاً كبيراً جداً" حول كيفية تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي. وقال هانكوك إن "منصات التواصل تتخذ قرارات تحريرية الآن، وتختار من يجب ومن لا يجب أن يكون له صوت".
ويعود هذا النقاش إلى ما قبل الإجراءات بحق ترامب، إذ ترى حكومات العديد من الدول أنّه يجب قوننة عمل شركات التواصل، وهو نقاش محلي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تحوز هذه الشبكات على حماية تمنع محاكمتها بسبب ما ينشر على منصاتها.
وزير الصحة البريطاني: منصات التواصل تتخذ قرارات تحريرية الآن، وتختار من يجب ومن لا يجب أن يكون له صوت
ولم يكن حديث الوزير البريطاني هو الوحيد. إذ نقلت "واشنطن بوست" قبل يومين أنّ الديمقراطيين يناقشون معاقبة شركات التواصل الاجتماعي عن دورها في العنف وحصار الكونغرس الأميركي. وقالت الصحيفة إنّ "العصابة العنيفة التي اقتحمت مجلسي النواب والشيوخ، تاركة المجلسين في حالة إغلاق، شجّعت المشرعين الحزبيين، والذين يقولون إن مواقع التواصل الاجتماعي فشلت في الاستجابة لتحذيراتهم المتكررة - ثم فعلت القليل بعد فوات الأوان، ردًا على الرئيس ترامب ورفاقه وخطابهم التحريضي على الإنترنت".
وأشارت الصحيفة إلى أنّه "في الأشهر المقبلة، يعد بعض الديمقراطيين باستخدام أصواتهم - وسيطرتهم على البيت الأبيض والكونغرس - لتقديم القوانين الجديدة الصارمة والعقوبات الأخرى التي نجح عمالقة التكنولوجيا في صدّها لسنوات"، موضحةً أنّ "غضب الديمقراطيين الشديد قد يؤدي إلى تداعيات كبيرة على الصناعة، مما يفتح الباب أمام مجموعة واسعة من التغييرات في السياسة التي يمكن أن تجعل فيسبوك وغوغل وتويتر مسؤولين حديثًا عن زلاتهم".
من جهتها، نقلت "سيدني مورنينغ هيرالد"، أمس الأحد، أنّ مسؤولين أستراليين يدعون إلى قوانين جديدة لتنظيم عمل مواقع التواصل الاجتماعي بعد الإجراءات التي اتخذتها ضد ترامب.
واشنطن بوست: الديمقراطيون قد يعاقبون منصات التواصل على دورها في حصار الكابيتول هيل واقتحام الكونغرس
ولم تكتفِ شركات التواصل الأميركية الأشهر بطرد ترامب من منصاتها، إذ حاصرته أيضاً في منصات أخرى يفضّلها مناصروه، كتطبيق "بارلر"، ما أدى إلى معضلة جديدة حول المنصّة التي يمكنه التواصل عبرها مع مناصريه.
فقد كان موقع "بارلر" اليميني المتطرف المرشح الرئيسي لذلك، حيث ينشط ابناه، إريك ودون جونيور، بحسب "أسوشييتد برس"، إلى أن أزالت شركتا غوغل وآبل التطبيق من متاجر التطبيقات الخاصة بهما، وأزالته أمازون من خدمة استضافة الويب بعد منتصف ليل الاثنين بتوقيت المحيط الهادئ.
وقال الرئيس التنفيذي لبارلر، جون ماتزي،، إن ذلك قد يؤدي إلى إيقاف تشغيل الموقع لمدة أسبوع، رغم أن هذه قد تعد إشارة تفاؤل. لكن "أسوشييتد برس" تشير إلى أنّه حتى إذا عثر الموقع على خدمة استضافة أكثر ودية، لكن بدون تطبيق هاتف ذكي، من الصعب تخيل اكتساب "بارلر" نجاحًا سائدًا.
ويدعي القائمون على الموقع، البالغ من العمر عامين لليمين المتطرف ويستخدمه أكثر من 12 مليون شخص، أن شركة تحليل تطبيقات الهاتف "سينسور تاور" تقول إن 10 ملايين شخص يستخدمونه في جميع أنحاء العالم، بينهم 8 ملايين في الولايات المتحدة، وهذا جزء بسيط من 89 مليون متابع لترامب على تويتر.
وعلّقت شركة "تويتر" حساب ترامب بشكل دائم، يوم الجمعة الماضي، بعد يومين من أعمال العنف التي قام بها مناصروه مع اقتحامهم مبنى الكابيتول لساعات. وقال الموقع في بيان "بعد المراجعة الدقيقة للتغريدات الأخيرة على حساب دونالد ترامب وللسياق الحاليّ (...) علّقنا الحساب نهائياً بسبب خطر حدوث مزيد من التحريض على العنف". وكان "فيسبوك" ومواقع أخرى مثل "سناب شات" أو "تويتش" علقت أيضاً حسابات الرئيس المنتهية ولايته لفترة غير محددة.
