خالد يوسف... عودة مخرج شريط الانقلاب

03 يوليو 2021
سيعود إلى السينما بفيلم "أهلاً بكم في باريس" (مروان نعماني/فرانس برس)
+ الخط -

لم تكد تمر خمس سنوات على الخدمة الكبرى التي قدمها المخرج خالد يوسف (أعلن عودته إلى السينما قبل أيام) للانقلاب في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، وما ترتب عليها من احتفاء به وتدليله سياسياً وجعله عضواً في مجلس النواب، حتى تغير الوضع تماماً: فجأة تظهر فيديوهات جنسية مشينة بطلها يوسف، ثم يلقى القبض على الفتيات اللاتي ظهرن في تلك الفيديوهات بتهمة إشاعة الفحش، ثم تفرد المواقع الصحافية المصرية المساحات لتلك القضية، ويصبح يوسف هو المتهم باستغلال أولئك الفتيات جنسياً عن طريق اللعب على طموحهن في مجال السينما.

وفي الأثناء يسافر المخرج إلى فرنسا، ولا يعود بعدها إلى مصر سوى أخيرًا وبعد 3 سنوات، عندما توفي شقيقه وعاد ليدفنه بعدما سمحت الأجهزة الأمنية له بذلك. بين صعوده إلى قمة السلطة والنفوذ في مصر، وبين مشهد الفضيحة وخروجه من مصر، ماذا حدث في قصة "مخرج ثورة 30 يونيو"، كما وصفه إعلاميون محسوبون على الانقلاب في مصر؟

رغم أنه كان مخرجًا سينيمائيًا مشهورًا أخرج العديد من الأفلام السينمائية التي أثارت الجدل، بسبب تناولها قضايا المجتمع، مثل الفقر والعشوائيات، وهي الأفلام التي قيل إن بعضها حمل إرهاصات ثورة الخامس والعشرين من يناير التي ارتبط اسمه بها، إلا أن خالد يوسف أطل على الشعب المصري في الثلاثين من يونيو 2013 بإطلالة مختلفة تمامًا، إذ قرر أن يصور شريطًا "سينمائيًا" يضخم من خلال استخدامه الحيل الفنية والإمكانات وزوايا التصوير والأعداد الكبيرة التي نزلت إلى الشارع وكأنها "ثورة شعبية" وليست انقلابًا كما رآها المجتمع الدولي آنذاك. وبالفعل حقق الفيلم الذي صوره يوسف بعض النجاح في إثارة الجدل بدوائر معينة في الغرب حول الانقلاب، وإقناعهم بأنها ثورة شعبية شاركت فيها جموع الشعب المصري.

حصل يوسف على مكافأته بعد نجاح الانقلاب وبدء خطوات ما أطلق عليها "خريطة الطريق" التي بدأت بالاستفتاء على تعديل الدستور ثم "الانتخابات الرئاسية" التي كانت أشبه بمسرحية هزلية، والتي أعلن فيها يوسف تأييده لعبد الفتاح السيسي، متخليًا عن رفيقه التاريخي الذي لطالما دعمه، المرشح حمدين صباحي، وهو ما رفع رصيد يوسف أكثر لدى الأجهزة المحيطة بالسيسي، باستثناء جهاز الأمن الوطني الذي أكد مصدر سابق فيه، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن الجهاز لم يكن يثق في يوسف كثيراً، وأن فكرة تسريب الفيديوهات الفاضحة نبتت من داخل الجهاز لمحاربته.

أصبح يوسف بعد فيلم الانقلاب وتأييده للسيسي رقمًا مهمًا في الحياة السياسية، بعدما وصل إلى عضوية البرلمان كممثل عن كفر شكر في محافظة القليوبية، مسقط رأسه.

ورغم النجاح الكبير الذي حققه في إخراج فيلم الانقلاب، وذلك بالطبع كان بمساعدة كل إمكانيات القوات المسلحة وتحديدًا إدارة الشؤون المعنوية التي وفرت الطائرات ومعدات التصوير اللازمة، إلا أن يوسف بعد ذلك لم يقدم أي عمل سينمائي آخر للترويج للانقلاب. فبعد دخوله مجلس النواب، عرفت عن يوسف المشاكسة في أثناء الجلسات، إذ إنه كان عضوًا في تيار ما يسمى بـ"25/30" تحت القبة، وهو التيار الذي عارض بعض القضايا التي عرضت على البرلمان في دور انعقاده الأول، وهي فترة ابتعد فيها يوسف تمامًا عن عمله الأساسي مخرجا سينمائيا.

ظل خالد يوسف يمارس نشاطه السياسي تحت قبة البرلمان لفترة من الزمن، عارض خلالها بعض القرارات والتوجهات التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي قاد انقلاب الثلاثين من يونيو، مثل قرار التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي أثار غضب الأجهزة، ثم جاءت الفترة التي قرر فيها النظام إجراء تعديلات على الدستور المعدل، تسمح للسيسي بالبقاء في الحكم لمدد أكثر وأطول من المنصوص عليها في الدستور.

