المخرج العراقي حيدر دفار: نحاول الانتصار على قوى الظلام بأفلامنا

14 يوليو 2022
يذهب فيلم "إجازة" لأغوار تلك الحروب التي خاضها الشعب العراقي (من المخرج)
+ الخط -

للمخرج والمُصوّر العراقي حيدر دفار رصيد لا يُستهان به في مجالي التصوير والإخراج. أنجز أفلاماً قصيرة عدّة، كـ"شواهد صامتة"، المُنتَج في سلسلة أفلام "بغداد عاصمة الثقافة العربية" (2013)، سيناريو فاضل محسن، والوثائقي "أحلام العصافير" (75 دقيقة)، "وقصّة السينما العراقية".

درس دفار السينما في "كلية الفنون الجميلة"، وعمل مُصوّراً في التلفزيون اليوناني، وقناة هولندية، و"الجزيرة" الإنكليزية، والتلفزيون الصيني. صوّر وثائقياً عنوانه "تضاريس" (إنتاج الجزيرة وHot Spot)، و"ماذا نقاتل" ليوجين جيركي، الفائز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان صندانس، والفيلم الأسترالي "والد سلام". نال جوائز عدّة، كمُصوّر ومخرج، آخرها جائزة أفضل فيلم أول في "أيام السينما العراقية"، الذي أقيم أخيراً، عن فيلمه "إجازة".

بداية، ماذا عن "إجازة"، المشارك في "أيام السينما العراقية"، الفائز بجائزة أفضل فيلم. ما فكرته وطبيعته؟

الفكرةُ واضحة من السيناريو: بلدنا العراق عاش حرباً طاحنة مع ايران، فَقدنا فيها آباءً وإخوة وأقاربَ وأصدقاء كثيرين، غادرونا ولا ذنب لهم سوى أنّهم فتية، ساقهم الطاغية إلى الحروب. هذا دفعني إلى تخليد ذكرياتهم في هذا الفيلم، وتخليد معاناة زوجات وحبيبات لهم. نهاية الفيلم تكتفي بورقة حِداد، مكتوب عليها: "الشهيد البطل". يؤكّد الفيلم أنْ لا بطولة لمن مات مُرغماً، تاركاً حياته الحافلة بالحبّ والعيش من أجل رعونة الطغاة، ويُسمّى في النهاية "الشهيد البطل". يذهب الفيلم بعيداً في أغوار تلك الحروب، التي خاضها الشعب العراقي، والتقاليد التي أرستها.
هناك فيلمٌ آخر شاركتُ به في المهرجان نفسه، عنوانه "نوم طويل ومملّ جداً"، أُنتج عام 2021. يحملُ نَفَساً فلسفياً وغرائبياً، ويتناول معاناة العراق ومأساته المتأتية من قسوة إرهاب "داعش".

هل كنتَ تتوقّع الفوز بجائزة عن "إجازة"؟

لم أتوقّع الفوز. بطبعي لستُ ميّالاً إلى المهرجانات والكرنفالات التي تتضمّن جوائز، وأرى أنّ الجميع فائزون بالمُنجز الذي يُقدّم. يبقى الفوز من عدمه خاضعاً لآراء أعضاء لجان التحكيم، مع احترامي لكلّ من ساهم في تقييم تلك الأفلام.

ينشغل جيلك من السينمائيين بموضوع محدّد، يتعلّق بتداعيات الحروب، ومحاربة تنظيم "داعش"، وما جرّه من مآس. أما آن الأوان لأن تنصرف الأفلام إلى موضوعات أخرى؟

نحن جيل نشأنا وتربّينا في الحروب. وبما أنّ السينما مرآة الواقع، لا مناص لنا من هذا الواقع. جميعنا نحاول ترجمة المرحلة بصُوَر مرئية، تنعكس فيها المرحلة، ونحاول أنْ ننتصر على قوى الظلام من خلال أفلامنا. مسألة "الانصراف" تأخذ وقتاً ربما يكون طويلاً.

