"حيوانات باريس"... حين كانت الفئران والفيلة على موائد الفرنسيين

18 مايو 2023
المعرض مستمر حتى 3 سبتمبر (موقع المركز الحضري لبحوث العمران)
+ الخط -

عام 1131، كان الأمير الشاب فيليب، ابن لويس السادس ملك فرنسا، يتجول في شوارع باريس مع حاشيته، حين اصطدم خنزير بري بحصانه. تعثر حصان الأمير الشاب ووقع أرضاً ليسقط على رأسه ويصاب بكسور شديدة أدت إلى وفاته. حادث مأساوي بالطبع، غير أنه يعطينا لمحة عن طبيعة المدينة الفرنسية العريقة وأحوالها في تلك الفترة، حيث كانت الحيوانات البرية، كالخنازير والفئران، تتجول في شوارعها الضيقة المتسخة خلال القرون الوسطى. ساهم انتشار الحيوانات والقاذورات في شوارع باريس في تفشي العديد من الأوبئة، على رأسها وباء الطاعون الذي أودى بحياة الآلاف من سكان العاصمة الفرنسية خلال القرون الوسطى.

في ذلك الوقت، لم يكن يُربط بين انتشار الحيوانات والقاذورات وتفشي الأوبئة. غير أن هذا الحادث الذي تعرض له الأمير الشاب ساهم في الحد من انتشارها. بعد مقتل الأمير، سُنّت التشريعات واستحدثت العديد من الإجراءات للحد من انتشار الخنازير والفئران وغيرها من الحيوانات البرية في شوارع باريس.

تلك حكاية من بين مجموعة من الحكايات الأخرى حول تأثير الحيوانات على طبيعة العاصمة الفرنسية، وعلاقة هذه الحيوانات بالأساطير والتاريخ والعمران. هذه القصص وغيرها هي موضوع المعرض المثير الذي يستضيفه حالياً المركز الحضري لبحوث العمران في العاصمة الفرنسية (Pavillon de l'Arsenal) حتى 3 سبتمبر/ أيلول.

يقام المعرض تحت عنوان "حيوانات باريس... تاريخ وحكايات مدينة حية". يسلط المعرض والكتاب المصاحب له الضوء على الآثار المتبادلة لهذا التعايش بين سكان باريس والحيوانات المختلفة، سواء أكانت برية أم مستأنسة، وكيف ساهم هذا التعايش في تاريخ المدينة من العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر.

يضم المعرض لوحات فنية لها علاقة بأحداث تاريخية كان للحيوانات دور محوري فيها. يشتمل كذلك على صور فوتوغرافية لأنواع الذئاب والخيول والأغنام والصقور والكلاب، وغيرها من الحيوانات الأخرى التي لها حضور مؤثر في المدينة في الوقت الحاضر، كالحيوانات المستأنسة أو تلك المعروضة في حدائق الحيوان والمزارع والسيرك وميادين السباق. تُظهر المعروضات أيضاً التأثير المباشر للحيوانات على العمارة الباريسية، كزخرفة المباني الدينية ونُزُل الصيد وحدائق الحيوانات وغيرها. سيتعرف زائر هذا المعرض، مثلاً، على الأسباب التي أدت إلى انتشارالذئاب في باريس خلال النصف الأول من القرن الخامس عشر أثناء حرب المائة عام بين فرنسا وإنكلترا.

واحدة من القصص الطريفة التي يسلط المعرض الضوء عليها تتمثل في لجوء سكان باريس، خلال القرن التاسع عشر، إلى أكل لحوم القطط والكلاب والفئران، بل وحتى الأفيال والدببة والخيول. عام 1870، أثناء الحرب الفرنسية البروسية، حوصرت باريس من كل اتجاه، وتحالف الألمان مع بروسيا لإحكام هذا الحصار من أجل تجويع سكان المدينة وإخضاعهم. وحين ضاق الحصار على الباريسيين، ونفد ما لديهم من مؤن، التفتوا إلى حيوانات الشوارع من قطط وكلاب وفئران، كما لم تسلم حتى الخيول. بين الأعمال التي يضمها المعرض، على سبيل المثال، لوحة شهيرة للفنان الفرنسي نارسيس تشايو (1835 – 1916) بعنوان بائع الفئران، تصور جزاراً شاباً يبيع هذه القوارض في شوارع باريس.

كان هذا هو حال السكان العاديين، أما النخبة فقد لجأت إلى أنواع أخرى من الحيوانات. مع ندرة الغذاء وشح لحوم الحيوانات التقليدية، لجأ أحد أصحاب المطاعم الفاخرة، ألكسندر إتيان كورون، إلى وسيلة مختلفة لجذب انتباه زبائه من الطبقات الراقية.

في ظل الحصار، وجد القائمون على حديقة حيوانات باريس صعوبة في توفير الطعام لحيوانات الحديقة، فاستغل كورون ذلك الأمر واتفق معهم على شرائها من أجل تقديمها وجباتٍ مميزة لصفوة المجتمع. ضمت قائمة الطعام الذي قدمه الطاهي الفرنسي لزبائنه في ذلك الوقت، مجموعة متنوعة من الأطباق غير التقليدية، بينها على سبيل المثال مقبلات من رأس الحمار المحشو، وشرائح من لحم الفيلة، وحساء كنغر، وشرائح دب مشوية بصلصة الفلفل، إضافة إلى القطط والفئران والذئاب المشوية على الطريقة الإنكليزية، والتي وُضعت جميعها على موائد النزلاء مع أكواب النبيذ الفاخر.

المساهمون