- ردود الفعل والاستقالات: استقال عدد من الصحافيين البارزين احتجاجًا على القرار، معتبرين أن الحياد يمثل صمتًا غير مقبول أمام تهديدات ترامب، ومن بينهم ديفيد إي. هوفمان ومولي روبرتس.
- الدفاع عن القرار وتأثيره على الثقة: دافع جيف بيزوس عن القرار لاستعادة ثقة الجمهور، مشيرًا إلى أن تأييد مرشح يخلق تصورًا بالتحيز، في ظل تراجع الثقة في الإعلام.
منذ إعلان صحيفة واشنطن بوست التي يملكها الملياردير جيف بيزوس أنها لن تدعم الديمقراطية كامالا هاريس، ولا الجمهوري دونالد ترامب، المرشحَين للانتخابات الرئاسية الأميركية، ألغى أكثر من مائتي ألف شخص اشتراكاتهم فيها، واستقال نحو ثلث أعضاء هيئة تحريرها احتجاجاً.
كانت الصحيفة الأميركية العريقة قد أعلنت، الجمعة الماضي، أنها لن تدعم هاريس ولا ترامب في السباق إلى البيت الأبيض، وذلك في موقف تتخذه للمرة الأولى منذ عام 1988. وقال حينها الرئيس التنفيذي للصحيفة، وليام لويس، إن هذا يمثل عودة "إلى جذورنا بعدم تأييد مرشحين رئاسيين".
طوال العقود الأربعة الماضية، دأبت هيئة تحرير الصحيفة على دعم مرشحين، وجميعهم من الديمقراطيين، قبل أن تقرر الآن البقاء على الحياد في أحد أكثر الانتخابات استقطاباً في تاريخ الولايات المتحدة، في خطوة غريبة على الإعلام الأميركي خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة. وعلى الرغم من فقدان الصحف التأثير الذي كانت تحظى به في السابق، إلا أن "واشنطن بوست" التي تتخذ من "الديمقراطية تموت في الظلام" شعاراً، لا تزال تحتفظ بتأثير ملحوظ بين النخبة في العاصمة الأميركية.
وهاجم رئيس التحرير التنفيذي السابق لـ"واشنطن بوست"، مارتي بارون، "جبن الصحيفة" الذي ستسقط الديمقراطية ضحيته. وقال بارون إن ترامب سينظر الى القرار على أنه "دعوة ليمارس مزيداً من الترهيب" بحق جيف بيزوس.
أكثر من 200 ألف شخص يلغون اشتراكاتهم
منذ اتخاذ الصحيفة الأميركية العريقة هذا القرار حتى أمس الاثنين، ألغى أكثر من 200 ألف شخص اشتراكاتهم فيها، وفقاً لما ذكرته شبكة "الإذاعة الوطنية العامة" الأميركية، نقلاً عن "شخصين في الصحيفة على دراية بالأمور الداخلية". وتعد خسارة في الاشتراكات بهذا الحجم الضخم بمثابة ضربة لوسيلة إعلامية تواجه بالفعل صعوبات مالية. وكانت "واشنطن بوست" تملك أكثر من 2.5 مليون مشترك العام الماضي، ومعظم هؤلاء مشتركون عبر الإنترنت، ما يجعلها في المرتبة الثالثة بعد صحيفتي نيويورك تايمز وول ستريت جورنال من حيث التوزيع.
وكانت هيئة التحرير في الصحيفة قد أعدت تقريراً لتأييد الديمقراطية كامالا هاريس، ولكنها أعلنت بدلاً من ذلك، الجمعة الماضي، أنها ستترك الأمر للقرّاء ليقرروا ذلك بأنفسهم، استجابة لطلب مالك الصحيفة جيف بيزوس، وفقاً لشبكة سي أن أن.
وتسبب توقيت القرار، أي قبل أقل من أسبوعين من يوم الانتخابات، في طرح تساؤلات بين النقاد حول ما إذا كان مالك الصحيفة ومؤسس شركة أمازون جيف بيزوس يخشى من ردة فعل محتملة من المرشح الجمهوري دونالد ترامب في حال انتخابه رئيساً.