حقّقتَ أفلاماً قصيرة ووثائقية. هل تفكر بإنجاز فيلمٍ روائي طويل؟

لي فيلمان وثائقيان: الأول بعنوان "أحلام العصافير"، مدّته 75 دقيقة، إنتاج عام 2005، مع أربعة مخرجين عراقيين، كلّ منهم أنجز جزءاً اختاره، ثم أكملْتُ المشروع، وربطتُ القصّة بكاملها. كانت تجربة جديدة ومفيدة. الثاني عنوانه "شواهد صامتة"، إنتاج عام 2013 في سلسلة أفلام "بغداد عاصمة الثقافة العربية"، تأليف فاضل محسن. هناك أفلامٌ أخرى أيضاً. الحقيقة، جميعنا نحلم بفيلمٍ روائي طويل. لديّ نصّ جاهز، لكنّ المشكلة تكمن في الإنتاج. كلّي طموح بتنفيذه، لا سيما أنّ "دائرة السينما والمسرح" بدت جادةً لخلق إنتاج سينمائي عراقي، وجميعنا ننتظر الوقت المناسب للحصول على تمويل، لإنتاج أفلام روائية طويلة. بالمناسبة، ليست "دائرة السينما والمسرح" وحدها بطيئة في الاستجابة. منذ زمن، أتواصل مع مهرجانات تدعم إنتاج الأفلام، لكنّ النتيجة واحدة: "عليك أنْ تنتظر". لا لوم على جهة من دون أخرى، ما دام الموضوع يتعلّق بالمال. أتمنّى إنتاج فيلمٍ روائي طويل بتمويل عراقي، حتى نُفوّت الفرصة على الذين يشترطون.

الإنتاج السينمائي يكاد يكون المشكلة الأهمّ لصنّاع السينما في العراق. كيف السبيل إلى التخلّص من أثر هذه المشكلة؟

لا شكّ في أنّ الإنتاجَ السينمائي المعضلةُ الأهمّ التي تواجه السينما العراقية، فالسينما صناعة قبل أن تكون فنّاً. نحن، منذ أكثر من 60 عاماً، رَهَنّا إنتاجنا بالقطاع العام، تحديداً منذ تأسيس "مصلحة السينما والمسرح" عام 1958، إلى درجةٍ أصبحنا معها لا نمتلك إلّا ثقافة هذا القطاع، ولم نُعوِّد رأسمالنا على الدخول في هذا المجال. هذا ما جنينا ثماره، نحن السينمائيين الشباب، في الأعوام التي شهد فيها الإنتاج السينمائي العالمي أرقاماً خيالية في إنتاج الأفلام. لهذا السبب، اتّجه معظم سينمائيّينا إلى الأفلام القصيرة، غير المُكلفة إنتاجياً، لعلّها تردم هوّة الإنتاج هذه.
بالنسبة إلي، وإلى ما أؤمن به، على القطاع الخاص وشركات الإنتاج العراقية أنْ تساهم، بشكل قاطع، في إنتاج أفلام عراقية، وعليها أنْ تُغامر، كما فعلت مع إنتاج الدراما والمسلسلات. علينا أنْ ننتبه جيداً، فأيّ بضاعة بلا تسويق وإعلان يبقى مصيرها رفوف الغرف الرطبة.

ما الذي تقوله في المهرجانات السينمائية في العراق، التي أصبحت أكثر مما يُنتج من أفلامٍ وفعاليات سينمائية؟

موقف معنيين كثيرين في السينما أنّهم يجدون كثرة المهرجانات، في العراق تحديداً، حيث صناعة السينما لا تزال، للأسباب التي ذكرتها، في طور التجديد؛ إذاً موقفهم يقول إنّه لا يُعقل أنْ يكون هناك هذا العدد من المهرجانات. لكنّي أرى عكس ذلك. فإقامة المهرجانات، مع مرور الوقت، تخلق نوعاً من الخبرة والدراية في تنظيمها، لتحقّق أهدافها.
أمّا بخصوص كثرة المهرجانات في العراق، في بغداد والمحافظات، فأجدها حالة صحية، تستحقّ كلّ التقدير والاحترام. نحن بحاجة إلى الدربة والمران، وبالتأكيد من تراكم الخبرات سينهض العراق سينمائياً. أرى أنّ قليلاً من الصبر يولِّد لنا مجالات في الدعم والإنتاج.

ما الذي تتوقّف عنده في الحراك السينمائي العراقي الآن؟
أرى أن دفع عجلة السينما في العراق يسير بشكل طبيعي ومتصاعد، والشباب هم الذين أرسوا أساس هذا الانطلاق، وإنْ واجهت الحركة السينمائية بعض المعوقات، ومنها الإنتاج، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنْ المسيرة تتوقّف، إذْ حقّقت السينما العراقية، خاصة بعد عام 2003، إنجازات كبيرة، إذا قيست بالظروف الصعبة التي واجهتها، واستطاعت أنْ تعتلي منصّات الفوز في المهرجانات السينمائية، وتمّ إنتاج عددٍ من الأفلام الروائية الطويلة لمخرجين عراقيين، أكّدت حضورها في المحافل السينمائية.

المساهمون