وخلال هذه الفترة كشفت "العربي الجديد" عن خطة لجهاز الاستخبارات الذي كان يشرف على الملف، هدفها الترويج للتعديلات من خلال بعض الشخصيات العامة لا سيما المحسوبة على "المعارضة" منها. وكانت الخطة تقتضي أن يقوم النائب خالد يوسف بالتواصل مع هذه الشخصيات ومحاولة إقناعها بقبول فكرة التعديلات الدستورية.

عقب نشر تقرير "العربي الجديد" مباشرة، ‎‏‎نفى المخرج السينمائي المصري وعضو مجلس النواب وعضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور خالد يوسف، في بيان، تكليفه بمهمة التواصل مع قوى سياسية لإقناعها بضرورة تعديل الدستور من أجل التمديد للرئيس عبد الفتاح السيسي. وبعد نفي خالد يوسف بأقل من شهر واحد، وتحديدًا في فبراير/ شباط 2019، سُرب مقطع فيديو إباحي لممثلتين شابتين ولمن قيل إنه مخرج شهير، وبعدها ألقي القبض على الممثلتين منى فاروق وشيما الحاج، بتهمة ارتكاب فعل فاضح، ثم سافر خالد يوسف إلى فرنسا ولم يعد إلا لحضور جنازة شقيقه في مارس/ آذار الماضي، ثم غادر بعدها سريعًا.

وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إن عودة يوسف إلى مصر جاءت بعد تنسيق مع جهاز الاستخبارات العامة الذي سمح بعودته لدفن شقيقه، حتى أن يوسف نفسه بعد جنازة شقيقه شكر "مؤسسات الدولة" التي قال إنها رحبت به في مصر، وقدمت التعازي بوفاة شقيقه. وأكد مصدر مقرب من يوسف لـ"العربي الجديد"، أن رئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل اتصل بيوسف ليعزيه.

وقال يوسف على صفحته الرسمية على "فيسبوك": "وصلت مطار القاهره وفوجئت بمؤسسات الدولة حاضرة ومرحبة ومؤكدة لي ما أعلن عنه منذ أسابيع قليلة أنني لم أكن في يوم متهما في قضية وأن كل ما أشيع كان كلاما مرسلا عبر وسائل إعلامية وغير مستندة لتصريحات من جهات رسمية، ووجدت نفسي خارج المطار بعد دقائق معدودة، وللأمانة أدخل هذا الاستقبال نسمة ارتياح على قلبي الحزين، وعندما جاءتني التعازي من رجالات الدولة تبددت كل هواجس أصدقائي، بل انقشع قليل الغيم المسيطر على روحي بفعل مخاوف ابني". وأضاف: "قدرت لمؤسسات الدولة أن تقوم بالترحيب بعودتي وهم يعرفوني جيدا ويعلمون أنني لا أنتوي التأييد لسياسات عارضتها، وحسبت هذا الترحيب في أول الأمر تقديرا للظرف الإنساني الذي أمر به لولا أن التعزيات التي جاءتني في الأيام التالية كانت مصحوبة بالترحيب بي معارضا وعدم توقعهم أني سأغير مواقفي أو ثوابتي وأعربوا أن الدولة مرحبة أن أقول رأيي بمنتهي الحرية ومن دون دفع أثمان... تمنيت من كل قلبي أن يكون ذلك نهجا جديدا تتبناه أجهزة الدولة وتفتح المجال العام أمام جميع أصوات المعارضة المخنوقة سجنا أو ترهيبا".

وأخيرًا، وبعد غياب ثلاث سنوات، أعلن المخرج المصري خالد يوسف عن عودته إلى عالم السينما بفيلم "أهلاً بكم في باريس"، وهو إنتاج سعودي مصري لبناني مشترك، ويشارك فيه ممثلون من فرنسا والعالم العربي، وتدور أحداثه في فرنسا ولبنان والسعودية وسورية. وفي لقاء حصري معه لبرنامج "حديث القاهرة"، قال يوسف من مقر إقامته في باريس، إن الفيلم استند إلى واقع عايشه في فرنسا، سواء مع الفرنسيين، أو أطياف المهاجرين إليها. وأضاف المخرج، وهو أيضاً كاتب نص الفيلم، أن سؤال الهوية إحدى الركائز التي يستند إليها الفيلم، إذ إن "هذه المجاميع من الناس التي اكتسب بعضها الجنسية، وأنجب أولاده هنا، في مواجهة دائمة مع سؤال داخلي عن منظومة القيم التي ستنتمي إليها أخيراً". ووفقاً له، فإن العنصرية الأوروبية ركيزة أخرى يقدمها الفيلم، وهي تطاول جميع العرب، أغنياء وفقراء. 

اختار يوسف ثلاث نساء تدور حبكة الفيلم حولهن، إحداهن سعودية والثانية لبنانية والثالثة فرنسية من أب مصري، وجميعهن محكومات في قضايا، ويتعارفن داخل السجن، قائلاً إن معاينته عن قرب لقصص هؤلاء النساء على أرض الواقع هو الأساس الذي بنى عليه قصة الفيلم. ولم يكشف خالد يوسف عمّن سيرشحهم لخوض التجربة معه، ما عدا الممثل ماجد المصري الذي قال إنه التقاه في بيروت وعرض عليه الدور ولقي ترحيباً منه.

المساهمون