استقالات من هيئة تحرير صحيفة واشنطن بوست
استقال الصحافيان مولي روبرتس وديفيد إي. هوفمان، الاثنين، من منصبيهما في هيئة التحرير، رغم أنهما سيبقيان في الصحيفة. وأفادت "واشنطن بوست" بأن الصحافية ميلي ميترا استقالت أيضاً من هيئة التحرير، ما يعني أن نحو ثلث أعضاء الهيئة المكونة من 10 أفراد قد استقالوا.
وقال هوفمان الذي حصل على جائزة بوليتزر لعام 2024 في الكتابة الافتتاحية، عن سلسلة مقالات حول التكتيكات الجديدة التي تستخدمها الأنظمة الاستبدادية لقمع المعارضة، إنه لا يريد أن يظل صامتاً أمام التهديد الذي يشكله ترامب على الولايات المتحدة. وأضاف هوفمان، الاثنين، في مقابلة مع شبكة سي أن أن: "لا يمكنني الجلوس بعد الآن وسط هيئة التحرير وكتابة افتتاحيات بينما استسلمنا نحن أنفسنا للصمت. نحن نواجه خياراً رهيباً، بل استبداداً وشيكاً. لا أريد التزام الصمت أمام ذلك. ولا أريد أن تلتزم واشنطن بوست الصمت إزاء ذلك، وواقع أننا لن نزكي أي مرشح هو درجة من التزام الصمت لا يمكنني تحملها".
أما مولي روبرتس، فقالت في رسالة استقالتها إنها اتخذت هذا القرار لأن "الضرورة الملحة لتأييد كامالا هاريس على دونالد ترامب واضحة أخلاقياً. والأسوأ أن صمتنا هو بالضبط ما يريدنا دونالد ترامب أن نفعله نحن والمؤسسات الإعلامية".
واستقال أيضاً كاتب العمود والمحرر الذي عمل في الصحيفة لمدة 25 عاماً، روبرت كيغان، الجمعة. وصرح كيغان لشبكة سي أن أن: "من الواضح أن هذه محاولة من جانب جيف بيزوس لكسب ود دونالد ترامب، تحسباً لانتصاره المحتمل: هدد ترامب بملاحقة مصالح بيزوس. يدير بيزوس واحدة من أكبر الشركات في أميركا. لديهم علاقات معقدة للغاية مع الحكومة الفيدرالية. إنهم يعتمدون على الحكومة الفيدرالية".
بيزوس يدافع عن القرار: الأميركيون لا يثقون بالمؤسسات الإخبارية
مالك "واشنطن بوست" جيف بيزوس هو مؤسس شركة أمازون وشركة الفضاء بلو أوريجين، وكلتاهما لديها عقود مع الحكومة الفيدرالية. خلال إدارة ترامب، اضطر البنتاغون إلى إلغاء عقد للحوسبة السحابية قيمته عشرة مليارات دولار مع "مايكروسوفت" بعد أن رفعت "أمازون" دعوى قضائية زعمت فيها أن العقد سلب منها لمعاقبة بيزوس على تقارير "واشنطن بوست" المتعلقة بترامب. وكان ترامب قد صرح علناً بأنه راجع شخصياً العقد الذي كان من المتوقع أن تفوز به "أمازون". وفي النهاية، حصلت أربع شركات، بينها "أمازون" و"مايكروسوفت"، على حصة في العقد.
ودافع بيزوس عن قراره من خلال مقال رأي نشرته صحيفة واشنطن بوست مساء الاثنين، لكنه أعرب عن أسفه لأن هذه الخطوة أعلنها قبل فترة قصيرة جداً من يوم الانتخابات الرئاسية الأميركية. ووصف قراره بأنه "مبدئي"، مشككاً أصلاً بالفائدة من إعلان تأييد مرشح على حساب آخر. وشدد على أن قراره يهدف إلى استعادة ثقة الأميركييين بالمؤسسات الإعلامية الإخبارية.
وكتب أن إعلان تأييد أحد المرشحين "لا يؤثر في ترجيح كفته في الانتخابات؛ لن يقول أي ناخب لم يحسب قراره في بنسلفانيا: سأؤيد من أيدته الصحيفة. لا أحد يفعل ذلك. ما تفعله هذه الخطوة، في الواقع، خلق تصور للتحيز. تصور بعدم الاستقلالية".
