دراما الفقاعة الطبقية
يطلق عزت العلايلي النار على فاتن حمامة في فيلم "لا عزاء للسيدات" (إخراج هنري بركات، إنتاج 1979)، فيصيبها، ويتخلى عنها الجميع، بمن فيهم من كان يرغب بالاقتران بها، فلا شيء أسوأ من سمعة امرأة مطلقة، حتى لو كان الجميع يعرف أنها بريئة مما اتُّهمت به.
الفيلم ليس الأول لفاتن حمامة الذي يقارب مرارات الانفصال في مصر والمنطقة، فقد سبق لها أن أدت دور درية في "أريد حلاً" (إخراج سعيد مرزوق، إنتاج 1975). يدور العمل حول امرأة تكابد للانفصال عن زوجها.
تستعاد فاتن حمامة، الصوت الفَرِح، والوجه الجميل، ذات المكانة النادرة في تاريخ السينما العربية تزامناً مع بث مسلسل "كامل العدد" في الموسم الرمضاني الحالي. وبحسب بعض الصحف، يحقق العمل مشاهدات قياسية وجماهيرية كبيرة. "كامل العدد" مسلسل ينتمي إلى فئة اللايت كوميدي، من إخراج خالد الحلفاوي، وبطولة كل من دينا الشربيني وشريف سلامة، مع ظهور بالغ اللطف والجمال لإسعاد يونس. يتناول العمل حياة امرأة ثلاثينية تطلقت مرتين، ولديها أربعة أبناء، تقع في حب طبيب تجميل أرمل لديه ثلاثة أبناء. يتزوجان ويقرران العيش معاً، بحضور أبنائهما؛ فتبدأ المشكلات تنفجر في وجهيهما.
تدور أحداث المسلسل في مصر من الناحية النظرية، بينما تبدو واقعياً كأنها تدور في فقاعة طبقية؛ إذ لا معنى للبلد الذي تقع فيه الأحداث التي يمكنها أن تكون في المكسيك أو تركيا. وهو ليس المسلسل الوحيد الذي يبدو منفصلاً عن الواقع الخشن للمجتمعات العربية الذي دارت فيه أحداث فيلمي فاتن حمامة المُشار إليهما، فكثير من الدراما التلفزيونية أصبحت تدور في مجمعات سكنية فاخرة وأنيقة. لا نعثر في شوارعها الداخلية على منديل ورقي ملقى على جانب أي من الفلل التي يعيش فيها أبطال هذا النوع من الدراما؛ أولئك المتأنقون والأثرياء، الذين لا يتوقفون عن الشكوى من مشكلات تصادفهم، وبعضها عاطفي رخو أو مالي يُضخّم ثم يُحلّ من تلقاء ذاته، ومن دون أن تعرف كيف أو حتى تُعنى بذلك.
علينا أن نتواطأ مع تلك الحياة الافتراضية التي يعيشها أبطال المسلسل إذا رغبنا بالاستمتاع. وثمة إمتاع ومؤانسة في طريقنا إذا تواطأنا وصدّقنا أننا نهرب بالدراما من حياتنا إلى أخرى مفترضة، فيها نساء جميلات بشفاه منتفخة، ومشكلات صغيرة تدفعهن إلى التردد على معالج نفسي وهن يحملن حقائب لوي فيتون أو غوتشي، كما لو أنها مجرّد سلال خضار.
إذا فعلنا ذلك، سنجد أنفسنا أمام كوميديا ببطولة جماعية، وأمام سيناريو محكم وذكي ولمّاح، لحيوات ثلاثة أجيال، تتعايش معاً وفق قواعد مرنة تساعدهم على تخطي مشكلاتهم. بناء الشخصيات متماسك حتى في تطوره، والأحداث تتمحور حول إمكانية المضي قدماً في الحياة المشتركة، أي الزواج، رغم صعوبته. وفي حالة بطلة الفيلم، فإن هذه الإمكانية متاحة. أو علينا أن نصدّق ذلك رغم أنها تعيش مع زوج أرمل وأبنائه ووالديه، ومع أحد زوجيها السابقين، ومع شقيقتها ووالدها العاطفي بطبيعته والمهووس بالموسيقى، وطبعاً إضافة إلى عملها الذي يبدو خلفية باهتة، فلا نعرف كيف تدير مشغلها لمستحضرات التجميل الطبيعية وسط انشغالها طيلة الوقت في مشكلات الأولاد، وكفاحها للحفاظ على حياتها العاطفية مع زوجها.
لماذا تُستعاد فاتن حمامة وليس سميرة أحمد مثلاً التي أدت دور البطولة في فيلم "عالم عيال عيال" والمسلسل مستوحى منه؟ذلك لأنّ الحياة أعقد من مقاربتها درامياً بخفة تعزلها عن إكراهات الواقع، وذلك بالضبط ما تخرج به من فيلم ثالث لفاتن حمامة هو "إمبراطورية ميم" (إنتاج 1972)، ويدور حول أرملة لديها ستة أبناء، ترتبط برجل أعمال لكنها تجد صعوبة بالغة في الزواج منه بسبب الأولاد ومشكلاتهم التي لا تنتهي. الفيلم، بالمناسبة، اجتماعي لايت إذا شئت، لكنه قارب مسألة الزواج والأولاد بنضج أكبر مما فعل مسلسل "كامل العدد".