دراما ثابتة رغم التحولات الكبرى

24 يونيو 2021
لاحق النظام السوري كثيراً من شركات الإنتاج في دمشق (Getty)
+ الخط -

تواجه الشباب العرب، منذ اندلاع الثورات في المنطقة، مجموعة من التحولات الكبرى، تتأرجح حول مفاهيم أساسية أعادت الحروب تعريفها. وبين الانقسام على تعريف "الوطن" والاتفاق على معنى "الهوية والانتماء" يأتي الفن العربي متأخراً في اللحاق بسرعة التغييرات السياسية التي تحدث، وانعكاساتها الفعلية على أدمغة الشباب وأفكارهم.
من هنا، كانت الدراما في المنطقة العربية واحدة من الفنون قصيرة النظر في التعبير عن الواقع المعقد وشرحه، ومحاولة السير جنباً إلى جنب مع الشباب العربي، في أحلام الخروج من نفق البطالة، وإيجاد الأمان، وبناء أرضية متينة لمشروع حياتي مزدهر ومتكامل.
وعلى أثر ذلك، فقدت الدراما العربية ثقة المشاهد المحلي، وأخذ يجد في مشاريع أجنبية تتحدث عن المنطقة وصراعاتها واقعية أكبر في الإحساس بجحيم المنطقة، وما تعانيه من ويلات. وفي مسلسلات منصة نتفليكس، عن تنظيم "داعش"، مثال واضح على ذلك.

فما الذي أخّر وأعاق الدراما العربية من الوصول إلى جيل الشباب والإلمام بمشاكلهم وإعادة روايتها بشكل درامي فني متوازن؟ لا يلبث أن يرتفع سقف الرقابة عربياً في مجال الطرح الدرامي والسماح للنصوص الجريئة بالعبور إلى الشاشة، حتى يعود وينخفض وربما إلى حال أسوأ مما كانت عليه قبل الارتفاع.


وقد يرى بعض النقاد أنّ ارتفاع سقف الرقابة جزئياً، ليس إلاّ قراراً سياسياً معتمداً من قبل الأنظمة، للتنفيس عن الشعب والحديث أمام الدول الأخرى عن التحرر الموجود في الفن. في حين يجد رأي آخر، أنّ الرقابة ترفع سقفها حين تدخل البلاد في مرحلة فوضى، ولا يستطيع النظام الحاكم السيطرة على زمام الأمور.
وفي جرأة الأعمال الدرامية المصرية التي قدمت إبان ثورة يناير، مثال حقيقي على السقف المرتفع للدراما التلفزيونية، تشاركها في ذلك الدراما السورية التي أنجزت خارج أسوار النظام، وتمكنت بدعم شركات إقليمية من استعراض تعقيدات الوضع السوري ولو بشكل مرحلي أقرب للآنية.


الحال انعكست تماماً بعدما أطبق الجيش المصري على زمام السلطة، وهيمن على قطاع الإنتاج الدرامي محتكراً السوق بشكل كامل تحت اسم "المتحدة للإعلام" والتي تحولت تدريجياً في إنتاج نصوص قائمة على حكايات أبطال الشرطة والقادة العسكريين، وتمجيد الجيش في بعد صارخ عن واقع الشارع المصري المسحوق، وحجم الحريات المنحدر بسرعة قياسية في ظل القبضة الأمنية الشديدة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

في سورية أيضاً، ومع تغييب الحدث السياسي عن أجندة وسائل الإعلام، وعدم تصدر الشأن السوري أولوية دول المنطقة، تراجعت الحركة الدرامية، في حين أطبق النظام على الشركات العاملة في الداخل، ولاحقها بشكل أمني، سواءً عبر منع النصوص الإشكالية، أو فرض غرامات مالية كبيرة، وكان التوجه نحو الإطباق المطلق على الطرح الدرامي الجريء بعد عرض مسلسل "دقيقة صمت"، الذي أنجز داخل سورية، ووصفه كاتب العمل سامر رضوان بأنه نص معارض للسلطة الحاكمة في دمشق.
لن تتسع لقطة في كاميرا مسلسل أن تلخّص تعقيدات الواقع الذي تعيشه العديد من دول المنطقة وسط تعويم للمشكلات اليومية في حياة المواطن والذهاب للعناوين العريضة من قبل الجهات المتحكمة في الصناعة، واستنساخ الحكايات سواء عبر نظام "الفورمات" أو الاقتباس غير المعلن أو إعادة إنتاج عمل أجنبي بممثلين عرب.

مقابل ذلك، تشهد سورية واليمن والعراق وليبيا، مناطق هائلة من المدن المدمرة التي لم تدخلها الكاميرات لنقل ما يجري هناك بطابع درامي إنساني، وكأنّ على الدراما أن تغيب عن المشهد حالياً حتى يتناسى العالم ما حلّ بهذه المناطق من دمار، ثم يجري التسويق لها حين تبدأ مرحلة إعادة الإعمار، لتخرج بدلاً عن المناطق الأصلية مدن سكنية وعمارات لا تحمل روح البيئة ولا تنقل وجع السكان الأصليين.


في حين يرى بعض الكتّاب، أنّ الحديث عن المأساة في زمنها الحالي ليس من الصحيح، فعلى الحدث أن ينتهي وتجري انعكاساته حتى يدخل في نطاق الأرشفة وحينها تحضر أقلام الكتاب لرواية ما حدث، سواءً في الأدب أو الفن والدراما نوع من طرق نقل هذا الفن.

هؤلاء ليسوا نحن
الشباب العرب بدورهم فقدوا الثقة برؤية الدراما العربية في الإحساس بمشاكله، وتركيزها على اختصار حياتهم وهمومهم بالعثور على الحبّ والحياة العائلية الدافئة.

فلا تظهر طوابير انتظار المواد الغذائية والمحروقات في دراما اليوم، كما لا يظهر قلق الشاب السوري من التجنيد الإجباري، أو اللبناني من انهيار اقتصاد بلده، أو العراقي من الخشية من التفجيرات في أيّ لحظة، والمصري من غياب الحريات بشكل نهائي، وهكذا فلا مكان لآمال الشباب أو لهواجسهم الدائرة في رؤوسهم، بل لتنميط لصورة الشاب المقتدر القادر على الزواج بسهولة، والخارج في حياته من إطار الزمان والمكان الذي يعيش فيه إلى حالة افتراضية لعالم وردي هجين في منطقة تملؤها النكبات.

المساهمون