وبالفعل، فقد وجدت استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة واشنطن بوست وكلية شار للسياسة والحكومة في جامعة جورج ميسون، في يونيو/ حزيران الماضي، أن ثلاثة فقط من كل عشرة أشخاص من سكان ست من أهم الولايات في الانتخابات الرئاسية هذا العام يثقون في أن وسائل الإعلام ستنقل الأخبار السياسية بعدل ودقة. وأشار سبعة من كل عشرة أشخاص إلى أنهم لا يثقون كثيراً في حدوث ذلك، أو أنهم لا يثقون على الإطلاق. وضعف الثقة هذا أكثر شيوعاً بين اليمينيين. على سبيل المثال، أشار 13% فقط من البروتستانت الإنجيليين البيض في تلك الولايات إلى أنهم يثقون في قدرة وسائل الإعلام على تغطية السياسة بشكل عادل.
كما أفادت مؤسسة غالوب، في أكتوبر/ تشرين الأول الحالي بأن الأميركيين سجلوا أدنى مستوى على الإطلاق للثقة في وسائل الإعلام، إذ أعرب 31% فقط عن "قدر كبير" أو "معقول" من الثقة في وسائل الإعلام في نقل الأخبار "بشكل كامل ودقيق ومنصف". وانخفضت ثقة الأميركيين في وسائل الإعلام (الصحف والتلفزيون والإذاعة)، لأول مرة إلى 32% عام 2016، وظلت النسبة هي نفسها العام الماضي. وللعام الثالث على التوالي، لا يثق عدد أكبر من البالغين في الولايات المتحدة على الإطلاق في وسائل الإعلام (36%)، مقارنة بمن يثقون بها "كثيراً" أو بـ"قدر معقول". ويعرب 33% آخرون من الأميركيين عن "عدم الثقة كثيراً" بالمؤسسات الإعلامية.
"لوس أنجليس تايمز" أيضاً
وجاء قرار الصحيفة بعد أيام فقط من إعلان "لوس أنجليس تايمز" أيضاً أنها لن تؤيد أي مرشح رئاسي، واعترفت الصحيفة لاحقاً بأن هذا القرار كلفها آلاف الاشتراكات. وزاد عدد التعليقات على مقال على موقع الصحيفة يتناول تداعيات عدم تأييد أي مرشح عن أكثر من ألفي تعليق، العديد منها من قراء يقولون إنهم سيتركون الصحيفة. وكتب أحد المعلقين: "أنا ألغيت اشتراكي بعد 70 عاماً"، قائلاً إنه فقد الأمل والإيمان بأن الصحيفة ستنشر الحقيقة. وأعلنت مسؤولة التحرير في صحيفة لوس أنجليس تايمز، مارييل غارزا، استقالتها الأربعاء الماضي، احتجاجاً على منع مالك الصحيفة باتريك سون ــ شيونغ هيئة التحرير من إصدار تأييد لهاريس. اعتبرت غارزا أن القرار صوّر الصحيفة كأنها "جبانة ومنافقة". بعد فترة وجيزة من استقالة غارزا، استقال عضوان آخران من هيئة التحرير، هما روبرت غرين وكارين كلاين. وقال سون - شيونغ، في مقابلة مع صحيفة سبكتروم نيوز الخميس الماضي، إنه يخشى أن يؤدي تأييد مرشح على حساب آخر إلى زيادة الانقسام في البلاد. وانتقد سون - شيونغ، الذي تقدر ثروته بنحو 7.1 مليارات دولار، عشرات القراء الذين ألغوا اشتراكاتهم في الصحيفة بعد القرار، مدعياً أنهم يساهمون في القضاء على الديمقراطية. وقال: "يمكنكم التعبير عن آرائكم، لكنني آمل أن تفهموا أن عدم الاشتراك (في الصحيفة) يزيد من إضعاف الديمقراطية والسلطة الرابعة". لكن والدها حرص على التأكيد أن ابنته لا تمثل الصحيفة أو أي قرار متعلق بها، مشيرًا إلى أن تصريحاتها تعبّر عن آرائها الشخصية فقط.