حيواتنا الوهمية داخل "دائرة" التواصل الاجتماعي

09 ديسمبر 2020
عرض البرنامج بنسخات متعددة (نتفليكس)
+ الخط -

في الفضاء الافتراضي يمكنك أن تكون من تريد، وأن تقول ما تريد. هذا ما يدّعيه برنامج الواقع "الدائرة" The Circle الذي يمنع المشتركين فيه من اللقاء، فيبقى كل منهم في شقة مستقلة، لكنهم يتواصلون من خلال جهاز "الدائرة"، وهو بديل عن وسائل التواصل الاجتماعية.

أصدرت منصة "نتفليكس" نسخاً متعددة من البرنامج في كل من الولايات المتحدة وفرنسا والبرازيل، عام 2020، وهي إصدارات مقتبسة من البرنامج نفسه بنسخته البريطانية من إنتاج استديو "لامبرت".

لماذا إذاً بات The Circle من البرامج الأكثر متابعة، وحديث منصات التواصل التي تنتظر صدور أجزاء ثانية منه؟ تقوم فكرة البرنامج على التواصل الافتراضي الذي من خلاله يتوجب على اللاعبين خلق استراتيجيات تمكنهم من كسب عدد أكبر من المتابعين أو المؤيدين.

وفي كل حلقة يُنتخب مؤثر أو مؤثرة Influencer بحسب عدد الأصوات التي نجح في الحصول عليها بفضل ملفه الشخصي. قد تمثل هذه الشخصيات الافتراضية أصحابها الحقيقيين أو قد تكون شخصيات مزيفة اختلقها اللاعبون لكسب عدد أكبر من الأصوات المؤيدة. إذ يلجأ بعض اللاعبون لاختيار شخصيات مزيفة للعب، لاعتقادهم أن شخصياتهم المتخيلة أو الزائفة أكثر جمالاً، أو أصغر عمراً، أو ذات صفات اجتماعية قد تكون أكثر تفضيلاً من قبل الآخرين.

في ما بعد يحق للشخصية المؤثرة اختيار إقصاء لاعب إما لكونه منافساً قوياً أو لأن الأغلبية يعتقدون أنه شخصية مزيفة أو لخلافات وقعت بينهما. بالتالي تختلف أسباب إقصاء اللاعبين بحسب استراتيجية الشخصية المؤثرة وما تراه كضمان لفوزها لاحقاً باللقب وبمبلغ 100 ألف يورو كما في النسخة الفرنسية من البرنامج.

ما يميز هذا البرنامج قدرته على قراءة واقعنا الذي باتت فيه منصات التواصل تخلق عالماً بديلاً له تأثير مباشر علينا، خصوصاً مع ما نعيشه أخيراً بسبب تفشي فيروس كورونا، وما فرضه من تباعد اجتماعي. وقد استطاع البعض ممن يعرفون بالمؤثرين تكوين ثروات نتيجة لمحبة المتابعين لهم، ما ساهم باستثمار شركات الإعلان في نفوذ هؤلاء عبر محطات التواصل.

ومن ضمن عالم الأعمال يسقط عامل المصداقية من الحسبان وتبقى القيمة محدودة بالصورة التي ينجح المؤثر بالترويج لها. لكن ومن خلال إجراء مقارنة بسيطة بين الإصدارات المختلفة، يتبين أنها تسير ضمن سيناريو معد.

 ففي الحلقات الأولى من الإصداريين الأميركي والفرنسي يختار المشاركون إقصاء المتسابقة ذات الملف الشخصي الذي تدعي فيه كونها عارضة أزياء. ويتشابه الإصداران في كثير من الأحداث التي تمر ضمنهما، ما يجعل مصداقية البرنامج محل شك. إضافة إلى ذلك، على عكس بعض حلقات مسلسل Black Mirror الذي بيّن سلبية العالم الافتراضي، حيث يحاول الأفراد الوصول لهدفهم مهما كانت الوسيلة، يشجع برنامج The Circle على تحقيق النجاح مهما كانت الطرق المتبعة مسيئة للآخرين.

فقد اقتضت استراتيجية أحد اللاعبين الذي يدعي أنه امرأة بناء علاقة عاطفية مع لاعب آخر تعرض لصدمة كبيرة عندما أدرك في النهاية زيف الشخصية التي شعر تجاهها بعاطفة ما.

رغم ما سبق، الممتع في البرنامج هو ما يعكسه لنا عن ذاتنا. إذ يقضي كل فرد أوقاتاً طويلة أمام الشاشة في محاولة لاختيار أفضل صورة لتبدو حياته أكثر متعة أو جاذبية مما هي عليه. ويحتوي البرنامج على عامل جذب إضافي هو التناقضات التي يعيشها اللاعبون بين الشخصية الافتراضية وشخصياتهم الحقيقية التي قد نعيش لحظات مماثلة لها في واقعنا الذي نسعى لتجميله كي نصبح أكثر شعبية في نظر الآخرين.

لذا تبدو رغبة اللاعبين بإخفاء نقاط ضعفهم محببة ومفهومة بالنسبة لنا. يكتسب برنامج The Circle أهميته لكونه من البرامج القليلة التي استطاعت نقل صورة عن عالمنا الافتراضي الذي نقضي فيه ساعات طويلة من وقتنا. تلك الأوقات التي نعيش فيها لحظات من الحب أو الكره لأشخاص قد لا نلتقي بهم أبداً في حياتنا لكن تأثيرهم علينا يبقى حاضراً فينا. يدفعنا هذا البرنامج لتأمل تجربتنا الافتراضية ولتأمل ذواتنا ضمنها وربما التسامح معها إن لم تكن مثيرة بقدر رغبتنا.

المساهمون