لكن مع أكثر من 88 مليون متابع، كان "تويتر" المنصة المفضلة لترامب للقيام بإعلانات سياسية أو مهاجمة وسائل إعلام أو إهانة خصومه يومياً. وبعد وقت قصير من إقدام "تويتر" على تعليق الحساب الشخصي لترامب، غرّد مستخدماً الحساب الرسمي لرئيس الولايات المتحدة: "لن نسكت"، متوجهاً إلى "75 مليون وطني" صوتوا له. وتحدث عن رد ضد الشبكة التي "تحظر حرية التعبير" واحتمال إطلاق منصته الخاصة في مستقبل قريب، عبر سلسلة تغريدات سرعان ما حذفها "تويتر".
وقال موقع "تويتر"، لوكالة فرانس برس، إنّ "استخدام حساب آخر في محاولة للالتفاف" على حسابٍ علّق مسبقاً "مخالف لقواعدنا". وأوضح الموقع أنّ الحسابات العائدة إلى جهات حكوميّة "لن تُعلق بشكل دائم، ولكننا سنتّخذ إجراءات من أجل الحدّ من القدرة على استخدامها".
وكان "تويتر" حجب، الأربعاء، تغريدات لترامب، وجمّد حسابه لمدّة 12 ساعة، وهدّد بغلق هذا الحساب بصورة دائمة في حال استمرّ الرئيس المنتهية ولايته في انتهاك قواعد الاستخدام المتعلّقة بالنزاهة المدنية، في إجراءات غير مسبوقة لجأ إليها موقع التواصل الاجتماعي بعد أعمال العنف التي شهدها الكابيتول.
وكتبت الشركة التي يوجد مقرها في كاليفورنيا، الجمعة "قواعدنا المتعلقة بالمصلحة العامة قائمة لإفساح المجال للناس للاستماع مباشرة إلى ما يقوله المسؤولون المنتخبون والقادة السياسيون، لكننا أوضحنا منذ سنوات أنه لا يمكنهم استخدامها للتحريض على العنف، من بين أمور أخرى".
وقبل إغلاق حسابه، أقر ترامب أخيراً بهزيمته في شريط فيديو، ثم أعلن أنه لن يحضر حفل تنصيب جو بايدن رئيساً، وهو أمر مخالف للتقاليد. بحسب "تويتر"، فإن الإعلان فسّره بعض أنصاره على أنه دليل على عدم شرعية نتائج الانتخابات، مما يجعل من حفل التنصيب هدفاً محتملاً لأعمال عنف جديدة. وكتب الموقع "هناك خطط من أجل تظاهرات مقبلة مسلحة تسري على (تويتر) وأماكن أخرى، بما يشمل تنفيذ هجوم ثان على الكابيتول في 17 يناير/كانون الثاني الحالي". وعمد، الجمعة، أيضاً إلى إلغاء بعض حسابات أنصار لترامب تحدثوا عن نظريات المؤامرة من حركة "كيو أنون" المتطرفة والناشرة لنظريات المؤامرة والتضليل.
وقد خلف قرار شركة "تويتر" ردود فعل متباينة، إذ انقسم المعلقون بين مؤيد للخطوة التي ستلجم ترامب عن تصريحاته المحرّضة وبين معارض لها ومتمسك بحرية التعبير. وكتب رئيس منظمة "ميديا ماترز فور أميركا" غير الحكومية، أنغيلو كاروسون: "حين يتحرك (تويتر) ومواقع أخرى الآن، فإن ذلك يشبه قيام كبار المسؤولين في الحكومة بتقديم استقالاتهم قبل أيام على انتهاء الولاية (ترامب)، هذا أمر قليل جداً ومتأخر جداً". وأضاف "لو تحركوا في وقت أبكر، لكان من الممكن تجنب الأحداث الرهيبة التي وقعت الأربعاء".
لكن كايت روان من "جمعية الدفاع عن الحقوق المدنية" قالت "نتفهم الرغبة في تعليق (حساب الرئيس)، لكن يجب أن يقلق الجميع حين يكون لدى هذه الشركات القدرة على شطب حسابات أشخاص عن منصاتها التي باتت لا غنى عنها كوسيلة تعبير لمليارات الأشخاص". السيناتور الديمقراطي الذي ينتقد دائماً شركات "وادي السيليكون"، مارك وارنر، وصف خطوة "تويتر" بـ"المتأخرة"، مضيفاً "علينا التذكر أن هذه المسألة أكبر بكثير من شخص واحد. إذ تتعلق بنظام كامل يسمح للمعلومات المضللة والكراهية بالانتشار والتفاقم من دون رادع".
وغرّد محامي ترامب السابق مايكل كوهين أن الرئيس "يعتمد على (تويتر) كاعتماده على الأكسجين. إنه يجن الآن". وعبرت المرشحة الديمقراطية الخاسرة هيلاري كلينتون عن رضاها على الخطوة، بينما وصفها نجل دونالد ترامب جونيور والمندوبة السابقة إلى الأمم المتحدة نيكي هالي بالرقابة التي تشبه أحداث رواية "1984" لجورج أورويل أو ما يحصل في الصين.